خلصت صحيفة هآرتس الاسرائيلية إلى أن
إسرائيل لن ترد على حادثة
إطلاق النار من
لبنان التي أودت بحياة ضابط إسرائيلي.
وكتب الصحفيان عاموس هرئيل وغيلي كوهين في هآرتس اليوم ان "اسرائيل تدرك جيدا أن
حكومة لبنان لا تبحث عن مواجهة عسكرية معها، وليس لاسرائيل ايضا أي اهتمام بذلك.
سيصعب على اسرائيل في الوقت الحالي أن تضرب أهدافا لجيش لبنان ردا على فعل شخص
واحد. ولم يعمل مُطلق النار مرسلا من حزب الله بحسب المعلوم الى الآن على الأقل،
بحيث يصعب أن يوجد تسويغ لهجوم عقابي على أهداف للمنظمة".
وفيما يلي نص المقال:
إمتنعت اسرائيل عن الرد بعمل عسكري على اطلاق النار الذي
قتل في يوم الاحد مساءً جندي الخدمة الدائمة من سلاح البحرية الرائد شلومي كوهين من حيفا، ونقلت احتجاجا شديد اللهجة الى قوة اليونفيل والى جيش لبنان. وفي ظهر يوم الاثنين عقد لقاء عاجل بين ممثلي الجيش الاسرائيلي وجيش لبنان والامم المتحدة للتباحث في الحادثة. وصادق الجيش اللبناني على أن مطلق النار جندي لبناني. ويقول اعلان الجيش إن الجندي هرب من وحدته بعد اطلاق النار لكنه سلم نفسه بعد ذلك واعتقل للتحقيق معه، وقال وزير الدفاع موشيه يعلون إن اسرائيل ترى أن حكومة لبنان وجيشها مسؤولان عن كل ما يحدث في الجانب اللبناني من الحدود. "نطلب الحصول على تفسير لما حدث بالضبط، فاذا كان الحديث حقا عن جندي عاصٍ، فسنطلب أن نعلم ماذا سيُفعل به وكيف ينوي جيش لبنان أن يعمل كي لا تتكرر هذه الأحداث" أضاف.
ينبع الرد الاسرائيلي المنضبط، الى الآن على الأقل، من الواقع الاستراتيجي في طول الحدود، فاسرائيل تدرك جيدا أن حكومة لبنان لا تبحث عن مواجهة عسكرية معها، وليس لاسرائيل ايضا أي اهتمام بذلك. سيصعب على اسرائيل في الوقت الحالي أن تضرب أهدافا لجيش لبنان ردا على فعل شخص واحد. ولم يعمل مُطلق النار مرسلا من حزب الله بحسب المعلوم الى الآن على الأقل، بحيث يصعب أن يوجد تسويغ لهجوم عقابي على أهداف للمنظمة.
ترى الأطراف جميعا أن لبنان الآن ساحة ثانوية للحرب الأهلية القاتلة في سوريا حيث يبذل حزب الله هناك الآن معظم جهده. أما اسرائيل فقلقة من امكانية أن تتحول حدود هضبة الجولان الى قاعدة عمليات لمنظمات جهاد سنية متطرفة، تعمل على اسقاط نظام الاسد، وعلى مواجهتها ايضا. لكن أخذ ينشأ في جنوب لبنان رويدا رويدا واقع بدأ يُذكر بصورة ضئيلة بالفوضى في الجانب السوري من الحدود في هضبة الجولان.
تنبع الصعوبة الاسرائيلية من أن الحوادث المعدودة الى الآن، هي عمليات لا يوجد عنوان وراءها. ففي آب الاخير أطلقت منظمة جهاد سنية، ترتبط بمعارضي الاسد في سوريا، صواريخ كاتيوشا من لبنان على الجليل الغربي. وردت اسرائيل بعد حيرة بقصف مقر قيادة لمنظمة تخريبية فلسطينية جنوب بيروت بزعم أن أصداء الهجوم سُمعت جيدا في بيروت وحذرت الحكومة هناك وحزب الله ايضا. لكن لم يقف حزب الله ولا جيش لبنان آنذاك وراء الهجوم بل وقف وراءه الجانب المعادي لهما. وكانت منظمة احمد جبريل التي يدعمها نظام الاسد ولها علاقات بحزب الله ايضا، هي التي تلقت القصف الاسرائيلي.
