استفاقت "
تل أبيب" على صوت انفجار كبير سبقته صافرات إنذار دوت فجر الأحد، لكن هذه المرة مصدر التهديد لم يكن قطاع غزة كما جرت العادة، بل
اليمن، الذي شن هجوما بصاروخ باليستي سقط في ضواحي عاصمة دولة
الاحتلال.
وقال جيش الاحتلال الإسرائيلي، إن صاروخا من نوع "أرض-أرض" أطلق على وسط "إسرائيل" من اليمن وسقط في منطقة غير مأهولة قرب "تل أبيب"، إلا أن الصور الواردة من مكان القصف كشفت غير ذلك.
وقال الناطق العسكري باسم جماعة أنصار الله (
الحوثي) يحيى سريع، إن القوات المسلحة اليمنية نفذت عملية عسكرية نوعية استهدفنا خلالها هدفا عسكريا في يافا بصاروخ
فرط صوتي.
وأضاف، أن "
الصاروخ الفرط صوتي قطع مسافة تقدر بـ 2400 كيلومتر في غضون 11 دقيقة ونصف الدقيقة.
فكيف وصل الصاروخ لعمق الأراضي المحتلة؟
صاروخ "حاطم 2"
يبدو من سرعة الصاروخ والمسافة التي قطعها أنه صاروخ "فرط صوتي" بعيد المدى، وقد أعلنت مؤخرا جماعة الحوثي امتلاكها لهذه النوعية من الصواريخ.
أول إعلان عن هذه الصواريخ، كان في منتصف آذار/ مارس الماضي، حينها نقلت وكالة "نوفوستي" الروسية عن مصدر عسكري مقرب من جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) في اليمن أن الجماعة أجرت تجربة لصاروخ فرط صوتي.
وقال المصدر إن القوة الصاروخية التابعة للحوثيين أجرت تجربة على صاروخ، قيل إنه يعمل على الوقود الصلب، وإن سرعته تبلغ 8 ماخ (نحو 10 آلاف كلم في الساعة)، وهذا يفسر على ما يبدو وصول الصاروخ فجر الأحد إلى "تل بيب" في غضون 15 دقيقة قاطعا نحو 2000 كيلومتر انطلاقا من اليمن.
وأضاف المصدر وقتها، أن "هناك نية لإطلاق إنتاجه للاستخدام في الهجمات في البحر الأحمر وبحر العرب وخليج عدن واستهداف مواقع في الكيان المحتل".
وفي حزيران/ يونيو الماضي، كشف الحوثيون عن استخدام الصاروخ الباليستي الفرط صوتي الجديد "حاطم 2" ضد سفينة "MSC SARAH V" الإسرائيلية في بحر العرب.
وقالت الجماعة إن الصاروخ يعمل بالوقود الصلب، كما أنه يتمتع بنظام تحكم ذكي وقدرة على المناورة، ويمتلك عدة أجيال بمديات مختلفة، وتم تصنيعه في هيئة التصنيع العسكري اليمنية.
وتمتلك الجماعة، صواريخ "طوفان" الباليستية التي يتراوح مداها بين 1350و1950 كيلومترا، وتشبه في تصميمها صواريخ "قدر" الإيرانية، حيث يُعتقد أن لديها مرحلة أولى تعمل بالوقود السائل، ومرحلة ثانية تعمل بالوقود الصلب، ما يسمح لها بمدى كبير، ويبلغ طول الصاروخ نحو 16 مترا، وعرضه نحو متر ونصف.
الصواريخ الفرط صوتية
وتعرف الصواريخ الفرط صوتية، بأنها نوع من الأسلحة الفتاكة بسرعة تتجاوز خمسة أضعاف سرعة الصوت ولا تتبع مسارا مقوسا، كما أن بمقدورها المراوغة أثناء الطيران ما يسهل اختراقها للدفاعات الجوية، ويعيق تتبعها من قبل الرادارات، وتطير على ارتفاعات منخفضة مقارنة بالصواريخ الباليستية.
وتتصدر روسيا والصين والولايات المتحدة الأمريكية قائمة الدول التي تعمل على تطوير تكنولوجيا الأسلحة الفرط صوتية، وانضمت لها كل من إيران وكوريا الشمالية عام 2023، وتعمل المملكة المتحدة وأستراليا وفرنسا على البحث في هذه التكنولوجيا.
ويعمل الصاروخ وفق مبدأ السرعة الفائقة، حيث يتشكل قمع حوله عندما تصل سرعته إلى 350 مترا في الثانية، وهي سرعة الصوت، ثم يُسمع صوت انفجار عند اختراق حاجز الصوت، وهو ما يعرف بالغارات الوهمية، وتصبح سرعة الصاروخ حينها فوق صوتية.
