الفصل الثاني
التناظر بين المسألتين الأولى والسابعة
المسألة الأولى: القضاء المدني والقضاء الجنائي
التناظر بين أصل القيم التي تعد المرجعية الخلقية للقانون وتجليها في
علاقات البشر بعضهم بالبعض وبينهم وبين السلطتين اللتين ينوبونهم حكما بينهما تشريعا
وتنفيذا: وذلك هو معنى كيفما تكونون يولى عليكم..
فالمفهوم العام يحدد تراتب مستويات القانون ووظيفته في تنظيم غايات الاستعمار
في الأرض (أصل رعاية الجماعة لذاتها تكوينا بمستوييه وتموينا بمستوييه وأصلا هو البحث
العلمي وبمرجعية ما بعد ذلك كله دينيا كان عند المؤمنين أو طبيعيا عند الملحدين) والاستخلاف
فيها (أصل حماية الجماعة لذاتها داخليا بمستوييه وخارجيا مستوييه وأصلا هو الاستعلام
وبمرجعية ما بعدها دينا كان عند المؤمنين أو طبيعيا عند الملحدين)، وما يفترضه من تحديد للقيم الحاكمة للتعامل
بين البشر وبينهم وبين ما عداهم من المخلوقات عامة والخلقي منها خاصة (والأولى تتعلق
بالتبادل المادي وهي نوعان قيمة استعمالية وقيمة تبادلية وهما جوهر المحرك الاقتصادي
في كل الجماعات) والثانية بالتواصل الروحي وهي نوعان كذلك قيمة تواصلية شارطة للعيش
المشترك من جنس الاستعمالية في الاقتصاد (وقيمة
تواصلية من جنس التبادلية فيه).
المسألة السابعة: القضاء الإداري والقضاء الدستوري
أما المستوى الأخير فهو ما يتعلق بما بين المواطن وممثلي إرادته أي سلطة
التشريع وسلطة التنفيذ وكلتاهما فرض كفاية وهو معنى الإنابة في فرض العين الذي يجعل
المواطن من حيث هو مواطن مسهما في المحافظة على سيادة الجماعة لأنها هي أصل كل السلط
وهو ما يرمز إليه فرض العين المسمى أمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر. فبها يتحقق تعيين
القيمين بانتخابهم ثم مراقبتهم ومحاسبتهم ما يؤدي إلى التداول في النبابة بحسب ما تنتظره
الجماعة ممن اختارتهم لقوامة الشأن العام فرض كفاية نيابة عنها فتكون النيابة مشروطة
بالخلق معيارا للأمانة والكفاءة معيارا للعدالة لأن النائب المعبر عن الإرادة بالتشريع
والمعبر عنها بالتنفيذ كلاهم "حكم" يخضع لشرطي الأمانة والعدل (النساء
58). لكن الحكم النهائي هو إرادة الجماعة (الشورى 38) في انتخاب القيمين.
لا يمكن تصور جماعة بشرية خالية من بذرة الدولة التي هي الوعي الجمعي بضرورة الجماعة المساخرة لتحقيق شروط الرعاية ببعديها والحماية ببعديها سواء كان ذلك عادات وأعراف لم تصغ في دستور أو نظاما سياسيا ذا دستور ومؤسسات تحقق هذه الوظائف خانات صورية تتعين في من تختارهم الجماعة لملئها حتى تنتقل مؤسسات الدولة من مجرد كيان اعتباري إلى كيان متشخص في كيان طبيعي هو النائب الذي يمثل الجماعة في قوامة وظائف الدولة
ولكل من السلطتين التشريعية والتنفيذية قضاء مختلف:
الدستوري للأولى والإداري للثانية
لكنهما يشتركان في مراجعة التنفيذ انطلاقا
من التشريع ومرجعيته أو في مراجعة التشريع انطلاقا من التنفيذ ومرجعيته. فيكون بين
نوعي المراجعة صلة هي التي تجعل القضاء بكل أصنافه مطالبا بمراقبة الدستورية من الابتدائي
إلى التعقيبي ومن ثم فالقضاء من حيث هو حكم مؤتمن على وظائف القانون والأخلاق التي
يتأسس عليها ـ وهي ما تؤمن به الجماعة من قيم ـ ليحكم بالعدل في المعاملات تبادلا وتواصلا
فتكون حقيقة القانون وأخلاقه هي المحافظة على شروط الاستعمار في الأرض بقيم الاستخلاف
التي هي مرجعية القانون واخلاقه سواء كانت المرجعية دينية عند المؤمنين أو طبيعية عند
الملحدين.
