ثارت مجددا أسئلة شائكة حول قرار
المقاومة شن "طوفان الأقصى" قبل
عام وأيام، خاصة بعد استشهاد قائدها يحيي
السنوار هذا الشهر، وقائدها السابق
إسماعيل هنية في 31 تموز/ يوليو الماضي.. هل كان قرار المقاومة شن هجوم على الكيان
الإسرائيلي الغاصب في 7 من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي خطأ؟ وهل يحق لها أن تتخذ
قرارا بشن حرب على دولة يناصرها الغرب، إن لم يكن مستفيدا أولا من وجودها ربما
بمثل استفادتها أو أكثر بتمثيلها لقيمه ومبادئه التي يريد استمرار فرضها بالقوة على
منطقتنا؛ ومن ثم بيان قوته ومنعته وهيبته أمام عالم اليوم؟ وأخيرا هل استفادت
المقاومة والقضية شيئا من القرار؟ أم تخسر وما تزال من خيّرة أبنائها وأبناء
فلسطين بعامة؟ وبالتالي هل يكسب العدو مساحات جديدة سواء مادية أو معنوية، فضلا عن
استمرار الحرب واتخاذها ذريعة لإبادة جماعية معاصرة غير مسبوقة اليوم؟
بداية يجب القول بأنه رغم نظرتنا للمقاومة الفلسطينية كآخر خط مناضل عن شرف
الأمة كلها، وكآخر حركة تحرير في عالم لا توجد فيه دولة محتلة بصورة مباشرة غير
فلسطين؛ ورغم تسليمنا بأن أفراد المقاومة يحاربون عدوا شرسا لا يؤمن بقيمة غير
العنصرية والطغيان والتواجد بقوة السلاح في أرض لا عنوان تاريخيا له فيها، فيما
نحن جالسون منذ أكثر من عام نرى أهل
غزة الحبيبة يُبادون، ويُقصفون، ويجوعون، ويُمحون
عن الوجود،
لا يمكن أن ننكر أن قادة المقاومة بشر يصيبون وخطؤهم وارد جدا، وإننا في عالم اختلطت فيه المُسلّمات ودقيق المفاهيم حتى يحتاج المدقق في أحداثه السياسية لصبر وتدقيق ربما لا يتوافران لدى البعض من المتسرعين بالحكم للمقاومة أو ضدها لسابق الاعتبارات، ولغلبة العاطفة أحيانا أو المصلحة أحيانا أخرى
ونكتفي أحيانا بمصمصة الشفاه، وأخرى بالتناسي كي تمضي الحياة بنا.. رغم
كل ما سبق فإننا لا يمكن أن ننكر أن قادة المقاومة بشر يصيبون وخطؤهم وارد جدا،
وإننا في عالم اختلطت فيه المُسلّمات ودقيق المفاهيم حتى يحتاج المدقق في أحداثه
السياسية لصبر وتدقيق ربما لا يتوافران لدى البعض من المتسرعين بالحكم للمقاومة أو
ضدها لسابق الاعتبارات، ولغلبة العاطفة أحيانا أو المصلحة أحيانا أخرى.
يتخيل البعض سلامة غزة وأهلها واحتفاظ المقاومة بقوتها لو لم تبدأ الأخيرة الهجوم
ثم الخسائر البشرية والعمرانية المهولة، ولكن -في المقابل- هل بدأت المقاومة الحرب
أم المعركة؟ هذا سؤال يمثل نقطة نظام مهمة، فإن الأمر لم يكن قبل بدء الطوفان
رخاء؛ فأهل غزة وفلسطين بعامة تحملوا مرارات وحماقات وترّهات عدو غاشم لا يتردد في
تصفية إنسان لمجرد أن "مشهده" لم يرق له؛ فضلا عن السجن، والمصادرة،
والطرد، والإبعاد الجبري، أو المكره صاحبه.. هل يعرف واحدنا شعور المستنزف الذي
يرقب جرحا يعرف أنه سيرديه، ثم هو مستسلم محتمل يتذرع بالتعقل أملا في رحمة أو
نجدة؟ فإذا علمنا أن العدو، بمباركة أمريكية، كان ينوي تصفية القضية على نحو ليس
مسبوقا، سواء بتهجير جماعي أو بمزيد من التطبيع المعلن مع دول عربية جديدة، فإنه في
جميع الأحوال كان الغزاويون وغيرهم من الفلسطينيين سينتقلون من معاناة ضخمة لأخرى
مميتة؛ من فقد للملاذ، وتشتت للأهل، وإعلان وفاة بانقضاء مصادر الدخل المعتادة
وانتظار أخرى مسلّم بصعوبة مجيئها.