وعقب اختراق سرعة الصوت بخمسة أضعاف يصل الهواء إلى حالة البلازما التي تكون على شكل سحابة محيطة برأس الصاروخ، ما يجعل من الصعب تتبعه على الرادارات أو اعتراضه من قبل الدفاعات الأرضية.
إخفاق الاعتراض
ذكرت القناة 12 الإسرائيلية أن دفاعات جوية أخفقت في اعتراض الصاروخ الذي سقط على مقربة من مطار "بن غوريون".
سقوط الصاروخ مثل تفنيدا لرواية جيش الاحتلال الذي أعلن أنه اعترضه خارج الأجزاء الإسرائيلية عبر منظومة "حيتس3".
إذاعة جيش الاحتلال قالت إن مسار الصاروخ بلغ حوالي 2000 كيلومتر، فيما احتاج نحو 15 دقيقة لقطع هذه المسافة.
وأكدت الإذاعة، إطلاق عدد من الصواريخ الاعتراضية على الصاروخ، سواء من نظام "حيتس" أو من القبة الحديدية، لكنها فشلت في اعتراضه.
من جانبه قال المحلل العسكري الإسرائيلي، نوعام أمير: "في النهاية اجتاز الصاروخ الطريق من اليمن إلى إسرائيل، فعلى ماذا أطلقت كل هذه الصواريخ الاعتراضية؟ هذا عرض لقيادة الجبهة الداخلية وأنظمة الدفاع الجوي بدلاً من الحوثيين... لم يكن من المفترض أن يوقظوا غوش دان هكذا هذا الصباح".
ووصفت وسائل إعلام عبرية، أن ما حدث هو فشل للجبهة الداخلية والدفاع الجوي أمام هذا الصاروخ، حيث كان يجب أن يتم التعامل مع التهديد خارج حدود "إسرائيل".
وأفادت الشرطة الإسرائيلية بأن الصاروخ اليمني سقط في بلدة كفار دانيال في منطقة قريبة من مطار "بن غوريون بتل أبيب".
وأضافت أن الصاروخ تسبب في حرائق بمناطق حرجية وأضرار مادية في محطة رئيسية للقطار قرب بلدة موديعين.
بدوره، ذكر موقع "والا" الإسرائيلي، أن أقمار التجسس الإسرائيلية والأمريكية التي يفترض أن تتعقب مواقع الإطلاق المحتملة باليمن فشلت في رصد الصاروخ.
وأضاف، أنه كان يفترض أن تلتقط الأقمار الصناعية الأميركية الحرارة الكبيرة الناتجة عن محرك الصاروخ وأن يبلغ الجيش الإسرائيلي بذلك.
وعلى صعيد الخسائر الأولية، ذكر الإسعاف الإسرائيلي أن تسعة إسرائيليين أصيبوا أثناء اندفاعهم نحو الملاجئ بعد انطلاق صافرات الإنذار.
عمق الاحتلال
وبعد نجاح عملية اليوم الأحد، أكد نائب رئيس الهيئة الإعلامية لأنصار الله نصر الدين عامر، أن الدفاعات الجوية الإسرائيلية فشلت في اعتراض الصاروخ اليمني، مشددا على أنه بلغ هدفه.
وأضاف أن عمق الاحتلال أصبح مكشوفا بالكامل أمام القوات المسلحة اليمنية (الحوثيين)، مبينا أن مسيّراتهم وصلت سابقا إلى "إسرائيل" والآن تصل الصواريخ دون اعتراض، متوعدا الاحتلال بأن "المستقبل يخفي الكثير"، وفق تعبيره.
ويبدو أن تلك الرسالة التي أراد الحوثيون إيصالها هي أن "تل أبيب" باتت تحت نار صواريخهم ما ينقل المواجهة إلى مستوى آخر، خصوصا أن جماعة الحوثي هي الجهة الوحيدة التي تملك تقنية الصواريخ الفرط صوتية في المنطقة بالإضافة إلى إيران.
ويعتبر الهجوم نجاحا ثالثا لجماعة الحوثي في الوصول إلى الأراضي المحتلة بعد عمليتين استخدمت في إحداهما الطائرة المسيرة "يافا" في يوليو/ تموز الماضي، حيث قُتل إسرائيلي وأصيب 10 آخرون إثر سقوط مسيّرة وسط "تل أبيب"، على بعد مئات الأمتار من سفارة الولايات المتحدة، كما أن صواريخ الحوثيين وصلت عدة مرات إلى "إيلات" جنوب فلسطين المحتلة.
وسبق أن أعلن زعيم الحوثيين، عبد الملك الحوثي مرارا، أن قواتهم مستمرة في تطوير قدراتها العسكرية، مؤكدًا أن العالم سيشهد "مستوى من الإنجازات الاستراتيجية" تضع اليمن في مصاف الدول المتقدمة في هذا المجال.