ولهذه العلة فقد سماها ابن خلدون فلسفيا بالأنس بالعشير عند النظر إلى
دورها في عالم الشهادة المحافظ على غاياتها الخلقية ودينيا بالاستخلاف عند النظر إليها
في عالم الغيب المحافظ على غاياتها الخلقية أي إن الجمالي والخلقي في الأنس بالعشير
يناظره دينيا الأهلية للاستخلاف أي الصدق الذي يطلب الحقيقة اجتهادا (التواصي بالحق)
ويعمل بمقتضى الحق الدال على إرادة حرة وحكمة راجحة جهادا (التواصي بالصبر).
وبهذا المعنى فإن القانوني لا تتجلى حقيقته إلا عند مقارنته بالفقهي حتى
لو كان من جنس القانون ذي المرجعية الإلحادية أو الطبعانية. ذلك أن الطبيعة حينها تكون
مرجعية تتضمن معاني حقوق الإنسان وواجباته
شرطي القيام المشترك السلمي لأي جماعة تؤمن
بجملة من القيم المشتركة تنتسب إلى إرادة متعالية على إرادة الفرد الذي لا يمكنه الاستغناء
عن التساخر (كل له واجب هو فرض عين يجعله مسخرا لغيره فرض كفاية) شرطا في القيام العضوي والروحي حتى يسد حاجاته المادية أي شروط الهواء والماء والغذاء والدواء مقومات للمناعة العضوية
وحاجاته الروحية وأولها التسمية المشتركة للأشياء ثم قواعد التعامل معها بما ييسر التعايش
السلمي وأهمها قواعد التبادل العادل وقواعد التواصل الصادق وما يؤسسها من مرجعيات قيمية
خلقية يتأسس على ما يسمى قانونا وتلك هي مقومات
الحصانة الروحية. والك هي وظيفة الفقه ومعناه أي نظام التعامل التبادلي والتواصلي في
شؤون عالم الشهادة وما بعده.
فما طبيعة العلاقة بين المضمون المسألة الأولى ومضمون المسألة الثانية؟
إذا نظرنا إليها فلسفيا كانت علاقة بين الموضوع ووعي الذات به فاعلين ومنفعلين وإذا
نظرنا إليها دينيا كانت مضمون الآية 53 من فصلت التي تتعلق بآيات الآفاق والأنفس بمنظور
مفعول آيات الآفاق والأنفس في الآفاق والأنفس مستوى أول من العلاقة ثم بآيات الأنفس
والآفاق بمنظور الأنفس في الأنفس والآفاق.
فتكون المسألة االسادسة عودة على المسألة الأولى شبيهة بعودة الذات على
ذاتها وعيا بكيانها العضوي والروحي. ومن ثم فالسياسي ونظامها المؤسسي المتعلق بالرعاية
تكوينا وتموينا ثمرة لما جهز به الإنسان ليكون مستعمرا في الأرض وقادرا على رعاية نفسه
وحمايته وذلك هو معنى البحث العلمي في شروطها المحددة للمناعة العضوية وللحصانة الروحية.
وإذن فلا يمكن تصور جماعة بشرية خالية من بذرة الدولة التي هي الوعي الجمعي
بضرورة الجماعة المساخرة لتحقيق شروط الرعاية ببعديها والحماية ببعديها سواء كان ذلك
عادات وأعراف لم تصغ في دستور أو نظام سياسي ذي دستور ومؤسسات تحقق هذه الوظائف خانات
صورية تتعين في من تختارهم الجماعة لملئها حتى تنتقل مؤسسات الدولة من مجرد كيان اعتباري
إلى كيان متشخص في كيان طبيعي هو النائب الذي يمثل الجماعة
في قوامة وظائف الدولة: وذلك هو معنى فرض الكفاية الذي ينوب فرض العين الذي هو واجب
كل افراد الجماعة من حيث هي التي تبايع من ينوبها وتراقبه وتحاسبه.
فتكون نسبة القضاء الإداري ببعديه إلى قانون الرعاية ببعديها عين نسبة
القانون الدستوري ببعديه إلى قانون الحماية ببعديها.
كل النوازل القضائية الجنائية مصدرها في فساد القانون المدني الذي لا يحقق العدل في التبادل ولا الصدق في التواصل ما يجعل المواطن لا يطمئن للقضاء في الرعاية وفي الحماية لشروط القيام العضوي.
لذلك فالقضاء الإداري مضاعف ويتعلق بمراقبة
تنفيذ قانون علاقة القيمين على وظائف نواب الجماعة بوصفهم منفذي القانون ذي الشرعية الدستورية على المواطن
من حيث هو موضوع الرعاية والحماية.
وتكون نسبة القضاء الدستوري مضاعفه متعلقة وبتعلق بمراقبة تشريع
القوانين المترجمة
للدستور في ضوء نص الدستور الذي يسمح تأويله
بعدم الخروج على مرجعيته الخلقية سواء كانت دينية أو طبيعية. وحينها لا يكون القضاء
الدستوري كما في حالة القضاء الإداري المتعلق بالتنفيذ مقصورا على المطابقة مع نص القانون
بل المطابقة مع نص الدستور ومرجعيته. ولهذه العلة فإن القضاء الدستوري لا يكتفي بالمطابقة
مع النص بل لا بد من المطابقة مع المرجعية وهي التي تسمى روح النص.
