ملفات وتقارير

شخصيات خليجية لإدارة المتحف الكبير.. هل يمهد السيسي لصفقة جديدة؟

الهيئة اليابانية للتعاون الدولي قدمت لمصر قرضا لإنشاء المتحف عام 2006- فيسبوك
يظل ملف الآثار المصرية جرحا غائرا ينزف دون توقف مع ما يجري الكشف عنه من عمليات تهريب إلى أوروبا وأمريكا ودول الخليج العربي طالت دبلوماسيين أجانب وبرلمانيين ورجال أعمال وشخصيات مصرية نافذة، وقضايا تنظرها المحاكم المصرية والفرنسية، ما جعل المصريين يتوجسون من كل ما يمس ملف الآثار.

وأثار قرار رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، رقم (600 لسنة 2024)، بإعادة تشكيل مجلس أمناء هيئة المتحف المصري الكبير برئاسته، لمدة 3 سنوات، الجدل خاصة مع وجود شخصيات سعودية وإماراتية ويابانية من بين 11 شملهم القرار.

وقرر السيسي، السبت، منح عضوية مجلس أمناء المتحف لرئيس الوزراء الياباني السابق تارو آسو، ونائب المدير التنفيذي لمتحف كيوتو الوطني باليابان يوجي كوريهارا، وذلك باعتبار أن اليابان هي الممول الرئيسي للمشروع، بحسب الأرقام المعلنة.

وقدمت الهيئة اليابانية للتعاون الدولي (جايكا) لمصر قرضا لإنشاء المتحف، عام 2006 بنحو 280 مليون دولار، لتتبعه بقرض ثاني عام 2016، بنحو 460 مليون دولار، بحسب موقع "الشرق مع بلومبيرغ".

وضم التشكيل، رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني بالسعودية سابقا الأمير سلطان بن سلمان، وأمين عام منظمة السياحة العالمية شقيق حاكم أبو ظبي ومستشار الأمن الوطني الإماراتي، وصاحب الاستثمارات الكبيرة بمصر، الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان.




التشكيل الذي ضم مصريين من الوزراء الحاليين للسياحة والآثار، والثقافة، والمالية، ومدير مكتبة الإسكندرية، ووزيرة التضامن الاجتماعي السابقة غادة والي، ووزير السياحة والآثار السابق خالد العناني، ووزير الثقافة المصرية الأسبق فاروق حسني، ومذيعا بفضائية "إم بي سي" شريف عامر، ورئيس بنك مصر هشام عكاشة، ورجل الأعمال محمد لطفي منصور، لم يضم إلا عالم آثار وحيد هو الدكتور زاهي حواس.




ووفقا لقانون المتحف فإن "مجلس الأمناء" يرأسه رئيس الجمهورية وبعدد أعضاء لا يزيد عن 20، ويختص المجلس بإقرار السياسة العامة والخطط اللازمة لهيئة المتحف، وله أن يتخذ ما يراه من القرارات اللازمة، ومتابعة نشاط هيئة المتحف وإسداء ما يراه من توجيه، ولرئيس الجمهورية حق تشكيل مجلس الأمناء ومدته وتنظيم عمله.

"مقدمة للبيع"
وفي رؤيته، لحضور أجانب في مجلس أمناء المتحف الكبير، قال أستاذ التاريخ والمؤرخ المصري الدكتور عاصم الدسوقي، لـ"عربي21": "يبدو أن هذا التعديل مقدمة لشراء الإمارات للمتحف".

وفي تعليقه على خلو مجلس أمناء المتحف من قامات أثرية ومؤرخين وأكاديميين متخصصين في مجال الآثار وحضور عدد من الوزراء ومصرفي ومذيع ورجل أعمال، أكد أن "المتخصصين المشار إليهم سيقفون ضد رغبات الإمارات".

وأكد أن "حجم ما تمثله الآثار من الأمن القومي المصري كبير"، موضحا أنها "تمثل تاريخ مصر على مدى الزمن وقيمة الموروث الحضاري الثفافي"، مبينا أنه "ليس أمام المثقفين إلا الاحتجاج بالاستقالة من هذا المجلس والكشف عن الأهداف الخفية".

وجودهم شرفي
وفي رؤيته، قال الكاتب الصحفي ونائب رئيس تحرير صحيفة "الأهرام"، أسامة الألفي: "لا أرى بأسا في ضم شخصيات أجنبية لمجلس أمناء المتحف الكبير، فوجود هؤلاء شرفي أكثر منه حقيقي، وقصد به تبادل الخبرات مع بلادهم، وأيضا الدعم المادي والمعنوي، وأشك في إمكانية ضلوعهم (الرسمي) في تهريب آثارنا للخارج".

