نشرت مجلة "
فورين أفيرز" الأمريكية تقريرا، بينت فيه مدى فعالية سياسة الحماية الاقتصادية التي تتبعها الولايات المتحدة، التي تركّز على الحرب التجارية ضد
الصين، التي لم تُسهم في
استعادة الوظائف في قطاع الصناعة الأمريكي، عكس ما هو متوقع.
وقالت المجلة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"؛ إن هناك خلافات عميقة بين هاريس وترامب بشأن السياسة الخارجية الأمريكية، لكن كليهما يتفق على ضرورة مواصلة السياسة الحمائية التجارية.
وبينما فرض ترامب رسوما جمركية شاملة، ترى هاريس وجوب فرض "رسوم مستهدفة واستراتيجية" لدعم العمال الأمريكيين.
وعلى الرغم من أن بايدن وهاريس وترامب يرون أن هذه القيود من شأنها أن تحمي الصناعات الأمريكية وتعيد وظائف الطبقة العاملة، تُظهر دراسة جديدة أن المنافسة من الواردات الصينية لم تعد تؤثر على التوظيف في قطاع التصنيع في الولايات المتحدة، حيث توقفت الولايات المتحدة عن فقدان وظائف التصنيع، قبل وقت طويل من بدء فرض الرسوم على المنتجات الصينية.
وذكرت المجلة أن السياسات الحمائية لا تُساعد على خلق وظائف جديدة، بل قد تُعيقها ولا تساهم في توسيع سوق العمل. وبدلا من ذلك، ينبغي لواشنطن التركيز على تقليل الحواجز التجارية وتعزيز الروابط الاقتصادية العالمية، بدلا من الحماية التجارية، لتحقيق فوائد العولمة لجميع الأمريكيين.
وأشارت المجلة إلى أن المنافسة من الصين أدت لفقدان وظائف التصنيع الأمريكية بين 1991 و2011، مما تسبب في زيادة الفقر والإدمان في المناطق المتضررة. لكن الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب، لم تنجح في إعادة وظائف التصنيع التي فُقدت سابقا بسبب المنافسة من الصين، بل قد تُعيقها.
وأشارت المجلة إلى أن الرسوم الجمركية تُركز بشكل أساسي على الواردات من الصين، وتُغفل الواردات من اقتصاديات ناشئة أخرى، التي تُساهم بشكل إيجابي في توظيف التصنيع الأمريكي. في المقابل، تفضّل شركات التصنيع الأمريكية الكبيرة استيراد مكونات من العديد من البلدان لضمان نموها ووظائفها.
وأوردت المجلة أن الولايات المتحدة يجب أن تركز على تخفيف القوانين التي تعيق تجارة الخدمات الأمريكية، والتي تُوفر وظائف أكثر من قطاع التصنيع. وفي الواقع، تفرض العديد من الدول حواجز عالية على تجارة الخدمات الأمريكية، مما يُحدّ من الفرص المتاحة للعمال الأمريكيين في هذا القطاع.
وحسب المجلة، تُساهم التجارة في خلق وظائف جديدة، ولكن الرسوم الجمركية قد تُضر بالعمال الأمريكيين والأجانب. وفي هذه الحالة، يجب على الولايات المتحدة أن تُركز على تعزيز التجارة العالمية لضمان الاستفادة من فوائدها لجميع الأطراف.
وأشارت المجلة إلى أن بعض الخبراء والمسؤولين الذين يرون أن الرسوم الجمركية لها عيوب اقتصادية، لا يزالون يعتقدون أنها ضرورية لأغراض الأمن القومي. وهم يجادلون بأن واشنطن يجب أن تقلل من تجارتها مع الصين بشكل خاص، لتجنب تعزيز صعود بكين وضمان عدم اعتماد الصناعات الأمريكية على الواردات الصينية.
لكن الرسوم الجمركية، مثل أي إجراء حمائي آخر، هي أدوات غير دقيقة لمعالجة مخاوف الأمن القومي، لذا يجب على المسؤولين الأمريكيين بدلا من ذلك اتباع سياسات بديلة، تستهدف بوضوح حماية الأمن القومي مع تقليل التكاليف الاقتصادية.
وأفادت المجلة بأن فرض رسوم جمركية شاملة قد يجعل الولايات المتحدة أقل أمانا. فإذا طبقت واشنطن تدابير حمائية واسعة وغير مميزة، فقد تستجيب الدول بالمثل. كما أن مثل هذه الحرب التجارية ستكون غير مستقرة. وقد أظهر العديد من علماء السياسة أن التجارة في السلع والخدمات تساعد في تعزيز السلام، من خلال ربط الاقتصاديات ببعضها البعض، مما يتطلب من الدول اعتماد معايير وممارسات مشتركة، ويستدعي التعاون بين المسؤولين. ومن ثم فإن قطع أو إضعاف هذه الروابط سيزيد من خطر نشوب النزاعات.
وبيّنت المجلة أن قلق بايدن وهاريس وترامب بشأن صراعات العمال والشركات الأمريكية ليس خاطئا، لكن التحديات تكمن في توزيع فوائد العولمة بشكل غير متناسب. بدلا من الانسحاب، يجب على واشنطن تعزيز مهارات القوى العاملة، خصوصا للعمال غير الحاصلين على شهادات جامعية.
ويدعم قانون تشيبس والعلوم الأمريكي الكليات المجتمعية والبرامج المهنية، وهو ضروري لتزويد العمال بالمهارات اللازمة للتنافس. كما يجب على أصحاب العمل التركيز على المهارات بدلا من المؤهلات الأكاديمية، ذلك أن 51 بالمئة من العمال اكتسبوا مهاراتهم بطرق بديلة.
وفي الختام، أكدت المجلة أن الحماية الرجعية تقدم تخفيفا مؤقتا فقط، في حين تطوير القوى العاملة هو السبيل لبناء اقتصاد متين وضمان النجاح على المدى الطويل.