كشف تقرير صحفي أن مجموعة عناصر يتبعون لدولة الإسلام في
العراق والشام، المعروفة اختصارا بـ"داعش" داهموا الاثنين 9 كانون أول/ ديسمبر، المعاهد التعليمية في مدينة "الدانا" شمال شرق
إدلب، وهددوا بإغلاقها ما لم يتم الفصل التام بين الجنسين في تلك المعاهد.
ونقل التقرير المنشور على موقع "عربي 21" الثلاثاء 10 كانون أول/ ديسمبر، عن المعلم (ج.و) – رفض ذكر اسمه لأسباب تتعلق بسلامته – أن خمسة عناصر ملثمين ومسلحين بأسلحة روسية، داهموا المعهد الذي يُدرس فيه وقاموا بتلقيم "البواريد" في وجه بعض المدرسين على مرأى من طلابهم، وهددوا إدارة المعهد بإغلاقه، ما لم يتم الفصل التام بين المدرسين والمدرسات، إضافة إلى منع المدرسات من تدريس الذكور وبالعكس.
كما نقل عن المعلمة (خديجة ص) التي تدرس في إحدى مدارس "الدانا" إفادتها بأن تدخل "داعش" بالشأن التعليمي في المدينة "لم يبدأ باقتحامهم المعاهد التعليمية يوم أمس، بل بدأ منذ إعلان الدانا إمارة لهم"، وكان لعناصرهم جولات على المدرسة التي تدرس بها، إلى جانب إعطائهم بعض الأوامر لإدارتها، كطلبهم بوجوب أن تلبس جميع المدرسات والطالبات اللباس الشرعي، وأن يكون لهن وضع خاص يمنع وجود الرجال معهن.
تأتي هذه الأفعال التي يمارسها مقاتلو دولة الإسلام في العراق والشام، في سياق سعيها لتطبيق الأحكام الشرعية في المناطق الخاضعة لها، باعتبارها دولة إسلامية يحق لها فرض أحكام الشريعة بالقوة، وكل من يأبى الالتزام بتوجيهاتها وقراراتها فإنه يعرض نفسه للعقوبة الشرعية التي تقررها الجهة القضائية المختصة في الدولة، بحسب باحثين مختصين في شؤون الحركات الجهادية.
فضيلات: لا يمكن اعتبار ما أعلنوا عنه دولة إسلامية
في تعليقه على الوقائع الواردة في التقرير أعلاه اعتبر الأكاديمي الأردني المتخصص في الفقه المقارن الدكتور جبر فضيلات أن ما تقوم به مجموعات معتبرة نفسها دولة إسلامية كما يجري في
سوريا والعراق، لا يمكن اعتبارها كذلك، لأن الشعب لم يقم باختيارها ومبايعتها، مبديا اعتراضه على ما يقال بأن مجلس شورى الدولة بايع أبا بكر البغدادي، لأنه لم يضم في عضويته علماء وأعيان ووجهاء العراق وسوريا.
وبخصوص فرض الأحكام الشرعية بالقوة، قال لـ"عربي 21" إنه لا بد من الأمن والأمان حتى تقوم الدولة – إن وجدت - بتطبيق الأحكام، مستشهدا بأن عمر بن الخطاب لم يطبق حد السرقة في عام الرمادة، فحينما يكون المسلمون في حالة فوضى وحرب وقتال لا تفرض الأحكام بالقوة.
وأضاف أن قيام مثل هذه الدول، وفرضها الأحكام بالقوة يشوه صورة الإسلام في عيون الآخرين، مشيرا إلى أن تطبيق الأحكام يكون حينما تكون الدولة مستقرة، والناس ينعمون بالأمن والأمان.
