تشهد الانتخابات
الرئاسية الأمريكية القادمة اهتمامًا عالميًا متزايدًا، إذ تتصدر التوترات مع قوى
دولية مثل
الصين وروسيا وإيران المشهد السياسي، ما يجعل من هذه الانتخابات حدثًا
استثنائيًا له تأثيرات واسعة.
وتتنافس
الولايات المتحدة مع الصين على الهيمنة الاقتصادية والتكنولوجية، حيث تخوض واشنطن
صراعًا غير معلن حول من سيقود اقتصاد القرن الحادي والعشرين، وتعكس العقوبات
والانتقادات المتبادلة بين الولايات المتحدة وروسيا تصاعد الصراع حول النفوذ
العالمي.
ونشرت صحيفة
"
نيويورك تايمز" تقريرًا تناولت فيه تدخلا مزعوما لبعض الدول مثل
روسيا والصين
وإيران في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، مشيرة إلى استخدامها أساليب متعددة
للتأثير على نتائج الانتخابات، ما يُثير المخاوف حول نزاهة العملية الديمقراطية.
وقالت الصحيفة
في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن روسيا عندما حاولت التأثير في
الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016، كان ذلك من خلال منشورات مثيرة للانقسام
والتحريض عبر الإنترنت بهدف جذب الانتباه بأي وسيلة ممكنة.
لكن التدخل
الخارجي في الانتخابات الأمريكية الحالية أصبح أكثر تطورًا وصعوبة في التتبع؛ حيث
أصبحت المعلومات المضللة القادمة من الخارج - وخاصة من روسيا والصين وإيران -
تهديدًا مستمرا وخطيرًا، وذلك من خلال تطوير تكتيكات أكثر تعقيدًا، وفقاً لمسؤولي
الاستخبارات والدفاع الأمريكيين، والشركات التكنولوجية، والباحثين الأكاديميين.
ويمكن أن يؤدي
التأثير على شريحة صغيرة من الأمريكيين إلى عواقب كبيرة على الانتخابات الرئاسية،
في ظل تقارب الأصوات بين المرشحين وفقاً لاستطلاعات الرأي.
وأضافت الصحيفة
أن روسيا تهدف، وفقًا لتقييمات الاستخبارات الأمريكية، إلى تعزيز حظوظ الرئيس
السابق دونالد ترامب، بينما تفضل إيران منافسته كامالا هاريس، والهدف النهائي من
هذه الجهود لم يتغير؛ ويتمثل في زرع الفوضى وتشويه سمعة الديمقراطية الأمريكية في
نظر العالم.
وبحسب الصحيفة،
فقد تطورت الحملات وتكيفت مع المشهد الإعلامي المتغير وانتشار أدوات جديدة سهلت
خداع الرأي العام، وفي ما يأتي الطرق التي تطورت بها تلك الجهود الأجنبية للتأثير
على الانتخابات الأمريكية:
المعلومات
المضللة في كل مكان
اعتبرت الصحيفة
أن روسيا هي المهندس الرئيسي للمعلومات المضللة المتعلقة بالانتخابات الأمريكية في
سنة 2016، وكانت منشوراتها تعتمد إلى حد كبير على فيسبوك.
والآن، تنخرط
إيران والصين في جهود مماثلة للتأثير على السياسة الأمريكية، وتنتشر جهود هذه
الدول عبر عشرات المنصات، بدءًا من المنتديات الصغيرة التي يتحاور فيها الأمريكيون
حول الطقس، وصولًا إلى مجموعات الدردشة الكبيرة. وتستفيد هذه الدول من تجارب بعضها
البعض، رغم وجود جدل حول ما إذا كانت قد تعاونت بشكل مباشر في تنفيذ هذه
الاستراتيجيات.
وفقًا لوثائق
داخلية كشفت عنها وزارة العدل في أيلول/ سبتمبر، حاول عملاء روس دعم ترامب على
موقع ريديت والمنتديات التي تفضلها الجماعات اليمينية المتطرفة، مستهدفين الناخبين
في ست ولايات متأرجحة، بالإضافة إلى الأمريكيين من أصول لاتينية، وعشاق ألعاب
الفيديو، وغيرهم من المتعاطفين المحتملين مع ترامب.
وكانت هناك حملة
صينية عُرفت باسم "التمويه التطفلي"، تدير حسابات باسم
"هارلان"، خلقت انطباعا بأن مصدر المحتوى أمريكي، وذلك على أربع منصات:
يوتيوب، وإكس، وإنستغرام، وتيك توك.