من الممكن في هذه المرة اذا استقر رأي اسرائيل حقا على عدم الرد أن يكون القرار متصلا بعدم الوضوح الذي نشأ، وقد يتكرر هذا الوضع في السنة القريبة على حدود سوريا ولبنان بل مصر بأن توجد هجمات أفراد أو منظمات غير موالين بالضرورة للسلطة وليس لهم عنوان دقيق تستطيع أن تصفي اسرائيل الحساب معه.
هل وُجدت هوادة؟
ُطلقت النار على الرائد شلومي كوهين حينما كان في طريقه الى موقع للجيش الاسرائيلي على مبعدة نحو من 50 مترا عن باب الدخول الشرقي. وقد اتجه الى الموقع بسفر اداري خرج فيه وحده، كي يأتي بقطع غيار لجهاز الاتصال في الموقع. ويخدم في الموقع الموجود على الجبل فوق موقع السياحة في رأس الناقورة، جنود من سلاح المشاة من الكتيبة الدرزية وقوة من سلاح البحرية تستعمل الرادار في ذلك المكان.
توجد طريقا وصول الى الموقع: الاولى من الشرق عن طريق شارع يفترض أن يُستعمل لسفر عملياتي فقط، وهو ينضم في الـ 100 متر الاخيرة منه الى الشارع بالقرب من جدار الحدود. ويفترض أن يتم السفر في هذا الشارع الذي يوجد جزء منه في السلسلة الجبلية وهو مُعرض لاصابة نيران من الجانب اللبناني من الحدود تحت تعليمات حراسة متشددة تحظر سير سيارات مفردة غير مدرعة.
وسافر الرائد كوهين في سيارة ستروين عسكرية غير مدرعة، ولم يكن مسلحا، ولم يكن معه خوذة وسترة واقية.
وبيّن البحث العملياتي الأولي أنه لم يسافر في الشارع الثاني الذي يصل الى الموقع من الغرب ويوجد تحت خط السلسلة الجبلية على نحو لا يُعرضه لاطلاق النار من الحدود، وهذه في ظاهر الامر طريق الدخول التي كان يفترض أن تُستخدم لأسفار غير عملياتية لأنها أكثر حماية. لكنها توجب سيرا على القدمين في نهايتها ويبدو في حالات كثيرة أن الجنود في الموقع اعتادوا استعمال الطريق الشرقية التي هي أقصر برغم ما تنطوي عليه من المخاطرة.
سيحاولون في التحقيق الجاري في فيلق الجليل وقيادة منطقة الشمال أن يتبينوا أتجاوز كوهين التعليمات على علم، لكن السؤال المثار هنا أوسع وهو: هل حرصت القوات في الموقع على التعليمات وعملت لمنع اصابة مركبات غير مُعدة للرد على اطلاق نار عليها (بنصب حاجز مثلا في المكان الذي يفترق فيه الشارع). وهذه مشكلة متكررة في مناطق حدودية، ففي الوقت الذي تُعد فيه قوات العمليات لأن تستطيع حماية نفسها والرد، قد تُحدث فترة الهدوء الطويلة على الحدود هوادة ما تنتهي الى عدم الحرص على التعليمات وتعريض جنود في الساقة الى الخطر. وثمة مشكلة اخرى وهي أن جنودا ليسوا جزءا من قوات العمليات في المنطقة قد يأتون احيانا الى الجدار ويتعرضون للخطر دون أن يعلم القادة في الميدان شيئا عن ذلك.
كُشف عن خلل شديد من هذا النوع في موقع "نوريت" في حدود لبنان في 2004 حينما كان اثنان من جنود سلاح الاتصال يصلحان هوائيا على سطح الموقع دون أن يعلما أن قوات العمليات في المنطقة تلقت انذارا بالبقاء في مناطق محمية خشية هجوم من حزب الله. وقُتل الجنديان بنار قناص من حزب الله. وكشف التحقيق الذي تم آنذاك عن اختلالات كثيرة في استعدادات الأمن في الحدود (كان يعلون آنذاك رئيس هيئة الاركان، وكان قائد المنطقة في ذلك الوقت رئيس الاركان الحالي بني غانتس وكان قائد الفرقة يئير غولان، الذي أصبح اليوم قائد منطقة الشمال). فقد يكون الهدوء النسبي الذي يسود الحدود قد انشأ الآن مرة اخرى عدم حرص كاف على التوجيهات العملياتية.