ملفات وتقارير

كيف ينعكس التعداد السكاني على الواقع السياسي في العراق؟

بلغ عدد سكان العراق في التعداد الأخير 45.4 مليون نسمة- واع
 أثارت نتائج التعداد السكاني في العراق، العديد من التساؤلات عن كيفية تأثيرها على المشهد السياسي في البلد، الذي من المقرر أن يشهد انتخابات برلمانية في عام 2025، ومن ثم ضرورة إجراء تعديلات على القانون الانتخابي حتى يتناسب مع الواقع الجديد.

أعلن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، الاثنين، أن عدد سكان البلاد بلغ 45.4 مليون نسمة، وأن 60 بالمئة منهم في سن العمل (15- 64 سنة)، وفقا للتعداد العام للسكان والمساكن، الذي جاء بعد ربع قرن على آخر تعداد حصل في البلاد عام 1997.

وينص الدستور العراقي الذي أقر في البلاد عام 2005، أن لكل مئة ألف مواطن نائب واحد يمثلهم في البرلمان، بمعنى أن عدد النواب سيرتفع من 329 نائبا إلى 454، وذلك وفقا للزيادة الحاصلة النسبة السكانية.

تعديلات مطلوبة
وتعليقا على ذلك، قال الخبير الانتخابي العراقي، سعد الراوي، لـ"عربي21"؛ إن "الدستور تضمن نسبة نائب لكل مئة ألف نسمة ، لكن استبعد أن ترفع عدد مقاعد البرلمان إلى أكثر من 450 مقعدا في الانتخابات البرلمانية المقبلة".

وعزا الراوي عدم إمكانية رفع عدد المقاعد إلى أن "الوقت غير كاف، وكذلك يتطلب الأمر تعديل قانون الانتخابات وفقا لنتائج التعداد السكاني، رغم أن هذا الخيار أسهل من تعديل الدستور".

وتابع: "من المقرر أن يعطينا التعداد السكاني بيانات دقيقة عن عدد السكان لكل محافظة، وإذا لم يُرفع عدد مقاعد النواب، فنحن بحاجة إلى تعديل ذلك بالدستور؛ كونه ينص على تمثيل نائب لكل مئة ألف نسمة".

وأشار إلى أنه "في المرحلة السابقة، أوقفوا عدد نواب البرلمان على 329 لحين إجراء تعداد سكاني، والآن وجد هذا الأمر، فهل ستمضي القوى السياسية في تعديل عدد المقاعد بناء على ذلك؟".

ولفت الراوي إلى أن "المحافظات المختلطة لن تتأثر في التمثيل السكاني بالبرلمان، ولاسيما العاصمة بغداد، التي ربما يصل عدد مقاعدها إلى 100 مقعد، وإنما الكل ستزيد حصصها في البرلمان، طبقا لزيادة عدد السكان التي أثبتها التعداد السكاني".

ورأى الخبير الانتخابي أن "المشكلة ليست في التعداد، وإنما في افتقار المشاريع السياسية الوطنية، والعزوف الكبير للناخبين عن المشاركة في الانتخابات، وخصوصا في مناطق النخب المثقفة ومراكز المحافظات".

وأردف: "على سبيل المثال، قضاء المنصور غرب العاصمة بغداد، كانت نسبة مشاركته 18 بالمئة فقط في الانتخابات البرلمانية لعام 2021، وهذا تراجع كبير ممكن تعميمه على جميع مراكز المحافظات".
وخلص الراوي إلى أن "التمثيل البرلماني سيبقى ضعيفا إلى حين إيجاد مشاريع سياسية وطنية، وبرامج انتخابية للأحزاب التي ستشارك في الانتخابات البرلمانية المقررة في عام 2025".

تداعيات محتملة
وفي السياق ذاته، قال أستاذ العلوم السياسية في العراق، معتز النجم؛ إن "التعداد السكاني جاء للابتعاد عن التخمين والاحتمالات، أما انعكاسه على الواقع الانتخابي، فإن غياب المهجرين والنازحين والمغتربين سيكون سلبيا على واقع المحافظات السنية".

وأوضح النجم لـ"عربي21"، قائلا: "إذا طبقت نتائج التعداد السكاني على الانتخابات المقبلة، فإنه يجب أن يكون عدد أعضاء البرلمان أكثر من 454 نائبا، لكن أعتقد أنه لن يفعل إلى ما بعد دورتين انتخابيتين".

وأشار إلى أنه "عدم تفعيل نتائج التعداد السكاني في الانتخابات المقبلة، يعود إلى عدم وجود إمكانيات مادية أو اتفاقيات سياسية، كذلك لن ينعكس على الموازنات المالية للإقليم أو المحافظات".

وتابع؛ إن "إقليم كردستان العراق عدد سكانه يصل إلى أكثر من 6 مليون نسمة، وإذا طبقنا التعداد، فإن ميزانيته لن تصل إلى 10 بالمئة من الميزانية العامة للبلد، لكن الأمر مرتبط بالاتفاقات السياسية وليس الدستور".

وبرأي النجم، فإن "تطبيق نتائج التعداد السكاني على الصعيد الانتخابي أو ما يتعلق بالموازنة المالية، لا يمكن حصوله لأسباب اقتصادية؛ لأن البلد يعتمد على الاقتصاد الريعي أحادي الجانب (بيع النفط)".

وفي المقابل، قال المحلل السياسي العراقي، إحسان الشمري، خلال مقابلة تلفزيونية، الاثنين؛ إن "الزيادة السكانية هذه ستؤثر بشكل كبير جدا على نسب تمثيل المحافظات، وستطرأ خارطة للثقل السياسي في بعض المحافظات على حساب محافظات أخرى".

وأردف: "على اعتبار أن بعض المحافظات غير مكتملة من ناحية التعداد بسبب وجود نازحين ومهجرين، إضافة إلى عدم احتساب عراقيي الخارج، وهذه جميعها تؤثر على مستوى التمثيل السياسي لتلك المدن".

وأشار إلى أن "نسبة التعداد السكاني أظهرت وجود فئة شبابية تشكل نسبة 60 بالمئة من المجتمع، من ثم ستؤثر ليس على مستوى التحالفات السياسية، وإنما على البرامج الانتخابية ومنهاج الأحزاب ومؤسسات الدولة حتى تؤثر في الناخب العراقي، وخصوصا هذه الشريحة".

وبناء على ذلك، رأى الشمري، أن "القوى السياسية ستكون أمام إرادة ناخب تختلف بشكل كبير عما كانت عليه في السنوات السابقة".

وكان البلد الغني بالنفط يترقّب نتائج هذا التعداد، لا سيّما لأسباب تتعلق بالميزانية والتمثيل البرلماني للسكان. 

وأظهرت نتائج التعداد، أن معدّل النمو السنوي السكاني يبلغ حاليا 2.3 بالمئة، وذلك "نتيجة لتغيّر أنماط الخصوبة في العراق"، حسبما قال مستشار صندوق الأمم المتحدة للسكان في العراق مهدي العلاق خلال مؤتمر صحفي، الأثنين.

وأرجئ التعداد السكاني مرات عدة، بسبب خلافات سياسية في العراق، الذي شهد نزاعات بعد الاحتلال الأمريكي في 2003، وسيطرة تنظيم الدولة في 2014 إلى 2017 على أجزاء واسعة منه.