السرطاوي: تطبيق الأحكام يكون بالتدرج التربوي والتطبيقي
وفي سياق متصل انتقد أستاذ الفقه وأصوله في الجامعة الأردنية الدكتور محمود السرطاوي، طريقة بعض المجموعات في استخدامها القوة لتطبيق الأحكام الشرعية، مشددا على أن تطبيقها يجب أن يكون نابعا من الإيمان العقدي، والتربية السلوكية للأفراد، فلا بد من تعليم الناس وتربيتهم، مستشهدا بالمنهج النبوي في الفترة المكية التي ركز على تثبيت أركان الإيمان، وترسيخ القيم الأخلاقية الكبرى في نفوس أصحابه.
وركز الدكتور السرطاوي في حديثه لـ"عربي 21" على قضية التدرج التربوي والتطبيقي، وهو باقٍ إلى يوم الدين، لافتا إلى أن التدرج التشريعي قد انتهى بوفاة الرسول عليه الصلاة والسلام، فمن يريد أن يعيد المجتمع إلى الالتزام بأحكام الإسلام وشرائعه فلا بد له من التركيز على تعليم الناس وإرشادهم، حتى ينقادوا لأحكام الشرع عن رضا وطواعية.
وأوضح السرطاوي أن من يريد تنزيل الإسلام على الواقع، فلا بد له أن يراعي أحوال الناس، مستنكرا فرض أحكامه عليهم بالقوة، مستشهدا بما فعله عمر بن عبد العزيز حينما تسلم الحكم، بعد فساد من قبله، فأخذ الناس بالتدرج في تطبيق الأحكام، ورد المظالم، وحينما سئل عن ذلك، قال : إنني أخشى إن حملت الناس عليه جملة أن يتركوه جملة.
العاروري: تطبيق الأحكام بالقوة قد يفضي إلى تركها فيما بعد
من جهته، لم يرتض الباحث في العلوم الشرعية والمتخصص في الحديث النبوي وعلومه، الدكتور شاكر العاروري أسلوب استخدام القوة في تطبيق الأحكام الشرعية، لأن القوة لا تغير القناعة، ونحن نريد أن يلتزم الناس بالإسلام من دواخل أنفسهم، وليس خضوعا للقوة.
ولفت في حديثه لـ"عربي 21" إلى أنه لا يرى انعقاد صفة الدولة الإسلامية فيما أعلن عنه في سوريا والعراق، ولذلك لا يحق لهم سلوك مسلك القوة في فرض الأحكام الشرعية على الناس هناك.
وأكد أن من حق الدعاة العمل لتغيير واقع الناس، بدعوتهم إلى ترك ما هم فيه من معاص، والالتزام بأحكام الإسلام وشرائعه، مشيرا إلى أن استخدام القوة في تطبيق الأحكام الشرعية هو من الأخطاء التي يقع فيها بعض الدعاة، وإقامة الأمر بالقوة قد يفضي إلى تركه فيما بعد.
أبو سياف: من حق الدولة الإسلامية في سوريا تطبيق الأحكام الشرعية
بدوره استبعد القيادي في التيار السلفي الجهادي في الأردن، محمد الشلبي المعروف بـ"أبو سياف" أن تكون هذه الأعمال من أساليب مجاهدي الدولة الإسلامية في العراق والشام، وهي على الأغلب مدسوسة عليهم لتشويه صورتهم، وتأليب الناس عليهم.
ولفت إلى أن منهج الدولة الإسلامية، وجبهة النصرة، يقوم على دعوة الناس وتعليمهم وإرشادهم أولا، في المناطق الواقعة تحت سيطرتهم، ومن يرفض توجيهاتهم بعد التعليم والتوجيه، ويصر على مخالفتها، يحول إلى المحاكم الشرعية التابعة لهم، وهي التي تصدر أحكامها المناسبة عليه.
وأكدّ أبو سياف أن من حق الدولة الإسلامية، وجبهة النصرة، تطبيق شرع الله، فهم بذلوا من أجل ذلك أرواحهم، وما يقومون به هو تطبيق لأحكام الإسلام، كمنع الاختلاط، وغيره من المعاصي الأخرى، ولكن بعد تعليم الناس وإرشادهم وتوجيههم.