صحافة دولية

كيف أثرت الولايات المتحدة في ظهور أسوأ نسخة ممكنة من الاحتلال؟

بايدن يقود "إسرائيل" لموجة تلو الأخرى من العنف المتصاعد بسبب الدعم غير المشروط- جيتي
أثر الدعم الأمريكي غير المشروط للاحتلال الإسرائيلي على ظهور هذه الوحشية والتصعيد في المنطقة منذ اندلاع الحرب على قطاع غزة في السابع من تشرين الأول / أكتوبر 2023.

ونشر موقع "ذي انترسيبت" مقالا للصحفي سونجيف بيري، قال فيه إنه بينما تحترق بيروت تحت قنابل إسرائيل، من الواضح لأي شخص يراقب أن أمريكا احتضنت منذ فترة طويلة ظهور أسوأ نسخة ممكنة من إسرائيل، لقد كافأت عقودا من السياسة الخارجية الأمريكية وعجلت بمسار تنازلي لسياسات وأعمال الإبادة الجماعية في كل من المجتمع والحكومة الإسرائيلية.

وأضاف المقال الذي ترجمته "عربي21"، أنه بدعم كامل من الرئيس الأمريكي جو بايدن ونائبة الرئيس كامالا هاريس، تقود إسرائيل موجة تلو الأخرى من العنف المتصاعد في مساعيها المستمرة للقضاء على أي معارضة للتوسع المستمر للدولة اليهودية في الأراضي التي يعيش فيها بالفعل ملايين الفلسطينيين واللبنانيين وغيرهم من الناس.

وأشار إلى أن "إسرائيل التي نراها اليوم هي الأسوأ على الإطلاق من بين كل النتائج المحتملة، فهي دولة شوفينية عنصرية تتبنى الإبادة الجماعية وتنظر إلى العرب المسيحيين والمسلمين على أنهم أجساد يجب سحقها وتدميرها".

ولفت إلى  أن "هذا الواقع القبيح هو النتيجة المباشرة لعقود من الدعم العسكري الضخم والدعم السياسي من جانب الولايات المتحدة. وبدون هذا الدعم، كان لزاما على إسرائيل أن تتوصل إلى تسوية مع جيرانها منذ سنوات".

وبحسب المقال، فقد "عمل الدعم الأمريكي لإسرائيل على عزل النخب السياسية الإسرائيلية تماما عن أي عواقب لأفعالها. ونتيجة لهذا، أصبح المجتمع الإسرائيلي الآن حالة دراسية مرعبة في سياسة الإبادة الجماعية".

وأوضح الكاتب أن المسؤولين الإسرائيليين الصهاينة، يطلقون على الأطفال الفلسطينيين لقب "إرهابيين"، في حين يطلق القناصة الإسرائيليون في غزة الرصاص على قلوب ورؤوس الأطفال الفلسطينيين. وفي الوقت نفسه، يحلم المستوطنون اليهود علانية بالاستعمار الصهيوني للأراضي الفلسطينية واللبنانية. وكمكافأة لقيادة سياسة الإبادة الجماعية هذه، حقق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو شعبية جديدة بين الناخبين.

وفي كل خطوة على الطريق، وفقا للمقال، كافأ بايدن وهاريس هذه التطورات السياسية بمزيد من الأسلحة والدعاية المؤيدة لإسرائيل. وجاء أحدث تصريح لدعم إسرائيل خلال مقابلة هاريس في برنامج الأخبار الأمريكي "60 دقيقة"، عندما كررت مرة أخرى نقاط حديثها الفارغة حول "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها".

وذكر المقال أنه من الممكن إرجاع أحدث موجات العنف المدمر إلى الجهود الأمريكية الأخيرة لتشكيل واقع جيوسياسي جديد للشرق الأوسط يفتقر إلى أي دعم ديمقراطي حقيقي من المجتمعات المتضررة. في إطار اتفاقيات أبراهام، سعت كل من إدارة ترامب وبايدن إلى بناء تحالفات عامة بين إسرائيل وممالك النفط المجاورة في الشرق الأوسط.

