صحافة إسرائيلية

اعتراف لضباط الاحتلال: نقتل كل فلسطيني يقترب من "نتساريم" حتى لو كان طفلا

جنود الاحتلال يتسابقون في قتل أكبر عدد من الفلسطينيين بينهم- جيش الاحتلال
نشرت صحيفة هآرتس العبرية، تحقيقا كشف عن فظائع رواها جنود للاحتلال، ارتكبت بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، وخاصة في منطقة محور نتساريم الذي فصل شمال القطاع عن جنوبه.

ووفق إفادات الضباط، أقام جيش الاحتلال خطا وهميا قرب "نتساريم"، وجه بقتل كل من يقترب منه بالرصاص "وكذلك أولئك الذين يتجولون في الطريق غير مسلحين أو يركبون دراجة فقط".

وقالت الصحيفة: "هذا الخط لم يرسم على أي خريطة، ولم يكتب بأمر رسمي. إذا سألت كبار المسؤولين في الجيش، فمن المحتمل أن يقولوا إنه غير موجود، لكن في قلب قطاع غزة، شمال محور نتساريم، لا يوجد شيء ملموس أكثر منه".

خط الجثث

وقال قائد في الفرقة 252 المدرعة لصحيفة "هآرتس" إن "القوات الموجودة في الميدان لديها ما يسمى بخط الجثث".

وأضاف: "بعد إطلاق النار، لا يتم جمع الجثث على الفور، وتأتي مجموعات من الكلاب لتأكلها. في غزة يعرفون بالفعل أنه حيثما توجد مجموعات من الكلاب، فهذا هو المكان الذي يتعين عليهم الفرار منه".

ويبلغ عرض محور نتساريم 7 كيلومترات تبدأ قرب مستوطنة بئيري وتنتهي عند خط الشاطئ الذي يحتله الجيش، وتم إخلاء المنطقة بالكامل من السكان الفلسطينيين وتدمير منازلها لصالح شق الطرق وبناء المواقع العسكرية الإسرائيلية.

وقال القائد في الفرقة 252: "من الناحية العملية، حدد قائد الفرقة هذه المنطقة بأنها منطقة قتل وعلينا إطلاق النار على كل من يدخلها".


ضابط آخر من الفرقة 252، أنهى الخدمة الاحتياطية مؤخرا، يشرح مدى تعسفية الخط: "من وجهة نظر الفرقة، مساحة القتل هي نطاق مرمى القناص لكن الأمر لا يتعلق فقط بالمكان الذي يقتلون فيه، بل يتعلق أيضا بهوية القتلى".

ومضى موضحا: "نحن نقتل المدنيين هناك ويتم اعتبارهم إرهابيين".

وذكر أن بيانات متحدث الجيش حول عدد الشهداء الفلسطينيين الذين تزهق أرواحهم كل وحدة ولواء وفرقة حول منطقة محور "نتساريم"، تتحول إلى منافسة بين القوات الإسرائيلية حول قتل أكبر عدد.

وأردف: "إذا قتلت الفرقة 99  150 ستحاول من تأتي بعدها الوصول إلى 200".

ويتناول تحقيق "هآرتس" إفادات عديدة لضباط خدموا في المنطقة، عن القتل التعسفي والسهولة التي يتحول بها الفلسطيني بعد مقتله إلى "إرهابي" وفق وصفه.

"القول إننا الجيش الأكثر أخلاقية في العالم هو ببساطة لإزالة المسؤولية عن الجنود الذين يعرفون بالضبط ما نفعله هناك"، هكذا يقول قائد إسرائيلي كبير في الاحتياط، خدم مؤخرا في محور "نتساريم" للصحيفة.

وأضاف: "لا يريدون الاستماع إلى جنودنا، ويتجاهلون حقيقة أننا كنا في مكان لا توجد فيه قوانين منذ أكثر من عام، وأن حياة الإنسان لا تساوي شيئا، والحقيقة أننا نحن القادة والمقاتلون نشارك في الرعب الذي يحدث في غزة".

وقال الضابط نفسه، إنه لا يندم على ارتدائه زيه العسكري في 7 أكتوبر 2023.

وأضاف: "ذهبنا إلى حرب عادلة، ولكن من المهم بالنسبة لي أن تكون الصورة التي يتلقاها المواطنون كاملة أيضا" وفق زعمه.

وأوضح: "حان الوقت ليعرف الجمهور في إسرائيل كيف تبدو الحرب، وما هي الأعمال الخطيرة التي يرتكبها بعض القادة والجنود في الداخل. وما هي المشاهد اللاإنسانية التي نحن شهود عليها هناك".

وحصلت "هآرتس" على إفادات قادة وجنود في القوات النظامية والاحتياط، تتحدث عن السلطة غير المحدودة الممنوحة للقادة في غزة.

على سبيل المثال، وقبل بدء الإبادة "كانت موافقة رئيس الأركان مطلوبة للقصف من الجو أو إصابة مبنى شاهق في غزة، بينما اليوم القرار يقع على عاتق الضباط الأقل رتبة أو الأقل منهم أيضا"، وفق المصدر ذاته.

وتنقل الصحيفة عن ضابط قديم في الفرقة 252 أن "قائد الفرقة غير مقيد اليوم تقريبا بشأن استخدام النار في منطقة القتال. في غزة اليوم يمكن لقائد كتيبة أن يأمر بشن هجوم بطائرات مسيرة، ويمكن لقائد فرقة أن يقرر أنه يحتلها".

