قضية
مجتمعية وطبية هامة تشغل
الرأي العام
المصري حاليا، حيث انتشر فيديو لطبيبة نساء وتوليد من مدينة كفر الدوار بمحافظة
البحيرة شمال القاهرة؛ تروي فيه ومشاهدتها ومعايشتها لعدد من المشاكل المجتمعية
المصرية والتي تعتبر مزعجة وصادمة بالفعل وتشمل زواج القاصرات، والزواج العرفي غير
الموثق، والعلاقات الجنسية المحرمة خارج إطار الزواج وما ينتج عنها من انتشار
ظاهرة الأطفال مجهولي النسب.
وطبيبة كفر الدوار من خلال سردها للأحداث
فإنها تبدو أنها قد بذلت الجهد الطبي في تقديم الخدمة الطبية إلى حد ما، وأنها لم
تذكر أسماء بعينها للسيدات، ولم تقم بإفشاء خصوصيات المرضى على العلن، ولكن حقيقة
ما فعلته هو الإفشاء بالسر المهني حول ظواهر ترى أنها باتت منتشرة في المجتمع، والإشكالية
كانت في الكلمات الصادمة وفي أسلوب العرض للظاهرة بألفاظ لا تتوافق مع أساليب
التوعية الصحية والتثقيف المجتمعي لعامة الناس.
قضايا ومشكلات مجتمعية هامة تناولتها طبيبة
كفر الدوار بوضوح ولكن بألفاظ صادمة
بالرغم من أن تعداد السكان الرسمي الأخير
"مصر2017 " قد أشار إلى وجود عدد من زواج القاصرات (الزواج المبكر
للأطفال دون سن 18 سنة) يشكل نسبة ليست كبيرة بالقياس إلى عدد السكان؛ إلا أن
تقرير المجلس القومي للسكان عام 2022 قد أشار إلى أن الزواج المبكر (زواج الأطفال
أو زواج القاصرات) قد أصبح ظاهرة اجتماعية ملحوظة في المجتمع المصري. ويعتبر أحد
موروثات التراث الثقافي للمجتمعات الريفية، وقد يفسر انتشاره بعدم اهتمام الأسر
الريفية بتعليم بناتها وضعف الوعي المجتمعي أو نتيجة للظروف الاقتصادية السيئة
التي تضطر الأسرة بسببها لتزويج بناتها في سن مبكرة. وأنه وبالرغم من وجود نصوص
القوانين التي تجرم الزواج المبكر (زواج الطفولة أو زواج القاصرات)، حيث نص
"قانون الطفل لعام 2014" على أنه لا يجوز عقد الزواج لمن لم يبلغ ثماني
عشرة سنة ويشترط للتوثيق وأن يتم الفحص الطبي للراغبين في الزواج للتحقق من خلوهما
من الأمراض؛ إلا أنه ما زالت هذه الظاهرة منتشرة وخاصة في المناطق الريفية.
والقضية الأخرى التي تناولتها طبيبة كفر
الدوار كانت في زيادة عدد الأطفال المعثور عليهم أو الأطفال مجهولي النسب؛ وهي بلا
شك تعتبر ظاهرة خطیرة داخل المجتمع المصري وأخذت تزداد في الفترة الاخیرة نظرا
لأسباب کثیرة منها التفلت الدينى والأخلاقي في المجتمع وتعنى انتشار جريمة
العلاقات الجنسية المحرمة خارج إطار الزواج.
وفي دراسة ميدانية نشرها مركز "هرمس"
للدراسات التابع لجامعة القاهرة عام 2019؛ تمت الإشارة إلى أن الأطفال مجهولي
النسب في مصر قنبلة اجتماعية قابلة للانفجار في أي لحظة، خصوصاً وأن تعدادهم يقترب
من مليونَي طفل، وفقاً لإحصاءات المجلس القومي للطفولة والأمومة عام 2016.
وقد أشارت طبيبة كفر الدوار إلى مدى
المعاناة التي يلقاها هؤلاء الأطفال الأبرياء لضمان توفير احتياجاتهم من خلال
تبرعات أهل الخير يوجود فصور في التمويل الحكومي سواء في في مقار رعاية الأمومة
والطفولة بوزارة الصحة حيث يتم وضع الطقل فيها حتى عمر العامين، أو في دور الإيواء
التابعة لوزارة التضامن الاجتماعي والتي يظل فيها الطقل حتى يبلغ عمر ثمانية عشر
عاما.
قانون "ابن الهرمة" يحكم المشهد
تجاه القضايا المجتمعية الخطيرة التي ذكرتها الطبيبة
بالرغم من أنها مشاكل باتت تنتشر؛ إلا أن
الدولة المصرية قد اهتمت بالطبيبة ولماذا تحدثت، ولماذا حاولت دق ناقوس الخطر في
المجتمع. وهنا يبرز بوضوح أنه يتم تطبيق قانون "ابن الهرمة" المشهور في
الأدب العربي.
في دراسة ميدانية نشرها مركز "هرمس" للدراسات التابع لجامعة القاهرة عام 2019؛ تمت الإشارة إلى أن الأطفال مجهولي النسب في مصر قنبلة اجتماعية قابلة للانفجار في أي لحظة، خصوصاً وأن تعدادهم يقترب من مليونَي طفل، وفقاً لإحصاءات المجلس القومي للطفولة والأمومة عام 2016.