محتوى أكثر دقة
في استهداف الجمهور
ذكرت الصحيفة أن
المعلومات المضللة الجديدة التي تروجها الدول الأجنبية لا تستهدف الولايات
المتأرجحة فحسب، بل تستهدف أيضًا مناطق محددة داخلها، ومجموعات عرقية ودينية
معينة. وكلما كانت المعلومات المضللة أكثر دقة في اختيار الهدف، زادت احتمالية
انتشارها، وفقًا للباحثين والأكاديميين الذين درسوا حملات التأثير الجديدة.
في هذا السياق،
تقول ميلاني سميث، مديرة الأبحاث في معهد الحوار الاستراتيجي بلندن: "عندما
تُصمم المعلومات المضللة لجمهور محدد من خلال استغلال اهتماماتهم أو آرائهم، تصبح
أكثر فاعلية. وفي الانتخابات السابقة، كنا نحاول تحديد السردية العامة لعملية
التضليل. أما في الانتخابات الحالية، فهي رسائل متطرفة دقيقة تعزز التوترات".
وبحسب الصحيفة،
فقد خصصت إيران موارد لإنشاء جهود خفية لنشر المعلومات المضللة تستهدف مجموعات
معينة، ومن بينها موقع "ليست حربنا"، الذي استهدف جذب قدامى المحاربين
الأمريكيين، حيث تضمن مقالات حول نقص الدعم للجنود النشطين، بجانب آراء معادية
بشدة لأمريكا ونظريات مؤامرة.
تضمنت القائمة
مواقع أخرى مثل "الأغلبية الأفريقية"، محتوى موجهًا للأمريكيين من أصل
أفريقي، و"سافانا تايم"، الذي استهدف التأثير على الناخبين المحافظين في
ولاية جورجيا المتأرجحة. وفي ولاية ميتشيغان، وهي ولاية متأرجحة أخرى، أنشأت إيران
منصة "ويستلاند صن" لاستهداف الأمريكيين من أصول عربية في ضواحي ديترويت.
واعتبر ماكس
ليزر، المحلل في منظمة الدفاع عن الديمقراطيات، أن "استهداف إيران للسكان
العرب والمسلمين في ميتشيغان يُظهر أن لديها فهمًا دقيقًا للوضع السياسي في أمريكا،
وأنها تناور ببراعة لتجذب شريحة سكانية مهمة للتأثير على الانتخابات".
وبينت الصحيفة
أن الصين وروسيا اتبعتا نمطًا مماثلاً؛ حيث نشرت وسائل الإعلام الصينية الحكومية
على منصة إكس هذه السنة، روايات كاذبة بالإسبانية حول المحكمة العليا، ما أدى إلى
تداولها بشكل أكبر من قبل المستخدمين الناطقين بالإسبانية على فيسبوك ويوتيوب،
وفقًا لمنظمة "لوجيكلي" التي تراقب المعلومات المضللة عبر الإنترنت.
وقال خبراء في
المعلومات المضللة الصينية، إن الحسابات الوهمية المرتبطة ببكين أصبحت أكثر إقناعًا
وجاذبية، حيث تتضمن إشارات من شخصيات تدعي أنها أمريكية أو من قدامى المحاربين في
الجيش الأمريكي.
وفي الأسابيع
الأخيرة، أفاد تقرير من مركز تحليل التهديدات التابع لمايكروسوفت أن هذه الحسابات
غير الأصيلة المرتبطة بـشبكة "التمويه التطفلي" الصينية استهدفت
الجمهوريين في مجلس النواب والشيوخ الذين يسعون للفوز بالانتخابات في ألاباما
وتينيسي وتكساس.
الذكاء
الاصطناعي يدفع هذا التطور
ذكرت الصحيفة أن
التطورات الأخيرة في مجال الذكاء الاصطناعي عززت من قدرات التضليل الإعلامي بما
يتجاوز ما كان ممكنًا في الانتخابات السابقة، ما سمح لوكلاء الدول المعادية
بإنشاء حملاتهم وتوزيعها بمزيد من البراعة والكفاءة.
وقد أفادت شركة (OpenAI)،
صاحبة برنامج (ChatGPT)، هذا الشهر، أنها عطلت أكثر من 20 عملية
أجنبية استخدمت منتجات الشركة بين حزيران/ يونيو وأيلول/ سبتمبر، من بينها جهود
روسية وصينية وإيرانية، إضافة إلى دول أخرى، لإنشاء مواقع إلكترونية ونشر الدعاية
أو المعلومات المضللة على وسائل التواصل الاجتماعي، وتحليل منشورات محددة والرد
عليها.
