السخرية من تصريحات وزير الخارجية الأمريكي المنصرف أنتوني
بلينكن وفي محاور ثلاثة تخص الملف السوري، لا بد أنها تستحوذ على مشاعر الملايين ممن استمعوا إليه، وكأن الرجل قد نسي وجود محرقة في فلسطين، أو أنه لا يريد أن يتذكرها أصلاً.
ويصر بلينكن أيضاً وعلى لسان الإدارة الأمريكية، على محاسبة الرئيس السوري السابق بشار الأسد على ما سماها بالجرائم التي ارتكبها طيلة فترة حكمه. المحاكمة مطلب محق بعد تاريخ من مسيرة الشعب السوري، خاصة في ظل ما تراكم من اتهامات مباشرة لنظام الأسد، إلا أن السؤال الطبيعي الذي يقفز إلى أذهان الجميع: ماذا عن محاكمة نتنياهو؟ ألا يستحق المحاكمة بعد ما راكم من جرائم وفظائع على مدار عقود متواصلة ومتتالية؟ جرائم وانتهاكات يندى لها جبين البشرية.
الأمر الثاني الذي أشار إليه بلينكن هو حق السوريين في اختيار مستقبلهم، وهو أمر لا يختلف عليه إثنان من حيث المضمون، بل هو حق للشعوب قاطبة لا محالة، إلا أن السؤال الذي يقفز إلى مخيلة الجميع: ماذا عن الفلسطينيين وحقهم المسلوب في حريتهم وتقرير مصيرهم؟ وماذا عن عشرات القرارات الأممية الصادرة بهذا الخصوص؟
الأمر الثالث الذي تفتقت قريحة بلينكن به، هو الحديث عن مستقبل جديد للشرق الأوسط، بعد ما جرى في
سوريا، وهنا نسأل: ماذا عن شرق أوسط جديد، تنهي فيه إسرائيل عقوداً طويلة من
الاحتلال والتوسع ومصادرة الأرض وبناء المستوطنات، وتدنيس المقدسات، واعتقال البشر، وارتكاب المذابح وشن الحروب ومصادرة آمال وأحلام الشعب الفلسطيني، وضرب مقدرات دول الإقليم واحتلال أراض عربية تحت ذرائع الأمن، وحماية الذات وغيرها من قائمة الحجج المستهلكة والممجوجة.
بلينكن المنتشي فرحاً بسقوط دمشق، وتسارع دوران عجلة تحقيق نتنياهو لحلمه بشرق أوسط جديد، إنما أعطى لنفسه الحق في الحديث بالمثاليات، لاعباً دور الملاك المزعوم الذي ينتصر لحقوق البشر وأحلامهم وأمانيهم.
بلينكن المخلوع من وزارة الخارجية الأمريكية قريباً، سيدخل التاريخ من أوسع أبواب العار، لا لما تستر عليه من قبائح وفظائع وجرائم فحسب، بل لما مارسه أيضاً من تسويف وتواطؤ وتساوق وتضليل وتآمر ومراوغات، وفرت مجتمعة لإسرائيل إمكانية معروفة وملموسة ومحسوسة، لاستمرار حربها على فلسطين والفلسطينيين، فبات السيد بلينكن مسؤولاً كما الإدارة الأمريكية مجتمعة، عن كم الفظائع التي ارتكبت والتي تكفي لاستدعاء كامل الإدارة بما فيها بلينكن للمحاكمة إلى جانب طواغيت العصر، كيف وهو الذي سبق أن تشدق مع بداية المحرقة في غزة، بدعمه المطلق لدولة الاحتلال.
لقد أكدت التجربة السورية الأخيرة وخلال أيامها الأولى ازدواجية المواقف ووقاحة طرح حكومة التطرف في تل أبيب وحليفتها في واشنطن، إضافة إلى بشاعة التفرقة العنصرية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وهو ما أعطى لإسرائيل الإذن بتجاوز القانون الدولي بالقصف والتدمير في مجمل الأراضي السورية، تحت مسميات الحماية والوقاية ودرء الشرور.
إن استدامة الاحتلال الصهيوني هو الشر الأكبر على المنطقة، خاصة أنه يبقيها ملتهبة وعاجزة عن الاستقرار، كما أن هذا الاحتلال باستدامته وإنكاره للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، إنما يستمر بكونه عنواناً للتفرقة والقرصنة والعنصرية والكراهية حول العالم، طالما أنه لا يرى في حدود أنفه سوى حقه في العيش دون غيره، ودون تطبيق حق الفلسطينيين في الحرية والخلاص، فهل تستفيق البشرية قريباً؟ أم تستمر في ثباتها ونومها عن أكبر ظلم في التاريخ؟ ننتظر ونرى.
القدس العربي