إن للمضطر والملهوف محاذر الموت معجما للتعامل لا يعرفه الآمن أو المكدر
تكدير الحياة المعتادة؛ فإن قيل إن الحرب جرَّت على الأهل بغزة ما لم يكونوا
يحتملونه -وما تزال- وعجلت بهلاكهم هلاكا جماعيا، وإن التسليم وإلقاء السلاح الآن
واجب الوقت؛ كان حاسم الرد واضحا: المخطط معد بعناية سواء بادرت المقاومة بالهجوم
أو لم تفعل، ثم هل واحدنا يمكن أن يكون اكثر استشعارا للألم والخطر من الغزاويين
أنفسهم، أو أصحاب القضية؟ فإذا كان الأخيرون مجمعون على ضرورة المقاومة
واستمرارها، وإنما يبحثون عن حل آخر فما بالنا نتحدث وكأننا المضارون لا هم؟
الخطأ الاستراتيجي التي وقعت فيه المقاومة وأهل غزة بطيبة وفروسية ونُبل؛ يتمثل في افتراض عدم صمتنا المطبق كعرب واستمرار حياتنا على النحو المعتاد، فقد حسبوا أنَّا لا نفعلها، فإن تك المجازر الصهيونية المستمرة الحاصدة لعشرات الآلاف سابقة مرت عليها فترات، فإن هذه المجازر تحدث الآن وفي ظل ثورة إعلامية تنقل الصورة غير مسبوقة وعدد الذين العرب يعرفونها أكبر وأكثر
إن الحرب مستمرة منذ قبل 1936م عبر العصابات الصهيونية المسلحة ثم تطورت
معاركها وصولا لليوم، وبالتالي فمعركة "طوفان الأقصى" هي داخل سلسلة الحرب معركة، أي فرع وليست
الحرب الأصلية أو الأصيلة، وبالتالي فإن عدمها لم يكن ليمنع استمرار تصاعد القضية
وصولا للإبادة وإنما أسرعت المقاومة بتفعيل دورها -لا تفعيل المعركة- لتؤثر في
مخلصي العالم لعلهم يتحركون!
ربما الخطأ الاستراتيجي التي وقعت فيه المقاومة وأهل غزة بطيبة وفروسية
ونُبل؛ يتمثل في افتراض عدم صمتنا المطبق كعرب واستمرار حياتنا على النحو المعتاد،
فقد حسبوا أنَّا لا نفعلها، فإن تك المجازر الصهيونية المستمرة الحاصدة لعشرات
الآلاف سابقة مرت عليها فترات، فإن هذه المجازر تحدث الآن وفي ظل ثورة إعلامية
تنقل الصورة غير مسبوقة وعدد الذين العرب يعرفونها أكبر وأكثر.
إننا بوضوح شديد جدا خذلنا غزة خذلانا لم يكن يخطر لها على بال؛ فيجب ألَّا
نداري "عورتنا" هذه بالعيب عليها وعلى قراراتها، وإن تفكيرنا في أنفسنا
وإنسانيتنا وما يتبقى منها ومنا بعد هذه المجازر البالغة الضراوة، ثم مصيرنا
بالمستقبل، يجب أن يكون همنا الأول، أما المقاومة فإنها مستمرة برحيل السنوار كما
استمرت برحيل عشرات القادة قبله، ستستمر لعدالة قضيتها لا بفضل تحليلاتنا ولومنا
لأصحابها؛ فهلا تدبرنا وتعقلنا لعلنا نحافظ على ما تبقى منا وصورتنا أمام أبنائنا
والأجيال المقبلة فضلا عن التاريخ؟!