المثقف المصري أوضح لـ"عربي21"، أن "للتهريب عصاباته المنظمة، ومنها للأسف عصابات مصرية تتعاون مع البعثات الأجنبية، التي تمرح ببلادنا دون رقابة حقيقية، لكني أتعجب فقط من اختزال وجود الأثاريين المصريين في شخص الدكتور زاهي حواس وحده، وهناك أثاريون مصريون على درجة عالية من الاحترافية والمعرفة بجديد الكشوفات من حواس، لكنها السمعة التي اكتسبها سابقا فرضته عنهم".


وأضاف: "أعود لأقول إن وجود أجانب على رأس عمل المتاحف المصرية ليس بجديد، صحيح أن فكرة إنشاء متحف للآثار المصرية تعود لعهد محمد علي باشا، الذي في محاولة منه لوقف تصدير الآثار وتهريبها، أصدر قرارا في 15 آب/ أغسطس 1835م، بإنشاء أول متحف بالقاهرة بمبنى قرب حديقة الأزبكية صممه حكيان أفندي، وأدار المجموعة يوسف ضياء أفندي".

وتابع: "وأمر الشيخ رفاعة الطهطاوي المسئول عن أعمال التنقيب عن الآثار المصرية والمحافظة عليها، بعدم إجراء المزيد من الحفريات دون إذنه، وأعلن أنه سيتم نقل جميع المكتشفات لمتحف الأزبكية".

وبين أنه "ولأن مصر بالقرن 19، لم يكن لديها كوادر آثارية تفهم طبيعة عمل المتاحف الحديثة وإدارتها، كان مؤسس أول مصلحة للآثار المصرية وأول متحف مصري بمعنى الكلمة زمن الخديوي إسماعيل، أجنبيا هو عالم المصريات الفرنسي أوجوست مارييت، وبعد وفاته خلفه بلدياته جاستون ماسبيرو، ثم الفرنسي أيضا دي مورجان، فبلدياته فيكتور لوريه، وعاد ماسبيرو مديرا للمرة الثانية".

"ثم انتقلت إدارة المتحف من الفرنسيين للمرة الأولى بتولي الإيطالي إليساندرو بارازنتي رئاسته، ويعد أحمد باشا كمال أول مصري يحمل لقب أثري وعالم مصريات، وقام بدور كبير في تطوير منظومة الإدارة بالمتحف، وبعد وفاته عام 1923، حمل الراية تلاميذه، ومنهم محمود حمزة أول مصري يتولى منصب مدير المتحف المصري، وسامي جبرة، وعبد المنعم أبوبكر، ولبيب حبشي، وأحمد فخري".

وقال الألفي: "من هذا العرض نرى أن قرنا كاملا مر منذ إنشاء محمد علي متحفا للآثار المصرية، وبين تولى مصري إدارة هذا المتحف، وكان لتولى الأجانب رئاسته على مدار قرن إيجابيات وسلبيات، الإيجابيات أهمها نقل التجربة العلمية الأوروبية وتطبيقها في المتحف المصري، أما السلبيات فأهمها إهداء الآثار للخارج، وعدم الرقابة المشددة على البعثات الأجنبية، مما أسهم في تهريب جزء مهم من تاريخ مصر الآثاري لأوروبا".

وختم حديثه: "ويبقى السؤال: أين الكوادر الأكاديمية والأثارية في مجلس الأمناء، مطروحا في انتظار توضيح الجهات المسئولة لأسباب هذا الغياب أو التجاهل".

"لا مبرر غير التمويل"
وفي تعليقه، قال الأثري المصري الدكتور حسين دقيل: "هناك مجلس إدارة للمتحف، وهناك مجلس أمناء، ووفق قانون الأخير فيرأسه رئيس الجمهورية ونائبه يكون من اليابان، لأنه ومنذ قرار إنشاء المتحف عام 2006، وهناك توجه بهذا".


الأكاديمي المصري أوضح لـ"عربي21"، أنه "ببداية تدشين المتحف أطلقت القاهرة حملة تمويل دولية وكان مطلوب له 100 مليون جنيه مصري، هذا المبلغ وصل حتى الآن مليار جنيه، والجانب الياباني ساهم عبر قروض ميسرة في بناء المتحف بالجزء الأكبر، ولذلك وجود أسماء يابانيين أمر طبيعي ومتفق عليه".

