كشفت الإشتباكات الدائرة في دولة
جنوب السودان بين مؤيدي الرئيس سلفا كير ونائبه المعزول
رياك مشار عن هشاشة هذه الدولة التي لم يمض على انفصالها عن شمال السودان قبل عامين.
و أنكر فيه مشار وهو من قبيلة النوير، إحدي التجمعات القبلية في الجنوب أية محاولة إنقلابية، واتهم الرئيس
سلفاكير، وهو من قبيلة الدينكا، التي تتسيد العملية السياسية في الجنوب إلا ان الحرب الدائرة، وفقدان حكومة
جوبا سيطرتها على بلدة بور في ولاية جونقلي، تظهر إن المؤسسة التي ظلت حاكمة وفاعلة هي القبيلة التابعة لجيش الحركة الشعبية التي أنشأنها جون قرنق في بداية الثمانينات من القرن الماضي "لتحرير" السودان الكبير وليس القيام بالإنفصال عن شماله.
وكان مشار قد أقيل من منصبه كنائب للرئيس في تموز/ يوليو الماضي حيث أدت إقالته من هذا المنصب لسلسلة من التوترات القبلية.
ومع تصاعد التوتر وصف النائب السابق الرئيس كير بأنه يتصرف كديكتاتور. ورد كير إن منافسيه يحيون انقسامات عام 1991 التي أدت لاراقة الدماء. مشيرا إلى المجزرة التي ارتكبها جنود موالون لمشار بحق المئات من أبناء الدنكا في بور شمالي جوباعام 1991
في غضون ذلك استمرت المواجهات بين طرفي النزاع حيث خاضت قوات حكومة جنوب السودان معارك لاستعادة السيطرة على بلدة بور وأرسلت قوات لوقف اشتباكات في منطقة منتجة للنفط في صراع أجج الانقسامات العرقية في هذا البلد الصغير.
وأثار القتال الذي أدى حتى الآن إلى مقتل زهاء 500 شخص قلق جيران جنوب السودان.
واتسعت رقعة القتال الذي بدأ حول العاصمة جوبا مساء الأحد بسرعة ويقاتل جنود موالون لنائب الرئيس السابق ريك مشار وهو من قبيلة النوير قوات كير الذي ينتمي إلى قبيلة الدنكا ذات النفوذ الواسع.
ولجأ الالاف إلى مجمعات تابعة للأمم المتحدة بينهم نحو 200 من عمال النفط في إحدى مناطق إنتاج النفط الرئيسية.
وقال مسؤولون في الأمم المتحدة إن أفرادا من قبيلة النوير هاجموا قاعدة تابعة للمنظمة الدولية في ولاية جونقلي حيث تقع بور وربما أدى الهجوم لسقوط قتلى.
وأدى القتال إلى زيادة حالة عدم الاستقرار في هذه المنطقة الهشة بالفعل من أفريقيا وعرقل جهود الدولة الوليدة لبناء مؤسسات فعالة.
ريطانيا تجلي رعاياها
وتظهر الأحداث في الجنوب عن بوادر حرب أهلية ظلت دائرة في الجنوب منذ إعلان الدولة وكانت قبلية الطابع. وهذا ما يفسر إجلاء بريطانيا رعاياها عن الجنوب حيث أرسلت طائرة خاصة لإجلاء 150 بريطانيا ممن عبروا عن رغبتهم بالعودة، وأعلنت وزارة الخارجية البريطانية عن تقليل طاقمها في سفارتها في جوبا.
اوباما يرسل قوات
في غضون ذلك أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما، عن إرسال مجموعة عسكرية إلى جنوب السودان لتعزيز أمن السفارة الأميركية وموظفيها، في هذا البلد.
أوباما يرسل قوات
وأوضح أوباما في رسالة بعثها إلى الكونغرس بهدا الخصوص، أنه جرى تكليف نحو 45 عسكريا من القوات المسلحة بهذه المهمة، مشيرا أن المجموعة المزودة بالعتاد، أرسلت بهدف حماية المواطنين الأميركيين وممتلكاتهم، وأنها ستظل في جنوب السودان طالما استدعت الحاجة.
وأصدر أوباما بيانا بشأن الأحداث التي يشهدها جنوب السودان، حيث لفت إلى أن مستقبل هذا البلد في خطر، وأن جنوب السودان يقف على حافة هاوية.
وأردف أوباما، أن الاشتباكات في الأيام الأخيرة، تعيد جنوب السودان إلى الأيام المظلمة التي عاشها في الماضي.
وكانت الولايات المتحدة قررت سحب موظفيها غير الأساسيين من سفارتها في جنوب السودان، فيما حذرت وزارة الخارجية الأميركية، الرعايا الأميركيين، من السفر إلى جنوب السودان، في حين قامت وزارة الدفاع الأميريكية (البنتاغون)، بإجلاء عدد كبير من المواطنيين الأميركيين، من جنوب السودان خلال اليومين الماضيين.
الإتحاد الإفريقي يتوسط
ووصل فريق وسطاء أرسله الاتحاد الافريقي ومقره اديس ابابا إلى جوبا لاجراء محادثات. وقال مسؤول إثيوبي إن أعضاء الفريق من اثيوبيا وكينيا وأوغندا ورواندا. وهذه أول مبادرة هامة لإحلال السلام منذ اندلاع الاشتباكات.
