نشرت صحيفة "
الغارديان" تقريرا
للمحرر الدبلوماسي باتريك وينتور قال فيه إن خطة "إسرائيل" لمنع وكالة غوث
وتشغيل اللاجئين
الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة، "
أونروا" من الدخول
والعمل في غزة يمثل تدنيا جديدا في العلاقة مع المنظمة الدولية.
ويقول إن الولايات المتحدة وحدها القادرة
على إقناع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالتخلي عن الخطة التي
شجبتها 123 دولة عضوا في الجمعية العامة للأمم المتحدة. وقال وينتور إن العلاقات المتدهورة
بين
الأمم المتحدة و"إسرائيل" وصلت على ما يبدو إلى أدنى مراحلها مع التمرير
الوشيك لقانونين في الكنيست يمنعان "أونروا" من العمل في الضفة الغربية وغزة.
ويقول وينتور إن "أونروا" تعرضت
لهجمات "إسرائيل" قبل مزاعم عن مشاركة 12 من موظفيها في هجمات 7 تشرين الأول/
أكتوبر التي نفذتها حماس العام الماضي. ولكن التحرك لمنع المنظمة كليا يعطي إشارات
جديدة عن استقطاب سيأخذ سنوات لعكسه. ويقول إن العواقف الكبيرة لاحتقار أهم حليف للولايات
المتحدة في الشرق الأوسط، المنظمة الدولية ومؤسساتها القانونية الدولية التي
تدعمها ستكون طويلة الأمد.
وفي إشارة عن دعم وزير الجيش الإسرائيلي
السابق بيني غانتس لقرارات الكنيست المقبلة اتهم "أونروا" بأنها اختارت
"جعل نفسها غير منفصلة عن آلية حماس، وقد حان الوقت لأن نفصل أنفسنا بالكامل عنها.
وبدلا من الوفاء بهدفها وتحسين حياة اللاجئين، تقوم أونروا بالعكس وتؤبد مظلوميتهم".
ويعلق وينتور بأن الغرب كانت لديه شكوك حول
حيادية "أونروا"، لكنه يراها الجهة الوحيدة المتاحة لتوفير المساعدات والتعليم
والصحة، ولو مررت الكنيست قرارات بإغلاق المنظمة في الضفة الغربية وغزة، فإن مشكلة
توفير المساعدات لـ 2.4 مليون نسمة في غزة وللضفة الغربية ستكون حادة.
ويرى الكاتب أن الأزمة باتت محتومة، فهناك
قراران مررا في 6 تشرين الأول/ أكتوبر عبر لجنة الشؤون الخارجية في الكنيست والدفاع
وسيتم التصويت عليهما في الكنيست يوم 28 تشرين الأول/ أكتوبر، بحسب منظمة عدالة، المركز
القانوني لحقوق العرب داخل الخط الأخضر. ومن المتوقع أن يحصل القراران على غالبية الأصوات، 100 من 120 صوتا. ويدعو قانون لمنع عمل "أونروا" في المناطق التي لـ"إسرائيل"
عليها سيادة ما يعني إغلاق مقرات "أونروا" في شرق القدس وإنهاء تأشيرات
طاقم الوكالة.
ويقول مركز عدالة إن المقترح هو خرق
لقرارات المحكمة الدولية التي دعت "إسرائيل" إلى التعاون مع الأمم المتحدة لتوفير
المساعدات الإنسانية، ومن المقرر أن يدخل حيز التنفيذ في ثلاثة أشهر من تنفيذه.
ومع أنه تم شجب الخطة وعلى نطاق واسع، بمن
فيهم سفراء 123 دولة عضوا في الأمم المتحدة إلا أن واشنطن هي القادرة على دفع "إسرائيل"
بإعادة التفكير بالخطة. ففي رسالة من وزير الخارجية أنتوني بلينكن ووزير الدفاع لويد
أوستن حذرا فيها من أن "فرض مثل هذه القيود من شأنه أن يدمر الاستجابة الإنسانية
في غزة في هذه اللحظة الحرجة ويحرم عشرات الآلاف من الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس
من الخدمات التعليمية والاجتماعية الأساسية".
