الطغاة في كل زمان ومكان، سلوكهم واحد، ولا
يختلف كثيرا، فهم دوما يكثرون من الحلف على طهارتهم وبراءتهم، وإن فلتت ألسنتهم في
مواقف أخرى بالاعتراف عند أمن العقوبة بما اقترفت أيديهم من مظالم، من باب تخويف
المظلومين، ولكثرة ما تطارده لعنة الظلم في الدنيا والآخرة، يكثر من أكذوبة
البراءة، وأنه نظيف اليد والسمعة، وأنه لا مطامع له إلا خدمة الوطن والناس، وأنه
لا يجد ما يخجل منه عند لقاء ربه.
والسيسي لا يختلف عمن قدمنا من أوصاف، بل
يقف في الصف الأول من طغاة زماننا في هذا السلوك، فمؤخرا خرج السيسي خائفا مرعوبا
من تكرار سيناريو سوريا، فجمع ألسنة إعلامه، والتقى بقيادات الدولة من الداخلية
والجيش وغيرهم، وفي لقائه بالإعلاميين بحجة أن يطمئنهم، قال: (حاجتين أنا معملتهمش
بفضل الله.. إيدي لا اتعاصت بدم حد، ولا خدت مال حد).
وراح الشعب
المصري المعروف بالميل للنكتة
بكل أنواعها، وبخاصة السياسية منها، يتندر على السيسي في تصريحه، بل ويصفونه بـ :
(المتعاص)، أي الملطخ اليد بالدم، ويبدو أن الخلاف بين الناس والسيسي في تعريف
اليد المتعاصة بالدم، في العدد الذي يجعله يوصف بذلك، وليس مجرد تلطيخها بأي دم،
فلا ندري ما العدد الذي يجعله يقتنع بأن يده تلطخت بدماء، وتلغوصت بدماء الشعب،
فقد أصبحت الدماء وجهات نظر، وأصبحت المجازر تختلف من مكان لآخر، رغم أن القرآن
الكريم تحدث عن القتل، فقال: (مَن قَتَلَ نَفۡسَۢا بِغَيۡرِ نَفۡسٍ أَوۡ فَسَادٖ
فِي ٱلۡأَرۡضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعٗا) المائدة: 32، فليست
النظرة للدماء شرعا، مرهونة بعدد، بل هي مرهونة بأي حالة قتل، بما أن السيسي جرى
كلامه في سياق فضل الله عليه!!
الطغاة في كل زمان ومكان، سلوكهم واحد، ولا يختلف كثيرا، فهم دوما يكثرون من الحلف على طهارتهم وبراءتهم، وإن فلتت ألسنتهم في مواقف أخرى بالاعتراف عند أمن العقوبة بما اقترفت أيديهم من مظالم، من باب تخويف المظلومين، ولكثرة ما تطارده لعنة الظلم في الدنيا والآخرة، يكثر من أكذوبة البراءة، وأنه نظيف اليد والسمعة، وأنه لا مطامع له إلا خدمة الوطن والناس، وأنه لا يجد ما يخجل منه عند لقاء ربه.
على الرغم من أنه بلسانه وفي سياق ديني أخطر
من هذا السياق، لم يعترف فقط بما فعل، وأن يده ملطخة بدماء ومجازر، بل قال بلغة
تهديد، حيث قال في أول إفطار رمضاني يعقده السيسي، تحت عنوان: إفطار الأسرة
المصرية، فقال مخاطبا الإخوان والمعارضة: (افتكروا ثلاثة يوليو، و ثمانية يوليو،
والرابع والعشرين والسادس والعشرين من يوليو، والرابع عشر من أغسطس)، مشيرا بذلك
إلى مجزرة الحرس الجمهوري والتي قتل فيها المصلين في صلاة الفجر، ومجزرة رمسيس،
ومجزرة المنصة، وقد كانتا في شهر رمضان، والرابع عشر من أغسطس مجزرة فض رابعة،
والنهضة، ومصطفى محمود.
ولا يحتاج السيسي لشهود عدول لأنه شخص متعاص
بدم، فلأول مرة في تاريخ المجازر البشرية، تكون على الهواء مباشرة، فقد كانت قناة
أون تي في المصرية المملوكة آنذاك لنجيب ساويرس، تذيع فض رابعة على الهواء مباشرة،
وقنوات أخرى، وكان العالم يتابع، وقد حصل على الضوء الأخضر من الغرب بما يفعل، دون
أدنى إدانة من العالم المتفرج.
إن يده متعاصة بدماء المصريين من شتى
التوجهات، فليست ملطخة بدم الإخوان فقط، بل تلطخت بمسلمين ومسيحيين، إسلاميين
وليبراليين واشتراكيين وغيرهم، رجالا ونساء، وشيماء الصباغ ليست عنا ببعيد، وقد
قتلت في قلب العاصمة المصرية، في أشهر شوارعها، وهي تحمل الورود للشرطة المصرية،
وقتلت وصورت علنا، ولم تكن من الإخوان، أو الإسلاميين.
ولو رحنا نوسع دائرة لغوصة يد السيسي
بالدماء، فلا تعفى من دماء أهل غزة، ولم تمتد يده على أهل غزة بالقتل السلبي فقط،
بل امتدت على المال الغزاوي، في لحظة تعد من أخس لحظات الكسب الحرام، ولم يعد
خافيا الأموال التي تدفع على معبر رفح وقت فتحه، والذي كان مصدر كسب حرام بعلم
السيسي ومن حوله، مقابل أموال تدفع ممن يفترض أن العروبة والإسلام تفرض أن تمتد
اليد إليهم بالمعونة، لا أن تمتد إليهم بالسطو على أموالهم، وبعد ذلك يخرج بكل
تبجح ليقول: إن يده لم تلطخ بدم أحد، ولا مال أحد!!
إنه سلوك متوارث لكل الطغاة والمستبدين، فهو
يصف المظلوم، وصاحب الحق بأنه المارق، وأنه الملاك البريء، وأنه أرجى قبولا عند
الله بذلك، فهو نظيف اليد، يذكرك كلام السيسي بقول أبي جهل في يوم غزوة بدر، وقد
استفتح اليوم بالدعاء لله، فقال: (اللهم أقطعنا للرحم، وآتانا بما لا نعرفه فأحنه
الغداة، اللهم أينا كان أحب إليك، وأرضى عندك، فانصره اليوم، فأنزل الله عز وجل:
(إِن
تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ ۖ وَإِن تَنتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ
لَّكُمْ ۖ وَإِن تَعُودُوا نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا
وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ) الأنفال: 19. مع
اعتذارنا الشديد للسيد أبي جهل، فلو كان حيا لاعترض على التشبيه، فقد روت كتب
السيرة النبوية مواقف من مروءته، رغم عداوته، لا يرقى إليها طغاة عصرنا في بلادنا
العربية والإسلامية.
Essamt74@hotmail.com