وقال المتحدث أتني ويك أتني "لا يزال الاتحاد الافريقي في اجتماع مع الرئيس... رسالتهم هي انهم يحاولون التوسط لاحلال السلام بين القوتين." ولم يقدم مزيدا من التفاصيل
من هو سلفا كير
جاء سلفاكير للسلطة بعد وفاة جون قرنق حيث استطاع أن يقود البلاد فعليا نحو الإنفصال تموز/ يوليو2011، واستفاد كثيرا من خبرته العسكرية كرجل استخبارات في إدارة دفة الأمور داخل الحزب والدولة كأول رئيس لدولة جنوب السودان.
ولد سلفاكير في منطقة قوقريال بولاية بحر الغزال، (شمال غرب جوبا) عام 1951، وهو ينتمي إلى قبيلة "الدينكا"، درس حتى المرحلة المتوسطة، ثم انضم في أواخر ستينيات القرن الماضي لحركة الكفاح المسلح الأولى في جنوب السودان ضد الحكومة (استمرت من 1955 إلى 1972 وسميت بالحرب الأهلية الأولى)، لكن سرعان ما تم استيعابه في الجيش السوداني برتبة نقيب بعد توقيع اتفاقية سلام بين المتمردين والحكومة السودانية في 1972، التي عرفت باتفاقية "أديس أبابا" وتم إلحاقه بالعمل في إقليم أعالي النيل (جنوب) بقسم الاستخبارات العسكرية.
وفي أيار/مايو 1983 النقيب سلفاكير ضابط الاستخبارات وكل ضباط صف مكتب الاستخبارات بولاية أعالى النيل، بعد أن أخذوا معهم كل سلاح وحدة الاستخبارات.
وكان هذا الهروب هو بداية خطوات التحاق سلفاكير بالتمرد الثاني، وهناك رواية أخرى لالتحاقه بـالتمرد يرويها ضابط سابق في الاستخبارات يقول فيها، عندما كان سلفاكير مسؤولاً بالاستخبارات بأعالي النيل وصلته إشارة من القيادة العامة باعتقال المقدم فرانسيس والملازم الفريد، عندئذٍ كشف مضمون الرسالة لزملائه وقرر الهروب معهم والانضمام لحركة التمرد.
وعندما ألغى الرئيس السوداني جعفر النميري اتفاقية أديس أبابا في عام 1983، وبدأ في تقسيم الجنوب إلى مناطق منفصلة، أرسل جون قرنق ديمابيور، لقمع تمرد عسكري في موطنه في "بور"، ولكنه بدلا من قمع التمرد العسكري انضم إلى حركة التمرد وشجع عليها مع سلفاكير وقادة جنوبيين آخرين، وأصبحوا بالتالي الأعضاء المؤسسين للجيش الشعبي لتحرير السودان والذي قاتل ضد حكومة الخرطوم، تحت قيادة جون قرنق ديمابيور، وأصبح سلفاكير رئيسا للأركان (الرجل الثاني في الجيش).
ومن خلال العمل والقتال في مناطق مختلفة في البلاد، اكتسب سلفاكير معرفة أعمق بالتعقيدات العرقية والإقليمية في الجنوب، وعندما انقسم الجيش الشعبي داخليا في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، ظل سلفاكير مواليا لقرنق، وعين نائبا له في الحركة الشعبية عام 1994.
ورغم أن قرنق كان يسيطر على المسائل السياسية، فإن كير أظهر قدرته على المصالحة عندما ضغط على قرنق عام 1999 من أجل التوقيع على اتفاق سلام تنتهي بها سبعة أعوام ونصف من الصراع القبلي بين قبيلتي "النوير" و"الدينكا"، والأخيرة ينتمي لها سلفاكير.
وبعد التوقيع على اتفاق السلام الشامل مع الشمال في عام 2005، تم تعيين سلفاكير نائبا لجون قرنق، النائب الأول للرئيس السوداني (وكان بمثابة رئيس جنوب السودان)، وبعد يومين فقط من وفاة جون قرنق في حادث تحطم مروحية يوم 30 تموز/ يوليو عام 2005، اختارت الحركة الشعبية سلفاكير ليخلف قرنق في منصب النائب الأول لرئيس السودان.
وأعيد انتخاب سلفاكير في نيسان/ أبريل2010 بنسبة 93 % من الأصوات، وشكل الحكومة التي جمعت بين العديد من الأعداء القدامى لحركة التحرير والفصائل المتنافسة.
وبعد انفصال الجنوب، بدأت المواجهة بين سلفاكير ونائبه مشار، يظهر على السطح، وذلك بعد أن أعلن مشار أنه سيترشح لرئاسة الحزب وخوض الانتخابات عام 2015، ما اعتبره سلفا كير خطرًا داهمًا يواجهه، وقام بإقالة نائبه في الصيف الماضي، لكن مشار ظل في منصب النائب الأول لرئيس الحزب، وهذا أفسح المجال له للتحرك وعقد التحالفات مع منافسين سابقين ضد كير.