وجاء البيان من الوزيرين، رغم رفض الكونغرس
إعادة التمويل لـ"أونروا"، كما فعلت الدول الغربية الأخرى. ويقول وينتور
إن العلاقة بين "إسرائيل" و"أونروا" ظلت حتى 7 تشرين الأول/ أكتوبر
تقوم على احترام الضرورة، لأن الوكالة الدولية وفرت المساعدات الطبية والإنسانية والتعليمية
للفلسطينيين تحت
الاحتلال الإسرائيلي، ما أعفى "إسرائيل" الطرف المحتل من
تحمل العبء الذي يجب عليها القيام به.
وأكد مدير الوكالة فيليب لازاريني أنه تصرف
بحسم بعد الاتهامات الإسرائيلية وطرد الأشخاص المعنيين وبعد مراجعة للمزاعم وأنه قام
بتنفيذ توصيات تقرير وزيرة الخارجية الفرنسية السابقة كاثرين كولونا.
وأشارت "أونروا" إلى أن جهود
"إسرائيل" المتلاحقة لنقل المساعدات عبر طرق بديلة فشلت. وقالت إنه لا توجد
أية منظمة قادرة على القيام بالمهمة كما تقوم بها "أونروا".
ولكن، كما في معظم المنطقة، فقد أشارت "إسرائيل"
إلى أنها تريد تغيير قواعد اللعبة، وهذا يعني عدم التسامح مع ما تراه تدخلا من جانب
الأمم المتحدة. وفي الاختيار بين القانون الدولي والمخاطر التي تهدد أمن "إسرائيل"،
يصر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على أن "التغطية الصحفية السيئة أفضل
من التأبين الجيد".
ويضيف الكاتب أن جذور الأزمة هي أعمق من
المواجهة مع "أونروا"، فلطالما اعتبرت "إسرائيل" المنظمة الدولية "مستنقعا لمعاداة السامية". واعتبر نتنياهو ومنذ عام 1984 أن مهمته
كسفير "إسرائيل" في الأمم المتحدة هي إضاءة شعلة الحقيقة في بيت الظلام.
وفي عام 1987، أعرب الدبلوماسي البريطاني
برايان أوركهارت، وكيل الأمين العام السابق للشؤون السياسية الخاصة، عن أسفه بأن
"تدخل الأمم المتحدة في قضية فلسطين شوه صورة المنظمة ومزق سمعتها وهيبتها، كما
لم تفعل أي دولة أخرى". ومن الأسباب الداعية لنقد الأمم المتحدة ما قاله
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قبل أسبوعين، حيث نقل عنه قوله في جلسة مغلقة إن على
"إسرائيل" أن تلتزم بقرارات الأمم المتحدة لأن الأمم المتحدة هي التي أنشأت
دولة "إسرائيل" في عام 1947، وهي الملاحظة التي أدت إلى موجة من الانتقادات
من جانب نتنياهو والجماعات اليهودية الفرنسية. إلا أن جيرار أرو، السفير الفرنسي السابق
في الأمم المتحدة، سارع لنجدة ماكرون والدفاع عنه ضد ردة فعل قائلا "إنها
مدهشة، وهي حقيقة لا يمكن إنكارها: أنشئت دولة "إسرائيل" بموجب القرار
181 للجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 1947".
ويقول الكاتب إن هذا التصور للولادة، الميلاد
الذي لم يسر وفق ما أرادت الأمم المتحدة، قد أعطى الهيئة شعورا خاصا بالمسؤولية عن
تصحيح ما تعتبره العديد من الدول الأعضاء خطأ. وعلى النقيض من ذلك، فإن شعور العديد
من الإسرائيليين بالحاجة إلى الامتنان أو حتى الاحترام للأمم المتحدة أصبح لعنة بالنسبة
لهم.
ومنذ ذلك الحين، شعرت الأمم المتحدة التي
توسعت ونمت في مرحلة ما بعد الاستعمار بالمسؤولية عن تصحيح ما يعتبره العديد من الأعضاء
ظلما من صنعها. ومع تغير تركيبة الأمم المتحدة وتعمق الحرب الباردة ونمو الحركة المناهضة
للاستعمار، تزايدت العداوة تجاه "إسرائيل"، ما أدى إلى صدور قرار
في عام 1975 بأغلبية 72 صوتا مقابل 32 صوتا، ساوى بين الصهيونية والعنصرية، وقد تم
إلغاء القرار لاحقا.