وفي قراءته لباقي الاختيارات، بين أنها "تكون لرئيس الجمهورية، طبقا لقانون المتحف، وهو اختار وزراء عديدون حاليون وسابقون للآثار والسياحة فضلا عن الأثري زاهي حواس، وشخصيات أخرى، ولا أجد هناك خللا في قلة عدد الأثريين وليست نقطة تثير لغطا بين الأثريين، لأن هناك مجلس إدارة يرأسه وزير الآثار الحالي وبه أغلبية من الأثريين".

ولفت الخبير المصري، إلى أن "النقطة الأساسية التي يراها كثيرون مشكلة هي وجود شخصيات إماراتية وسعودية"، لافتا إلى أن "المتحف توقف كثيرا وتأجل افتتاحه مرات، والإعلان عن وجود سلطان، وطحنون، الذين يتولوا هيئات سياحية وأثرية ببلدانهم وجرى إدخالهم بصفتهم أعتقد أن مبرر وجودهما واضح، وهو التمويل".

وواصل حديثه: "المتحف تكلف كثيرا وبأكثر من مليار جنيه، وربما اتفقت القاهرة مع الرياض وأبو ظبي للمشاركة مثل طوكيو بالتمويل، وأن يكون لهما دور بالمتحف، ولا أرى مبررا غير ذلك".

وأكد أنه "لا أحد يستطيع التكهن بما قد يتخذه هذا المجلس من قرارات، ولكن السؤال: لماذا نعتمد على دول أخرى ويكون لها يد في تقرير مصير شيء يخصنا بأهمية المتحف الكبير وآثار مصر؟".

"أذاقوا المصريين الأمرين"
وحول سوابق إدارة أجانب للمتاحف المصرية، قال دقيل: "كان مديرو الآثار في مصر سابقا من الأجانب حتى خمسينيات القرن الماضي، والمتاحف حتى عام 1941، وجرى تمصيرهما، وأغلب المدراء الأجانب كانوا فرنسيين منهم مارييت، وماسبيرو، ومورجان، ولوريه، ويقال إن الآثار في مصر كانت مقسمة ما بين فرنسا وبريطانيا، الأولى ما فوق الأرض والثانية ما تحت الأرض".

وأوضح أن "الاهتمام بآثار مصر جاء مع الحملة الفرنسية، ومحمد علي أنشأ متحفا لها عام 1835، والخديوي إسماعيل أنشأ مدرسة علوم الآثار، لكن أغلقها الفرنسيون بعد تخرج 10 مصريين منهم أحمد كمال باشا، وضيق عليهم الفرنسي ميريت في عمل الأبحاث".


وأشار إلى أنه "أثناء إدارة الأجانب لملف الآثار في مصر، أذاقوا المصريين الذين أحبوا رفع رأسهم والتعلم والحفاظ على آثار مصر، الأمرين"، ملمحا إلى أن "الخوف من مثل هذا المجلس ووجود أجانب أصحاب تمويل من أن يكون لهم دور".

"غاية في العبث"
وفي رده على سؤال "عربي21"، حول دلالات مشاركة طحنون بن زايد، وسلطان بن سلمان، بإدارة المتحف الكبير، خاصة مع ما يثار عن تهريب آثار مصرية للإمارات عبر متحف "اللوفر" بقضايا ينظرها القضاء الفرنسي، تحدث خبير أثري مصري شرط عدم ذكر اسمه، قائلا: "الوضع في شتى المجالات وضع عبثي قولا واحدا".

وبشأن ما قد يمثله هذا القرار من انتهاك للدستور والقانون المصريين واعتداء على السيادة المصرية، وتهديد لآثار مصر التي تعد من الأمن القومي، رد مؤكدا أنه "لا شأن لما يحدث في مصر بالدستور والقانون إطلاقا".



وتابع: "آثار مصر كان يتم تهريبها عبر معابر برية أو ممرات مائية إبان فترة حكم حسني مبارك، وسمعنا عن دور رجال بعهده مثل زكريا عزمي، وبطرس غالي، وجمال وعلاء مبارك وغيرهم، في عمليات التهريب".

واستدرك: "أما الآن فقد خلع الشيخ لحيته وأزال زبيبة الصلاة؛ وتخرج الآثار المصرية عبر مطار القاهرة الدولي ظهرا أمام العيان؛ تم إخراج الآثار المصرية إلى الإمارات بيعا عدا ونقدا".


ولفت إلى "افتتاح أكبر متحفين في العالم هناك؛ (لوڤر دبي)، و(لوڤر أبو ظبي)"، متوقعا أن تكون "المليارات التي دُفعت في شراء اسم (اللوڤر) من فرنسا للمتحفين أكبر من المبلغ الذي تم دفعه كثمن لآثار مصر التي تم نقلها للإمارات".