وأضاف أن هذا الجهد المستمر جاء بتكلفة حقيقية للفلسطينيين. إذا تمكنت إسرائيل من إقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع الدكتاتوريين المجاورين لها، فيمكنها الإفلات من مواصلة تدمير المجتمع الفلسطيني دون أي تكلفة دبلوماسية إقليمية. بالطبع، المجتمع الوحيد الذي كان له أي رأي في هذا الأمر هو مجتمع الناخبين الإسرائيليين الذين وضعوا نتنياهو في منصبه. إن كل الحكومات الأخرى في المنطقة التي شاركت في اتفاقيات أبراهام - بما في ذلك المغرب والبحرين والإمارات - غير ديمقراطية في الأساس.

في سياق هذا التهميش الفلسطيني بموجب اتفاقيات أبراهام، شنت حماس هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر العنيفة على جنود ومدنيين إسرائيليين. ولأن الولايات المتحدة دفعت بأجندة اتفاقيات أبراهام التي من شأنها ترسيخ الفصل العنصري.

في أعقاب ذلك، لفت المقال إلى أن إسرائيل بدأت قصفا جماعيا لغزة، والذي تصاعد بسرعة إلى حملة واسعة النطاق من التطهير العرقي والإبادة الجماعية، بهدف معلن يتمثل في تدمير حماس والشعب الفلسطيني. ورد حزب الله والحوثيون في اليمن في نفس الوقت بشن هجماتهم الخاصة على إسرائيل والمصالح الإسرائيلية. وأدت تصعيدات إسرائيل الإضافية - مقتل الزعيم السياسي لحماس إسماعيل هنية داخل إيران وزعيم حزب الله حسن نصر الله في لبنان - إلى جولتين مدروستين من الهجمات الصاروخية الإيرانية على إسرائيل.

وشدد الكاتب على أن الدافع النهائي لكل هذا العنف هو السياسة الخارجية الأمريكية. هناك العديد من الجهات الفاعلة في الشرق الأوسط مع أجنداتها الخاصة، وإيران وحزب الله وحماس جميعهم لديهم أيد ملطخة بالدماء، بما في ذلك ما ارتكبته إيران وحزب الله بشكل منفصل في سوريا. لكن العنف الذي نراه اليوم في جميع أنحاء الشرق الأوسط مدفوع بشكل أساسي بالتدخلات الأمريكية في المنطقة. هذه التدخلات، التي تتراوح من المبادرات الدبلوماسية مثل اتفاقيات أبراهام إلى الشيك المفتوح الذي لا ينتهي من الدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل، كلها تعمل على حماية إسرائيل من الضغوط والتكاليف التي قد تواجهها عادة لقمعها للفلسطينيين.


الحقيقة البسيطة، حسب الكاتب، هي أن السياسة الخارجية الأمريكية تظل دموية ومروعة كما كانت دائما. في العقود السابقة، تضمنت الخسائر "المقبولة" مقتل ما بين مليون ومليوني مدني في فيتنام، ومليون آخر في إندونيسيا، ومذابح الدكتاتوريين المدعومين من الولايات المتحدة في جميع أنحاء أمريكا اللاتينية، ومئات الآلاف الذين قُتلوا خلال الغزو الأمريكي للعراق وأفغانستان. والتدخلات العسكرية والدبلوماسية الأمريكية اليوم في الشرق الأوسط ليست مختلفة.

واختتم الكاتب مقاله، بالقول إنه ولكي نضع حدا للأفعال المروعة التي ترتكبها إسرائيل في الشرق الأوسط، فلا بد وأن نغير سياسات أمريكا ذاتها. وهذه ليست بالمهمة السهلة، نظرا للقوة والنفوذ القويين اللذين تتمتع بهما الشبكات والجهات المانحة وجماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل ـ والمؤيدة للحرب ـ داخل الولايات المتحدة. ولكن هذه هي المهمة التي بين أيدينا، ولا بد وأن تكون محور اهتمام كل إنسان يحمل ضميرا حيا، سواء داخل حدود الولايات المتحدة أو خارجها. وكما كانت الحال في مناطق أخرى من العالم، فإن السياسة الخارجية الأمريكية تشكل العقبة الأساسية أمام تحقيق العدالة والديمقراطية والسلام في الشرق الأوسط.