يعبر الهجوم الذي استهدف السفارة
الإيرانية في بيروت عن الآثار الطبيعية لتدخل إيران وحليفها اللبناني (
حزب الله) في الحرب الدائرة في سورية. فقد تحولت سورية بحسب "كليف كوبشان"، الخبير بالشؤون الإيرانية في "مجموعة يوروسيا" في واشنطن إلى مصيدة لم تعد طهران بقادرة على الإفلات منها. وقال كوتشان في تصريحات نقلتها عنه "نيويورك تايمز" إن التفجيرين يظهران "الثمن السياسي والإقتصادي الذي تدفعه إيران بسبب سورية". مشيراً إلى أن الحكومة الإيرانية قدمت المال والدعم العسكري واللوجستي لنظام بشار الأسد، وحولت مليارات الدولارات التي يحتاجها الاقتصاد الإيراني المنهك بسبب العقوبات لتمويل الحرب التي يرى فيها المرشد الأعلى للثورة الإسلامية علي خامنئي وقادة الحرس الثوري الجمهوري "مصلحة قومية".
ويرى هذا الفريق في سورية قوة ردع لا غنى عنها ضد إسرائيل. وفي المقابل يرى فريق آخر يمثله التيار الإصلاحي بزعامة الرئيس حسن روحاني أن التورط الإيراني في سورية يشبه تورط أمريكا في فيتنام، حيث تقوم الحرب، حسب كوتشان "وبشكل مستمر بتجفيف الموارد الإيرانية لدعم ديكتاتور استخدم السلاح الكيماوي ومن المحتمل أن لا يبقى في السلطة في المستقبل".
وتقول الصحيفة أن هذين الموقفين سيحددان، بالضرورة الطريقة التي سترد من خلالها إيران على الاستفزاز أو الهجوم الذي تبنته "كتائب عبدالله عزام" التي يُعتقد أن سعودياً يقودها. وفي الوقت الذي أكدت فيه الحكومة الإيرانية على تورط إسرائيل في الهجومين، فقد ردت الحكومة الإسرائيلية بأنها لا تستفيد من نزيف الدم في بيروت شيئاً.
أما روبرت فيسك، فقال في مقاله الذي نشرته صحيفة "اندبندنت" إن معظم حرس السفارة الإيرانية هم من مقاتلي حزب الله، لكن هذا لا يجيب على سؤال حول هوية المنفذ، وكيف قامت طهران بتحميل المسؤولية لإسرائيل وحلفائها في المنطقة.
وترى "نيويورك تايمز" أن طهران في موقفها هذا تريد تجنب التصعيد في الوقت الحالي، ولا تنفي إمكانية تعرضها لضغوط بالرد الانتقامي من قبل المتشددين في المؤسسة العسكرية، لكنها ستحاول في الوقت الحالي تجنب الرد في وقت تسعى فيه لتأمين اتفاق مع الغرب حول ملفها النووي ومقعد في محادثات جنيف-2 التي تهدف إلى تسوية سياسية للأزمة السورية، حسب مهرزاد بوروجيردي، الباحث في العلوم السياسية بجامعة سيراكوز الذي قال "أي جهة قامت بهذه العملية فإنها كانت تفكر بالآتي: 1- نستطيع ضرب إيران الآن ولن يرفعوا يدهم علينا. 2- سنقوم بعمل أمر يدفعهم للتصرف بطريقة متطرفة تجعل من العالم يفكر مرتين قبل دعوتهم لجنيف". ويقول بوروجيردي إن سورية بالنسبة لطهران هي ورقة استراتيجية، ولن تتخلى عنها لأن انتصار المقاتلين في سورية سيعرض حزب الله للخطر.
ويجمع معظم المعلقين على أن الهجوم جاء نتيجة للدور الإيراني في سورية، وتصريحات زعيم حزب الله حسن نصر الله بمواصلة القتال في سورية. كما يتفقون على مخاطر الهجمات على العلاقات الطائفية في لبنان وكيف حوّل حزب الله بنادقه ضد السعودية وحلفائها الخليجيين بعدما اتهمه السنّة في لبنان بالوقوف، ومعه العلويون في جبل محسن في طرابلس وراء الهجمات التي تعرضت لها مساجد في المدينة.
وحذر فيسك من أن الإنقسام السياسي في لبنان أصبح مرادفاً للانقسام الديني، وفي الحالة التي يتماهى فيها الاثنان تزيد مخاطر الصدام. ولهذا السبب طالبت صحيفة "اندبندنت" في افتتاحيتها بالعمل وبسرعة على جمع طرفي النزاع حول طاولة المفاوضات وتحقيق تسوية سلمية، مشيرة إلى أن واحداً من الأسباب وراء
تفجيري بيروت ربما كان مرتبطاً بالتقدم الذي أحرزته قوات النظام السوري في مناطق متعددة في سورية، والخطر في هذا الوضع هو اقتناع الأسد ومؤيدوه بأنهم قادرون على الإنتصار في الحرب عسكرياً. ويجب عدم السماح بهذا الخيار لأن الأسد ارتكب الكثير من الجرائم، ولا يملك العالم خيار الجلوس ومراقبة استمرار هذه الفوضى كي تنفجر في لبنان وتركيا.
وقال المحلل السياسي شانشك جوشي في صحيفة "الغارديان" إن لبنان لا يمكن فصله عن الحرب الأهلية في سورية. ويرى الكاتب أنه في حال ثبتت صحة ادعاء الكتائب بتنفيذها وأنها كانت قادرة على اختراق الضاحية الجنوبية العصية على الهجوم، فإن شعبية ومصداقية الكتائب سترتفع ومعها سيسقط وهمْ مناعة حزب الله.