وقالت جين
إيستيرلي، مديرة وكالة الأمن السيبراني وأمن البنية التحتية، في هذا السياق:
"تُستخدم قدرات الذكاء الاصطناعي لزيادة التهديدات التي توقعناها والتهديدات
التي نشهدها. إنها تخفض بشكل أساسي العوائق أمام الفاعلين الأجانب لتنفيذ حملات
تأثير أكثر تعقيدًا".
وبحسب الصحيفة، فإنه يمكن رصد حجم تأثير أدوات الذكاء الاصطناعي المتاحة تجاريًا من خلال ما قام به جان
مارك دوغان، وهو نائب عمدة سابق في فلوريدا، ويعيش الآن في روسيا بعد فراره من تهم
جنائية في الولايات المتحدة.
أنشأ دوغان
عشرات المواقع الإلكترونية التي تدعي أنها منصات إخبارية أمريكية واستخدمها لنشر
المعلومات المضللة، منجزا بمفرده ما كان يتطلب قبل ثماني سنوات جيشًا من
الروبوتات. وقد تداولت مواقع دوغان العديد من الادعاءات السلبية حول كامالا هاريس
ونائبها في سباق الرئاسة تيم والز، وفقاً لشركة "نيوزغارد" المتخصصة في
تتبع هذه المنصات.
واستخدمت
الصين مجموعة أدوات متطورة تتضمن ملفات صوتية مُعالجة بالذكاء الاصطناعي، وميمات
ضارة، واستطلاعات رأي مُزيفة في الحملات الانتخابية حول العالم.
صعوبة تحديد
المعلومات المضللة
قالت الصحيفة إن
الدول الثلاث أصبحت أكثر قدرة على إخفاء آثارها. ففي الشهر الماضي، تم اكتشاف أن
روسيا كانت تخفي محاولاتها للتأثير على الأمريكيين من خلال دعم سري لمجموعة من
المعلقين الأمريكيين المحافظين العاملين عبر منصة "تينت ميديا"، وهي
منصة رقمية أُنشئت في تينيسي سنة 2023.
وأضافت أن
الشركة عملت كواجهة لنشر العديد من الفيديوهات التي تتضمن تعليقات سياسية حادة
ونظريات مؤامرة حول تزوير الانتخابات، وكوفيد-19، وقضية الهجرة، والحرب الروسية
على أوكرانيا. وقال المؤثرون الذين تقاضوا أموالًا للظهور على منصة
"تينت" إنهم لم يعرفوا أن الأموال جاءت من روسيا.
ويقوم عملاء
صينيون بتطوير شبكة من المؤثرين الأجانب لمساعدتهم في نشر رواياتهم، ووُصفت هذه
المجموعة بأنها "أفواه أجنبية" و"أقلام أجنبية" و"عقول
أجنبية"، وفقًا لتقرير صدر في الخريف الماضي عن المعهد الأسترالي للسياسة الاستراتيجية.
ويرى غراهام
بروكي، المدير الأول في مختبر الأبحاث الرقمية التابع لمجلس الأطلسي، أن
"التكتيكات الجديدة جعلت من الصعب على الوكالات الحكومية والشركات
التكنولوجية اكتشاف حملات التأثير وإزالتها، بينما شجعت في الوقت نفسه دولاً
معادية أخرى".
شركات التكنولوجيا
لا تفعل الكثير
اعتبرت الصحيفة
أن شركات التكنولوجيا الكبرى لا تبذل ما يكفي من أجل مكافحة هذا النوع من المحتوى.
فقد خفّضت أكبر الشركات، بما في ذلك ميتا وغوغل وأوبن إيه آي ومايكروسوفت، جهودها
لوضع علامات على المعلومات المضللة وإزالتها منذ الانتخابات الرئاسية الماضية. ولا
توجد في الشركات الأخرى فرق مخصصة لهذا الغرض على الإطلاق.
وقال مسؤولون
أمنيون ومسؤولون تنفيذيون في شركات التكنولوجيا إن عدم وجود سياسة متماسكة بين
شركات التكنولوجيا جعل عملية تشكيل جبهة موحدة ضد حملات التضليل الأجنبية أمرا
صعبا للغاية.
ويؤكد ماكس ليزر
أن المنصات البديلة تفتقر إلى مستوى تعديل المحتوى الضروري للتخفيف من المعلومات
المضللة، مضيفًا أن المنصات الكبرى مثل إكس وفيسبوك وإنستغرام تواجه تحديات
مستمرة، حيث يعيد عملاء الدول الأجنبية بسرعة بناء الحملات التي تمت إزالتها.
وأشارت شركة
"أليثيا" إلى أن حملة معلومات مضللة إيرانية، استخدمت حسابات باسم
"طائر الهدهد"، عادت للظهور على إكس رغم حظرها مرتين.