القصة باختصار هي أن ابن الهرمة هذا، كان
صديقًا ونديمًا للوالي، وكان يذهب إليه في المساء، بعد أن تنام المدينة كلها،
ليسامره ويسري عنه لما عرف عن ابن الهرمة من خفة الظل وإدمان الخمر!! وكانت
المشكلة اليومية أن ابن الهرمة عندما ينصرف من قصر الوالي في جنح الظلام يصادفه
العسس ويستوقفونه، فيتلاحظ لهم رائحة الخمر وهي تفوح من فمه فيقبضون عليه،
ويحيلونه للقاضي!!.. كان ابن الهرمة لا يريد أن يكشف سره وسر الوالي ولا يستطيع
بالتالي أن يقول للعسس إنه كان يشارك الوالي في كل شيء، وبالتالي كان ينساق
لأوامرهم ويذهبون به إلي القاضي الذي يكاد يقيم عليه الحد حتى يستيقظ الوالي
ويتدخل للعفو عنه في اللحظة الآخيرة!! وكان هذا يسبب حرجًا للوالي، وألمًا وإهانة
لصديقه ابن الهرمة.
وذات يوم بحث الوالي عن ابن الهرمة فلم يجده
فأرسل في طلبه فحضر صديقه إليه، مشترطًا عليه، أن يعطيه "صكًا" يضعه في
جيبه، ويقدمه إلى العسس حتي لا يقبضوا عليه إذا وجدوه سكرانًا!!.. استشعر الوالي
الحرج في أن يكتب صكًا يطلب فيه من عسسه عدم القبض علي رجل شارب الخمر، لما يحتمله
هذا من شبهة الخروج عن الشرع، والتعارض مع حدود الله، فطلب من ابن الهرمة أن يفكر
في حل آخر يقيه شر العسس ولا يضع الأمير في هذا الموقف الحرج!! أمام الرعية، ورجال
الدين، وخصوم الوالي.
وكان الحل هو في إصدار مرسوم بقانون يقول
فيه الوالي: "إذا ضبط ابن الهرمة سكرانًا في أي وقت من أوقات الليل والنهار
يجلد مائة جلدة، ويجلد من شارك في القبض عليه خمسين جلدة.!!!.... وهكذا أصبح أنه من يكشف الحقيقة يناله جانب من العقاب!!!
الإجراءات التي كان من الواجب اتخاذها بعد
انتشار ما عرضته طبيبة كفر الدوار من مشاكل حقيقة
كان من المتوقع أن تبدأ المؤسسات الحكومية
ومنظمات المجتمع المدني ورجال الدين وبرامج الفضائيات في دراسة تلك المشكلات والظواهر
المجتمعية الخطيرة التي وردت في كلام طبيبة كفر الدوار، وبحث الأسباب، وتحديد نقاط
الخطورة، والبدء فورا في وضع الحلول الدينية والأخلاقية والمجتمعية، خاصة وأنه
يوجد قصور واضح خلال السنوات القليلة الماضية في نشر القيم الدينية، واختفاء دور
القيادات المجتمعية تماما من العمل والانتشار بين الناس، وتوفير سبل الاعاشة
والايواء بطريقة آدمية لتلك الفئة من الأطفال مجهولي النسب بأسلوب يكفل لهم الكرامة
طوال حياتهم، خاصة وأن الواقع الموجود فى
الوقت الحالي داخل دور الرعایة الاجتماعية واقع مؤلم جدا من حیث دعم الدولة لهذه
الفئة فهو قلیل جدا لا یوفى جمیع الاحتياجات لهم ،ولکن تقوم التبرعات الیومیة من أهل الخير بالوفاء باحتیاجات
هؤلاء الأطفال.
تطبيق "قانون ابن الهرمة" على
طبيبة كفر الدوار بعد تحديثه وتطويره
ولكن الذي حدث هو أن السهام توجهت جميعها
نحو طبيبة كفر الدوار، وتم فورا تطبيق "قانون ابن الهرمة" بأسلوب جديد
حيث تم غض الطرف عن المسلسلات والأفلام الهابطة التي تنشر الرذيلة، وعن الحوارات
البذيئة على الفضائيات رغم انتشارها، ولم يهتم أحد بدراسة الخلل التربوي والأخلاقي
ووضع سبل الإصلاح، تماما كما حدث مع المستشار هشام جنينه المدير السابق للجهاز
المركزي للمحاسبات والذي تم حبسه بنفس التهم بعد حديثه حول الفساد الحكومي، وكما
تم حبس الأطباء الذين حذروا من وجود مصابين بفيروس كورونا في حين كانت الدولة تنفي
ذلك رسميا.
وبالفعل فقد تم إلقاء القبض على الطبيبة
وتحويلها للنيابة العامة؛ وتوجيه عدة اتهامات جنائية لها مثل تكدير الأمن والسلم
العام، واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي لإثارة البلبلة بين أطياف الشعب المصري،
واستخدام ألفاظ سيئة.
وهنا تجب الإشارة إلى أن تحويلها للنيابة
العامة يعتبر التفافا على المشكلات الحقيقية التي تناولتها الطبيبة وخانها فيها
أسلوب العرض وطريق الشرح على عامة الناس رغم أنها لم تقم بإفشاء سر المرضى ولم
تنتهك الخصوصية لهم، ومن واجب نقابة الأطباء القيام بدورها نحو الطبيبة مهنيا
ونقابيا، والتركيز على الجانب الإيجابي من التوعية المجتمعية، ووضع خطأ الطريقة
في الاطار المهني وليس الجنائي، ولكن يبدو أن الواقع الحالي في مصر أصبح مغرما
بخلط الأوراق وتغييب الحقيقة وراء شعارات إعلامية مزيفة تزيد من انتشار الفساد
الأخلاقي والقيمي والديني في المجتمع.
والغريب حاليا هو في "تطبيق قانون ابن
الهرمة" بطريقة مبتكرة حيث يتم محاسبة من يكشف الفساد؛ في حين يتم غض الطرف
تماما عن المفسدين وعن جرائم الفساد في المجتمع.