مقالات مختارة

الآتاكمز.. هل تغير قواعد المعركة؟

هذا الصاروخ يحمل رأسا حربيا يزن 227 كيلوغراما ويحتوى على ذخائر عنقودية- جيتي
ما هى حكاية صواريخ الآتاكمز ATACMS التى جعلت العالم بأكمله يخشى من تحول الحرب الروسية الأوكرانية من حرب تقليدية إلى حرب نووية؟

‎هذه الصواريخ تنتجها شركة لوكهيد مارتن الأمريكية، والنسخة التى وصلت لأوكرانيا مؤخرا يصل مداها إلى 165 كيلومترا، فى حين أن هناك نسخا أحدث مداها 300 كيلومتر.

‎هذا الصاروخ يحمل رأسا حربيا يزن 227 كيلوغراما ومجهز بنظام تحديد المواقع GPS ويحتوى على ذخائر عنقودية، وعند إطلاق هذه العناقيد فى الهواء، فإنها تنشر مئات القنابل الصغيرة بدلا من رأس حربي واحد محدثة خسائر وإصابات متنوعة.

‎والسؤال: لماذا شعرت روسيا بأن هذه الصواريخ قد تمثل تغيرا نوعيا فى الحرب، بل دفعتها إلى تغيير عقيدتها النووية، بما يتيح لها شن هجوم نووي ضد دولة لا تملك أسلحة نووية مثل أوكرانيا؟

‎الإجابة يقدمها الخبراء العسكريون بقولهم إن استخدام القوات الأوكرانية لهذه الصواريخ سيؤدى إلى تشتيت القوة الجوية الروسية وسحب طائراتها بعيدا عن خطوط المواجهة، كما أنه يمكنها تعطيل خطوط الإمداد الروسية التي تتحرك بحرية كبيرة في مسارح العمليات.

‎كما أن هذه الصواريخ ستكون موجهة بالأساس إلى المطارات والطائرات العسكرية الروسية، والبنية التحتية الحيوية، خصوصا قطاع الطاقة، وكذلك مراكز الاتصالات.

 لكن فى النهاية فإن تأثير هذه الصواريخ يتوقف على العدد الذى تنوى أمريكا أن تقدمه لأوكرانيا، وعلى نوعية النسخ.. بمعنى هل تكون ذات مدى 165 كيلومترا أم 300 كيلومتر؟ فإذا كانت ذات مدى أطول وتشمل معظم الأراضى الروسية فستعقد قدرة موسكو على الاستجابة لمتطلبات ساحة المعركة. أما إذا اقتصرت على ضرب القوات الروسية فى جيب كورسك الذي تحتل معظمه القوات الأوكرانية منذ أغسطس الماضي، فإن ذلك قد لا يقلق موسكو كثيرا لأنها لن تكون مضطرة إلى نقل مراكز القيادة ومناطق انتشار قواتها الجوية إلى أماكن أبعد من المدى الذي تصله هذه الصواريخ.

أوكرانيا أطلقت بالفعل 6 صواريخ آتاكمز يوم الأربعاء الماضي، وطبقا للجيش الروسى فقد تم إسقاط 5 صواريخ منها والسادس تطايرت شظاياه إلى موقع عسكري لكن من دون خسائر.

‎خبراء عسكريون قالوا إن القوات الروسية كان لديها المزيد من الوقت لسحب معداتها خارج مدى هذه الصواريخ.

‎ ما تأمله أوكرانيا أن تتمكن من الاستمرار فى السيطرة على كورسك الروسية لكي تستغلها ورقة مهمة في أي مفاوضات مقبلة، أما إذا فقدت هذه الورقة، فلن يكون بإمكانها أن تقايض روسيا على أي شيء خصوصا أن الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب كرر وعده بأنه سيوقف الحرب بين روسيا وأوكرانيا.

 والتقديرات أن هذا الوقف سيصب في مصلحة روسيا التي تتمتع بوضع عسكري أفضل، وتسيطر على ثلث مساحة أوكرانيا، ولو نجح الهجوم الروسي المتوقع في كورسك فلن يجد زيلينسكي شيئا للتفاوض بشأنه.

‎وفي هذا الإطار يلفت النظر ما يكرره زيلينسكي في الأيام الأخيرة بأن بلاده ستفعل ما في وسعها لضمان انتهاء الحرب في العام المقبل من خلال الوسائل الدبلوماسية، لكنه لا يخفي نواياه بأن الأسلحة الحديثة التي حصل عليها من الغرب يمكنها أن تساعده في شن هجوم مضاد في الأسابيع المقبلة لتعزيز السيطرة على كورسك أولا، وصد الهجوم الروسي المستمر والذي حقق نجاحات ميدانية كثيرة في الأسابيع الأخيرة ثانيا، قبل أن يأتي الشتاء بأمطاره وأوحاله والمعطل للحرب.

‎مرة أخرى نسأل: هل صواريخ الآتاكمز ومعها صواريخ ستورم شادو البريطانية و«سكالب» الفرنسية التي صارت بحوزة أوكرانيا يمكنها أن تغير من مسار المعركة وتؤمن نصرا لأوكرانيا؟

‎غالبية الخبراء يقولون أن الإجابة هى لا.

‎على سبيل المثال جليب فولوسكي المحلل في مركز CBA للأبحاث يقول إن تزويد أوكرانيا بالصواريخ جاء متأخرا جدا، ولو تم اتخاذه في بداية الخريف لأمكن تعطيل الهجوم الروسي المضاد في كورسك، ولو جاء في وقت أبكر من الخريف لكان من الممكن أن يعرقل الهجوم فى اتجاه بوكروفسك.

روسيا وللمرة الأولى أطلقت صاروخا عابرا للقارات على دنيبرو فى أوكرانيا يوم الخميس الماضي وهو تطور شديد الأهمية.

‎تلك هي الصورة، والأقرب للدقة أن روسيا ستنتظر لترى أثر هذه الصواريخ والأسلحة الغربية الحديثة على سير المعركة.

فإذا لم تؤثر فسيظل القتال بصيغته الراهنة، أما إذا حدث تغير نوعي لصالح أوكرانيا، فلن يكون مستبعدا أن ينفذ بوتين وعده ويستخدم الأسلحة النووية تطبيقا لتغيير العقيدة النووية.

ووقتها سيكون الكلام مختلفا بل ربما لن يكون هناك كلام بالمرة.

(الشروق المصرية)