ووفق ما نقله التحقيق عن قادة وجنود إسرائيليين "تتصرف قوات الجيش مثل مليشيا مسلحة مستقلة دون قوانين، على الأقل ليس تلك المكتوبة في أوامر الجيش".

"هذا الواقع الفوضوي وضع أكثر من مرة قادة وجنودا إسرائيليين من الفرقة 252 أمام معضلات أخلاقية صعبة"، وفق التحقيق.

جندي قديم في الفرقة ذاتها قال: "كانت الأوامر هي الحفاظ على المنطقة نظيفة؛ أي شخص يدخل منطقة الممر يجب إطلاق النار عليه في رأسه".

وأردف: "في أحد الأيام، رصد الجنود الذين كانوا في الحراسة شخصا يقترب من الجنوب. قفزنا كما لو كانت غارة لعشرات الإرهابيين. اتخذنا مواقعنا وقمنا بتصفيته على الفور. أتحدث عن عشرات الرصاصات وربما أكثر. لمدة دقيقة أو دقيقتين أطلقنا النار على الجثة. كان هناك جنود من حولي يطلقون النار عليها ويضحكون".


وتابع: "لكن هنا، لم ينته الحدث بعد. ذهبنا إلى الجثة التي كانت غارقة في الدماء، والتقطنا صورة لها. كان صبياً صغيراً، ربما يبلغ من العمر 16 عاما".

ووفقا لما ذكره الجندي: "جاء ضابط من الاستخبارات العسكرية إلى مكان الحادث وقام بجمع الأغراض، وبعد ساعات قليلة تم إبلاغ الجنود أن الصبي ليس ناشطا في حماس، بل مجرد طفل".

وأضاف الجندي: "في المساء جاء إلينا قائد الكتيبة وقال إنه أمر عظيم أننا قتلنا إرهابيا، وأنه يصلي لأن نقتل غدا عشرة. وعندما علق أحدهم وقال إنه ليس مسلحا، ويبدو أنه مجرد مدني، صرخ الجميع عليه".

وقال الجندي إن قائد الكتيبة رد وقتها بقوله: "بالنسبة لي، أي شخص يتجاوز الخط هو إرهابي، لا يوجد تسهيلات، لا يوجد مدنيون، الجميع إرهابيون".

اعتبار المدنيين العزل "إرهابيين" ظاهرة تتكرر مرارا في قطاع غزة، وفقا للأدلة التي وصلت إلى الصحيفة العبرية.

يتذكر ضابط في موقع مهم في مقر الفرقة 252 اليوم الذي أصدر فيه أحد متحدثي الجيش بيانا، قال فيه إن "قوات الفرقة قتلت أكثر من 200 إرهابي".

وقال لهآرتس: "في جميع الحالات التي نقتل فيها فلسطينيين الإجراء ينص على التقاط صورة للجثة والتفاصيل إن وجدت عليها (كبطاقة هوية مثلا)، وإرسالها إلى المخابرات للتحقق من أنه إرهابي أو على الأقل التأكيد من مقتل هذا الشخص على يد الجيش الإسرائيلي".

ومفندا رواية متحدث الجيش الإسرائيلي حول تلك الواقعة، تابع الضابط: "عمليا، من بين 200 قتيل تم إرسالهم للفحص، تم التحقق من أن 10 فقط هم من نشطاء حماس المعروفين، لكن هذا لا يزعج أحدا".

مناظر فظيعة

جندي آخر خدم في المنطقة، روى واقعة أخرى: "أعلنوا في بيان أن هناك إرهابيين فخرجت دبابة باتجاههم. كانوا أربعة أشخاص غير مسلحين يسيرون على الأقدام ولم يبدوا أنهم إرهابيون، تعرفنا عليهم من خلال طائرة مسيرة، لكن الدبابة تقدمت نحوهم وأطلقت مئات الرصاصات نحوهم".

وأضاف: "قُتل ثلاثة على الفور، لا أستطيع إخراج منظر الجثث من رأسي، ونجا الرابع بطريقة ما، ورفع يديه لكن لم يسمحوا له بالذهاب، فأخذناه إلى داخل قفص حديدي ووضع قرب الموقع العسكري، ونزعنا عنه ملابسه وتركناه هناك. وجميع الجنود الذين مروا عليه كانوا يبصقون عليه. كان الأمر مثيرًا للاشمئزاز".

وأوضح الجندي أنه في النهاية جاء محقق من وحدة 504 الخاصة بأسرى الحرب وسأله بعض الأسئلة بينما كان يصوب مسدسًا إلى رأسه واستجوبه لبضع دقائق ثم أمر الضباط بإطلاق سراحه.

وتبين لاحقا أن ذلك الفلسطيني أراد فقط الوصول إلى أعمامه شمال قطاع غزة، وفق الجندي، الذي أضاف: "ثم قدم لنا الضباط إحاطة وأخبرونا بأننا قمنا بعمل جيد لأننا قتلنا إرهابيين".

تذكر الجندي: "لم أستطع أن أفهم ما الذي كانوا يتحدثون عنه. وبعد يوم أو يومين، جاءت جرافة إلى المكان ودفنت الجثث في الرمال. لا أعرف إذا كان أحد يتذكر أنهم مدفونون هناك. هذا الشيء لا يقتل العرب فقط، بل يقتلنا أيضا. إذا استدعوني إلى غزة مرة أخرى، فلا أعتقد أنني سأذهب".