يتخوف خبراء من ان يساهم الحكم الحاسم الذي أصدرته محكمة هذا الاسبوع وقضى بصرف موظفة في حضانة ترتدي
الحجاب، في زيادة الضغوط على المسلمين في
فرنسا على خلفية علاقات مشحونة أصلاً.
وقد تجد النساء المحجبات أنفسهن مرغمات على التخلي عن النقاب بعد ان أكدت محكمة استئناف في باريس قراراص بصرف موظفة تعمل في حضانة خاصة لإصرارها على ارتداء الحجاب.
ويمكن الموضوع في معرفة ما اذا كان حظر الرموز الدينية في المدارس والاماكن العامة في فرنسا، يمكن تطبيقه في حضانة خاصة.
وكانت محكمة التمييز رفضت صرف الموظفة في آذار/ مارس لكن بعد احتجاجات الاوساط السياسية، أكدت محكمة الاستئناف الاربعاء القرار.
ورغم أنه لم يتم طي هذا الملف نهائياً بعد، فإن فرض أصحاب العمل في القطاع الخاص على الموظفين ارتداء ملابس لا توحي بأي رموز دينية، أصبح معمولاً به في الوقت الراهن.
وقال فرانك فريغوزي، من المركز الوطني للابحاث: "لقد تم تجاوز خط. حتى الآن منع الرموز الدينية كان محصوراً بالقطاع العام".
وأضاف ان "المشكلة هي أن عدداً من الاحداث الاخيرة بما فيها صرف الموظفة تعطي الانطباع ان ذلك موجه حصرياً الى المسلمين، حتى وان كانت الحكومة الحالية تستهدف الاسلام أقل (من الحكومة السابقة)".
وبين التطورات الاخيرة صدور "مذكرة لتطبيق مبادئ
العلمانية في المدارس" في ايلول/ سبتمبر للترويج بطريقة أفضل لمفهوم فصل الدين عن الدولة. وقال رئيس مجلس الديانة الاسلامية في فرنسا دليل بو بكر يومها ان 90% من مسلمي فرنسا الخمسة ملايين، سيعتبرون أنفسهم أنهم مستهدفون.
وتم التعبير عن هذا القلق خلال نقاش في بعض الجامعات محوره السماح للطالبات بارتداء الحجاب خلال حصص الدراسة او عدم السماح بذلك.
ولا يمر شهر بدون رفع شكوى في هذا الخصوص تركز على ضرورة ايجاد توازن بين حرية العقيدة ومبادئ العلمانية.
وفي وقت سابق من العام الحالي طردت فتاة من المدرسة بعد ان اعتبرت التنانير الطويلة رمزاً دينياً. لكن محكمة الاستئناف قبلت شكوى الفتاة وحالياً، يلاحق أهلها المدرسة قضائياً بتهمة التمييز العنصري.
والعام الماضي أرغم مجلس محلي على التخلي عن قرار طرد اربعة عاملين في مخيمات عطلة على اساس تعريض حياة الاطفال الذين وضعوا تحت رعايتهم للخطر لالتزامهم بالصوم خلال شهر رمضان.
كما اثير جدل هذا الاسبوع بعد قرار اصدرته محكمة ادارية في غرونوبل يفيد بأنه يجب تأمين الطعام الحلال للسجناء المسلمين في مركز اعتقال محلي.
وبحسب جان بوبورو، الاستاذ الجامعي في شؤون الدين والعلمانية، فإن الحكم الذي صدر هذا الاسبوع في قضية الحضانة شكل سابقة قانونية خطيرة.
وقال: "باسم العلمانية تخلينا عن حكم القوانين. والواقع ان العلمانية تستخدم للتستر على امور اخرى ليست نبيلة". وأضاف: "على سبيل المثال هناك الآن اقتراحات جدية بمنع الأمهات المحجبات من مرافقة اولادهن في الرحلات المدرسية. فكيف نشجع عملية الدمج إذا أبعدنا هاتيك النساء؟".
وتابع: "في الواقع ما نفعله هو ايجاد مفهوم جديد للعلمانية يكون اكثر قسوة على الاسلام من أي ديانة اخرى، في حين أنه نظرياً وبموجب الدستور يجب التعامل مع كافة الديانات والأعراق بمساواة".
ومفهوم المدرسة العلمانية من ركائز فرنسا الحديثة. لكن النقاد يتساءلون عن تماشي هذا النموذج مع فرنسا الحديثة المتعددة الثقافات ويتهمون الحكومة بالكيل بمكيالين. كما يتساءلون ما اذا كان نظام مدرسي علماني سيلتزم بالاعياد المسيحية ويوزع السمك يوم الجمعة في مطاعم المدارس تماشياً مع التقاليد الكاثوليكية.
كما ان هذا القانون يؤثر على طائفة السيخ التي يقدر أتباعها في فرنسا بـ30 ألفاً، وخصوصا ان دين هؤلاء يفرض عليهم ان يغطي الذكور شعرهم في سن مبكرة.
لكن قضية الحضانة هي التي تصدرت عناوين الصحف منذ طرد الموظفة فاطمة عفيف في 2008.
وبحسب الصحفي كلود اسكولوفيتش، صاحب كتاب عن الجالية المسلمة في فرنسا، فإن التغطية الاعلامية للقضية أصبحت وسيلة للتمييز. وقال ان "ضاحية (باريس) أصبحت حياً "اسلامياً" حيث يتم ايقاظ الأولاد في مواعيد الصلاة، وحيث لا يمكن الوثوق بالنساء للعناية بالاطفال لأنه عندما يحين موعد الصلاة يتركن كل شيء!".
وقال فريغوزي ان هذه الاتهامات يمكن ان تنسب الى الرئيس السابق نيكولا ساركوزي الذي منع ارتداء الحجاب في الاماكن العامة، ويتم حالياً مناقشة القضية في المحكمة الاوروبية لحقوق الانسان.
وأوضح أنه "وصلنا الى مرحلة نقول فيها ان تلك النساء لا يتمتعن بشخصية ولا بإنسانية. بهذه الطريقة يحول الانسان الى حيوان لأنه يستبعد عن الجنس البشري". وأضاف ان "الوضع الدولي ومخاوف الناس وفكرة تراجع الأوضاع في فرنسا كلها عوامل تجتمع لاندلاع هذه المعركة بين الجمهورية (الفرنسية) والاسلام. يبدو انه يجب إيجاد كبش فداء".