وفي الوقت نفسه أصبحت الولايات المتحدة
تنظر إلى الصراع على أنه حكر عليها، ومررت القرارات المهمة بدون النظر للأمم المتحدة
التي وقفت متفرجة.
ويقول وينتور إن هذا العام سيتم تذكره بالعام
الذي حاولت فيه الأمم المتحدة تأكيد نفسها، وقد أدى إلى مواجهة بين المؤسسات الدولية
التي تعتقد أنها تحافظ على السمعة لحكم القانون الهشة ودولة تعتقد أنها في معركة وجودية
وتنظر إلى الأمم المتحدة أنها تساعد مضطهديها.
ففي كانون الثاني/ يناير أصدرت محكمة العدل
الدولية، وهي أعلى هيئة في العالم قرارا قالت فيه إن هناك أدلة معقولة حول ارتكاب "إسرائيل"
إبادة جماعية في غزة، وتبعه ثلاثة أوامر تأمر "إسرائيل" بتقديم المساعدات
دون عوائق على نطاق واسع في غزة. وفي تموز/ يوليو أصدرت المحكمة رأيها الاستشاري في
قضية قائمة منذ فترة طويلة بأن احتلال "إسرائيل" للضفة الغربية والقدس
الشرقية وقطاع غزة منذ عام 1967 هو انتهاك للقانون الدولي. وفي 18 أيلول/ سبتمبر صوتت
الجمعية العامة بالإجماع - 124 صوتا مقابل 14 صوتا من بينهم "إسرائيل" وبامتناع
43 دولة عن التصويت - بأنه يجب تطبيق قرار محكمة العدل الدولية حول الاحتلال الإسرائيلي ويجب أن ينفذ في 12 شهرا.
وردت "تل أبيب"، بأن منعت عددا
من مقرري الأمم المتحدة الخاصين من دخول "إسرائيل". وكانت الخطوة الأخيرة
منع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غويتريش من دخول "إسرائيل" باعتباره
شخصية غير مرغوبة. وكانت جريمته هي أنه لم يشجب الهجوم الصاروخي الإيراني ضد "إسرائيل"
ولأنه حاول منح سياق لهجمات حركة حماس العام الماضي وأنها لم تحدث من فراغ، ولأنه وصف الدمار
الذي تعرضت له غزة الأسوأ الذي شاهده خلال فترته كأمين عام للمنظمة الدولية.
وفي أيلول/ سبتمبر ألقى نتنياهو خطابا أمام
الجمعية العامة في اجتماعها السنوي، ووصف الأمم المتحدة دون ذكر غويتريش بأنها
"مستنقع من المرارة المعادية للسامية"، ووصف الأمم المتحدة التي يقودها غوتيريش
بأنها "مؤسسة كانت محترمة في السابق، لكنها أصبحت الآن محتقرة في نظر الناس المحترمين
في كل مكان". وقال إن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة هو مجلس حقوق الإرهابيين.
ولم تخض "إسرائيل" المعركة ضد
الأمم المتحدة في الأروقة الدبلوماسية فقط، بل على الأرض في غزة ولبنان. كما أنها اتهمت
"أونروا" بالتحيز وعدم الكفاءة، وجهت اتهامات مماثلة إلى قوة حفظ السلام
التابعة للأمم المتحدة في لبنان (يونيفيل). وبحسب منظمة مؤيدة لـ"إسرائيل"
اسمها "يو أن ووتش" فإن يونيفيل "لم تفعل شيئا" في حين
"كان حزب الله يحفر الأنفاق لغزو "إسرائيل" واختطاف ومهاجمة المدنيين الإسرائيليين
وزرع الصواريخ في منازل المدنيين". وتقول القوى الغربية إن الأمم المتحدة لديها
تفويض محدود وأن الحل يكمن في تشديد التفويض. ولم يتقدم أحد حتى الآن بحلول ملموسة
لإنهاء هذه المعركة الطويلة، والخطر هو أن يرى البعض الحل في طرد الأمم المتحدة، لكن
عندما يحدث هذا فإن تفككها سيصبح على الأجندة.