وواصل: "أما كون غير مصري رئيسا للمتحف المصري فلم يعد ذلك من بعد عام 1952، وإن كان احترافيا ليست سُبة، أما مجلس الأمناء الحالي فهو معيب دستوريا وقانونيا".

وعن خلو إدارة المتحف من أسماء علماء الآثار والأكاديميين والأثريين المصريين الكبار، إلا من شخصية واحدة، أوضح أن "هذا مجلس أمناء لا سلطات له وهو تشريفي بروتوكولي شكلي، كمجلس أمناء جامعة أو مدرسة".


وألمح إلى أن "مجلس الإدارة هو الذي يتولى رئاسة المتحف وإدارته بحرفية بحتة؛ فلا يكون بينهم غير متخصص إلا إذا كان الوزير أو الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار ولو كان الوزير ذا منصب سياسي فقط ولو لم يكن متخصصا في الآثار المصرية".

الأثري المصري خلص للقول إن "الوضع غاية في العبث".

"هكذا رد مصريون"

وعبر مواقع التواصل الاجتماعي انتقد مصريون ضم بعض الأسماء الواردة بالقرار الجمهوري بتشكيل مجلس أمناء المتحف، متسائلين عن أسباب إدراج أسماء شقيق بن حاكم الإمارات ونجل ملك السعودية.



وأعرب آخرون عن مخاوفهم من أن يكون ضم خليجيين بهذا الحجم لمجلس الأمناء خطوة لاستخدام حصانتهم الدبلوماسية في التغطية على الإتجار غير المشروع في الآثار المصرية، ملمحين إلى أن متاحف أبو ظبي تذخر بالكثير من آثار مصر.

وتساءل الناشط الحقوقي المصري والمُحقّق الصحفي، حسام بهجت، قائلا: "ماذا يفعل مستشار الأمن الوطني الإماراتي بمجلس أمناء المتحف المصري الكبير؟".

وقال الناشط المصري أشرف أيوب: "القرار يمثل انتهاكا للدستور والقانون المصريين، واعتداء على السيادة المصرية"، معتبرا أن وجود أجانب بها "يُخضعها للأطماع الدولية"، خاصة الإمارات "عراب الصهيونية، وفق قوله.



"فضيحة اللوفر"

وخلال افتتاح متحف اللوفر أبو ظبي 11 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، جرى الكشف عن وجود 5 قطع أثرية مصرية بأروقة المعرض، فيما تبين لاحقا أن الآثار المعروضة تمت سرقتها من مصر عام 2011، وبيعت بنحو 8.6 مليون دولار، لتظهر لاحقا في المتحف، بحسب تقارير صحفية.


وفي أيار/ مايو 2022، أوقفت فرنسا المدير السابق لمتحف لوفر باريس، جان لوك مارتينيز، وتاجر ألماني من أصل لبناني، و2 من أساتذة المصريات الفرنسيين، بتهم تسهيل والتغاضي عن شهادات المنشأ لـ5 قطع آثار مصرية مهربة ومعروضة بلوفر أبوظبي، وفق صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية.

"سباق مع الزمن"

وتولي حكومة القاهرة ملف المتحف الكبير اهتماما كبيرا تمهيدا لافتتاح رسمي لم يتم الإعلان عن موعده النهائي رسميا.

وخلال السنوات الماضية نقلت الحكومة المصرية آثارا من منطقة "صان الحجر" الأثرية شمال شرق القاهرة، ومن صعيد مصر للمتحف الكبير، وهو ما سبقه عام 2006، من نقل لتمثال "رمسيس الثاني" الشهير من ميدان رمسيس وسط القاهرة للمتحف.

وفي آذار/ مارس 2016، جرى نقل 778 قطعة أثرية من مدينة الأقصر للمتحف، ما تبعه في 8 أيلول/ سبتمبر 2016، نقل 525 قطعة أثرية من المتحف المصري بالتحرير للمتحف الكبير غرب العاصمة المصرية.

المتحف، يقام على مساحة 500 ألف متر مربع أو 117 فدانا يطل منها على أهرامات الجيزة، في مسعى لجذب 6 ملايين سائح سنويا وزيادة دخل مصر السياحي البالغ 15 بالمئة من الناتج القومي.

وتم وضع حجر الأساس له عام 2002، ويضم 50 ألف قطعة أثرية تُعرض في 12 قاعة تضم آثارا من عصر ما قبل الأسرات وحتى العصرين اليوناني والروماني، بينها ولأول مرة مقتنيات الملك "توت عنخ آمون" كاملة منذ اكتشاف مقبرته عام 1922.

وبحسب موقع "اقتصاد الشرق"، تبلغ تكلفة المتحف "1.03 مليار دولار".
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع