قالت شبكة "بي بي سي" عبر تقرير لها؛ إن عددا من الجنود الإسرائيليين باتوا يرفضون العودة للخدمة في
غزة؛ بينهم يوفال غرين، البالغ من العمر 26 عاما، الذي أشار إلى كونه يعرف ثلاثة جنود على الأقل قد قتلوا، وأنه يرفض العودة إلى غزة مرة أخرى.
وبحسب التقرير نفسه، قُتل في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 خلال عملية "طوفان الأقصى" التي شنّتها حركة حماس: 1200 شخص، واحتجز 251 آخرون كأسرى في غزة، بحسب السلطات الإسرائيلية، فيما لا يزال سبعة وتسعون أسيرا منهم في غزة حتى الآن، ويُعتقد أن حوالي نصفهم على قيد الحياة.
وتابع المصدر نفسه، أن يوفال، جندي احتياط، ومسعف في قوات تابعة لجيش
الاحتلال الإسرائيلي، كان قد استجاب على الفور لنداء حمل السلاح والدفاع عن الإسرائيليين، ويتذكر الرعب الذي شعر به عند دخول البلدات المدمرة بالقرب من حدود غزة، بالقول: ترى الجثث في الشوارع، وترى السيارات مثقوبة بالرصاص".
وتابع: "في ذلك الوقت، لم يكن هناك شك في ضرورة تلبية النداء والالتحاق بالخدمة العسكرية؛ إذ كان لا بد من إعادة الأسرى إلى ديارهم". ثم جاءت الحرب في غزة، وشاهد أشياء لا يمكن تجاهلها، مثل الليلة التي رأى فيها قططا تأكل بقايا جثث بشرية في الطريق.
"أتخيل ذلك كأنه نهاية العالم، تنظر إلى يمينك، تنظر إلى يسارك، كل ما تراه هو المباني المدمرة، المباني المتضررة بالنيران، والصواريخ، وكل شيء، هذه هي غزة الآن"، يروي يوفال.
وتعود جذور رفض يوفال إلى الأيام التي أعقبت بدء الحرب مباشرة، حينها دعا نائب رئيس الكنيست (البرلمان الإسرائيلي)، نيسيم فاتوري، إلى: "محو
قطاع غزة من على وجه الأرض". وقال الحاخام إيلياهو مالي، في إشارة عامة إلى الفلسطينيين في غزة: "إذا لم تقتلوهم، فسوف يقتلونكم".
وأكد أنّ: "الجنود الإسرائيليين يجب أن يفعلوا فقط ما يأمرهم به الجيش، وأن قانون الدولة لا يسمح بقتل السكان المدنيين"، وهو ما جعل القلق يتسلّل إلى يوفال.
وأوضح يوفال: "كان الناس يتحدثون عن قتل سكان غزة بالكامل، كما لو كانت فكرة منطقية، وفي ظل هذا الجو، يدخل الجنود إلى غزة بعد شهر واحد فقط من مقتل أصدقائهم، ويسمعون عن جنود آخرين يموتون كل يوم، والجنود يفعلون الكثير من الأشياء".
وفي السياق نفسه، كانت هناك منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي من جنود في غزة، وهم يسيئون معاملة السجناء، ويدمرون الممتلكات، ويسخرون من الفلسطينيين. يقول يوفال: "كنت أحاول محاربة هذه الأشياء في ذلك الوقت بقدر ما أستطيع، كان هناك الكثير من الأجواء غير الإنسانية والانتقامية".
وقال: "لقد أمرونا بحرق منزل، وذهبت إلى قائدي وسألته: لماذا نفعل ذلك؟ وكانت الإجابات غير كافية. لم أكن على استعداد لحرق منزل دون أسباب منطقية، ودون أن أعرف أن هذا يخدم غرضا عسكريا معينا، أو أي نوع من الأغراض، لذلك قلت: لا. وغادرت". كان ذلك آخر يوم ليوفال في غزة.
أيضا، تحدّث ثلاثة من رافضي الالتحاق بالخدمة العسكرية إلى هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، وافق اثنان على ذكر اسميهما، بينما طلب الثالث عدم الكشف عن هويته، ويؤكد جميعهم على حبهم لدولة الاحتلال الإسرائيلي، لكن تجربة الحرب، والفشل في التوصل إلى اتفاق بخصوص الأسرى، أدى إلى خيار محدد.
كان أحد الجنود، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، في مطار بن غوريون، عندما بدأت الأخبار تتوالى عن عملية طوفان الأقصى، ويتذكر شعوره بالصدمة في البداية، بالقول: "أتذكر حين كنت أقود سيارتي إلى المنزل، كنت أستمع إلى الراديو، وكان الناس يتصلون ويقولون: لقد اختطف والدي للتو، ساعدوني، لا أحد يساعدني. لقد كان كابوسا حقيقيا".
لقد شعر بأن هذه هي اللحظة التي خُلق لأجلها جيش الاحتلال الإسرائيلي، لم يكن الأمر شبيها بمداهمة المنازل في الضفة الغربية المحتلة، أو مطاردة الشباب الذين يلقون الحجارة: "ربما للمرة الأولى شعرت أنني أتطوع للدفاع عن النفس حقّا".
لكن وجهة نظره قد تغيرت مع تقدم الحرب، فقال: "أعتقد أنني لم أعد أشعر أنني أستطيع أن أقول بصدق، بأن هذه الحملة تركز على تأمين أرواح الإسرائيليين"، مشيرا إلى أن رفاقه كانوا يتفاخرون، حتى أمام قادتهم، بضرب "الفلسطينيين العاجزين".
وسمع المزيد من القصص المروعة، بالقول: "كان الزملاء يتحدثون بهدوء تام عن حالات الإساءة أو حتى القتل، كما لو كانت مسألة تافهة، أو يتحدثون عن ذلك بهدوء حقيقي، من الواضح أن هذا صدمني".
مردفا أنه كان شاهدا على عمليات تعصيب أعين السجناء، وعدم السماح لهم بالتحرك "طوال فترة احتجازهم بالكامل، وإعطائهم كميات قليلة من الطعام بشكل صادم". عندما انتهت مدته الأولى في الخدمة، تعهد بعدم العودة.
من جهته، كان مايكل عوفر زيف، البالغ من العمر 29 عاما، يعرف شخصين من قريته قُتلا في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، وكان بالفعل يساريا ملتزما، يدافع عن الحلول السياسية وليس العسكرية للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ولكن، مثل رفاقه، شعر أن الالتحاق بالخدمة الاحتياطية كان صحيحا آنذاك.
وقال: "كنت أعلم أن العمل العسكري لا مفر منه، وكان مبررا بطريقة ما، لكنني كنت قلقا للغاية بشأن الشكل الذي قد يتخذه". كانت وظيفته العمل كضابط عمليات في غرفة الحرب في أحد الألوية، حيث كان يراقب ويوجّه الأحداث التي تنقلها كاميرات الطائرات بدون طيار في غزة.
يتذكر: "ذهبنا للحصول على بعض الأوراق من مكان ما، في القيادة الرئيسية لمنطقة غزة، وحين فتحنا النافذة، وكانت الرائحة الكريهة أشبه برائحة متجر جزارة، كما هو الحال في السوق، حيث لا يكون المكان نظيفا"، وهو أيضا رفض الخدمة مرة أخرى.
وصرّح جيش الاحتلال الإسرائيلي بأن رفض الالتحاق بالخدمة من جانب جنود الاحتياط، يتم التعامل معه على أساس كل حالة على حدة، بينما يزعم رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أن: "الجيش الإسرائيلي الأكثر أخلاقية في العالم".
وأكد تقرير شبكة "بي بي سي"، أنه عقب مرور عام، بات يرفض الشاب الذي التحق بالخدمة في السابع تشرين الأول/ أكتوبر 2023 العودة إلى غزة. فيما شارك في رسالة مفتوحة، وقّع عليها ما يناهز 165 جندي احتياط في جيش الاحتلال الإسرائيلي، وعدد أقل من الجنود الدائمين، كلهم يرفضون الخدمة العسكرية أو يهددون برفضها ما لم يتم إعادة الأسرى، وهو ما يتطلب اتفاق وقف إطلاق نار مع حماس.
وأبرز التقرير: "في بلد يضمّ جيشه حوالي 465 ألف جندي احتياطي، هناك أقلية ترفض القتال لأسباب أخلاقية. وهناك عامل آخر له دور لدى بعض جنود الاحتياط في الجيش، هو الإرهاق".
بحسب تقارير مُتفرّقة نُشرت في عدد من وسائل الإعلام العبرية، فإن عددا متزايدا يتقاعس عن الالتحاق بالخدمة، من بينها صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، التي أبرزت أن هناك انخفاضا بنسبة تتراوح بين 15 إلى 25 في المئة، في الاستجابة لطلب الانضمام للخدمة العسكرية، ويرجع ذلك إلى الإرهاق بسبب فترات الخدمة الطويلة المطلوبة منهم.
وأشار استطلاع رأي، أجراه معهد الديمقراطية الإسرائيلي (IDI) مؤخرا، إلى أن 45 في المئة من الإسرائيليين اليهود يريدون إنهاء الحرب، بوقف إطلاق نار يتضمن إعادة الأسرى؛ مقابل 43 في المئة يريدون أن يواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي القتال وتدمير حماس.
وأشار الاستطلاع إلى أنّ: "الشعور بالتضامن، الذي ميز الأيام الأولى للحرب، في حين كانت البلاد تترنح تحت وطأة صدمة السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، قد طغى عليه تجدد الانقسامات السياسية، إذ يعتقد 26 في المئة فقط من الإسرائيليين، أن هناك الآن شعورا بالوحدة، فيما يقول 44 في المئة؛ إنه ليس هناك شعور بالوحدة".
من جهته، أشار وزير الحرب السابق، يوآف غالانت، وهو عضو في حزب الليكود الذي يتزعمه نتنياهو، وقد أقاله رئيس الوزراء، الشهر الماضي، إلى ما وصفه بـ"الفشل في إعادة الأسرى؛ باعتباره أحد الخلافات الرئيسية مع رئيس الحزب".
وقال: "لن يكون هناك أي تكفير عن خطيئة التخلي عن الأسرى، وسوف يكون ذلك بمنزلة وصمة عار على جبين المجتمع الإسرائيلي، وأولئك الذين يقودون هذا المسار الخاطئ".
ويواجه كل من رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير حربه السابق، يوآف غالانت، مذكرة اعتقال، من المحكمة الجنائية الدولية، بتهمة ارتكاب جرائم حرب.