وأخيرا فإن التناظر بين المسألتين هو عين التناظر بين الاستعمار في الأرض
الذي يخضع للقانون المدني والقانون الجنائي والاستخلاف فيها الذي يخضع للقانون الإدراي
والدستوري.
نسبة القانون المدني إلى القانون الجنائي بين المواطنين معيارها صلاح
القضاءين المدني والجنائي وفسادهما. فكل النوازل القضائية الجنائية مصدرها في فساد
القانون المدني الذي لا يحقق العدل في التبادل ولا الصدق في التواصل ما يجعل المواطن
لا يطمئن للقضاء في الرعاية وفي الحماية لشروط القيام العضوي. والعلاج هو معنى الوعي
الجمعي بين مسألة التبادل العادل والتواصل الصادق في علاقة المواطنين في بينهم شرطا
في العيش المشترك السلمي أي في حسم المنازعات المتعلقة بالرعاية والحماية حمسا بالعدل
في التبادل وبالصدق في التواصل.
نسبة القانون الإداري إلى القانون الدستوري بين المواطنين ونوابهم في
قوامة وظائف الدولة معيارها صلاح القضائين الإداري والدستوري وفسادهما. فكل النوازل
القضائية الدستورية مصدرها فساد القانون الإداري الذي لا يحقق وظائف القيمين على وظائف الدولة إزاء المواطن ما يجعله لا يطمئن
للقضاء الإداري في الرعاية وفي الحماية لشروط القيام الروحي الذي هو كرامة المواطن.
ليس بالصدفة أن كانت الحضارة الإسلامية لم تخصص للإدارة قانونا لأنها من جنس المدني والجنائي في آن، فالإدارة هي مجموع الذوات الطبيعية التي تنقل الذوات المعنوية التي تمثلها مؤسسات الدولة فيكون صلاحها المطابقة مع وظائفها وتلك هي الأمانة التي عند التطبيق تصبح عين العدل بين المواطنين في الرعاية والحماية.
والعلاج هو معنى الوعي الجمعي بين مسألة الحقوق والواجبات ليس بمقتضى
القانون الدستور فحسب بل خاصة بمقتضى مرجعيتيهما أي دستورية التشريع وخلقية الدستور أي في حسم المنازعات المتعلقة بالرعاية والحماية
حسما بقيم الجماعة وثفافتها المحددين لمنزلة الإنسان ومرجعياته العقدية دينية كانت
أو طبعانية.
فتكون نسبة القضاء المدني إلى القضاء الجنائي ودوره فيه هي عين نسبة القضاء
الإداري إلى القضاء الدستوري ودوره فيه. ومن ثم فالدستوري يناظر الجنائي والإدراي يناظر
المدني. ذلك أن من يقاضى في الإداري هم نواب المواطن الذين يستغلون قوامتهم للتصرف
في القانون لغير مصلحة من انابهم في تمثيل إرادتهم التي هي وظيفة الدولة: استغلال النفوذ
السياسي.
ومن ثم فهو أصل الجريمة الدستورية مثلما ان
المدني هو اصل الجنائي عندما يغيب فيهما تطبيق القانون بعدل وصدق. وهو ما عرف به القرآن
شروط الحكم: أن يكون أمينا للمرجعية (الشريعة = القانون) وعادلا في الفصل بين الخصمين
(للشريعة) وعادلا (النساء 58).
وليس بالصدفة أن كانت الحضارة الإسلامية لم تخصص للإدارة قانونا لأنها
من جنس المدني والجنائي في آن، فالإدارة هي مجموع الذوات الطبيعية التي تنقل الذوات
المعنوية التي تمثلها مؤسسات الدولة فيكون صلاحها المطابقة مع وظائفها وتلك هي الأمانة
التي عند التطبيق تصبح عين العدل بين المواطنين في الرعاية والحماية.
لذلك فهي من جنس المدني لأنها تتعلق بالحقوق والواجبات فإذا تصرفت الإدارة
وكأنها ليست نائبة إرادة الجماعة في تنفيذ القانون فالعلة هي عدم أمانة الإداري الذي
يستغل سلطة الدولة لمصلحته أو لمصلحة القيم عليها فتكون مصدرا للجنائي الناتج عن فساد
المدني ومن ثم فهي جريمة مضاعفة في علاقة بالدستوري نصا وروحا.
اقرأ أيضا: محاولة أولية في فهم فلسفة القانون وفي أخلاقه القرآنية.. مقدمات منهجية