"لم تحضر
مصر في عناوين الأخبار العالمية، لكن المصريين أنفسهم لا يزالون يصنعون أخبارا، فالقمع ضد الإخوان المسلمين الذي بدأ بعد الانقلاب الذي أطاح بنظام الرئيس محمد
مرسي في تموز/ يوليو الماضي ظل متواصلا حتى نهاية عام 2013".
جاء ذلك في مقال كتبه ستيفن كوك على موقع محطة "سي أن أن" الأمريكية، عن مصر عام 2014. وكوك هو زميل باحث في شؤون الشرق الأوسط بمجلس العلاقات الخارجية ومؤلف كتاب "الصراع على مصر: من ناصر إلى ميدان التحرير".
ويشير الكاتب إلى وجود تمرد على مستوىً محدود في شبه جزيرة سيناء، وصل إلى الإسماعيلية والقاهرة.
مضيفا أن مدخل الحكومة لمواجهة هذا العنف كما يبدو، يقوم بشكل كبير على الاستخدام المفرط للنار ضد الفاعلين قدر الإمكان. وهو ما يحقق بعض النجاح في قتل الإرهابيين والمجرمين، لكن الوضع المعقد على الأرض يعني أن هذه الاستراتيجية قد لا تغير إلا قليلا في الأجواء التي ينتعش فيها المتطرفون.
ويقول الكاتب إنه "بعيدا عن الوضع الأمني، فإن السياسة المصرية ستبقى مشحونة"، مضيفا "بعد الانقلاب، قامت الحكومة الانتقالية بالإعلان عن خارطة طريق لإعادة الديمقراطية، رغم أنه لم تكن هناك ديمقراطية كي يعاد مسارها، فالمسؤولون المصريون كانوا مخلصين للخطة التي أعلنوا بعد تدخل الجيش في تموز/ يوليو". إذ أنجزوا الدستور، وسيجرون استفاءً عليه بعد أسبوعين تقريبا.
و يقول "كوك" إنه "بحسب خريطة الطريق يجب عقد الانتخابات البرلمانية في غضون أسبوعين من الموافقة على الدستور، ويقوم عدلي منصور حاليا بدراسة تغيير مواعيد الانتخابات البرلمانية والرئاسية. ومهما كان قراره فالمصريون سيكون بمقدورهم تطبيق ما تبقى من ملامح خريطة الطريق بدون مشاكل، لكن هذا لن يحل المشاكل الجوهرية الثلاثة الكفيلة بإعادة الاستقرار للسياسة المصرية عام 2014".
المشكلة الأولى برأي "كوك" تتمثل في "ملاحقة الإخوان المسلمين التي ستترك آثارا خطيرة على مصر، فرغم وجود قطاع من الشعب المصري لا يحب الإخوان، وهو ما استغله الإعلام الموالي للدولة وقطاع واسع من المؤسسات الإعلامية الخاصة، إلا أن لدى الجماعة قاعدة دعم صلبة، وأصبح جزء منها متشددا بسبب الانقلاب.
والانقلاب بالنسبة للإخوان كان غير شرعي وأطاح برئيس منتخب بطريقة شرعية، كما أنه عزز من فكرة "الضحية" لدى الجماعة".
ويضيف إنه "في الوقت الحالي تحاول الحكومة المؤقتة تقديم رواية تبرر فيها الانقلاب وأنه جاء تعبيرا عن إرادة الشعب في وقت كان فيه مرسي يدمر البلد. وتضيف لهذه الرواية فكرة تربط فيها جماعة الإخوان بالجماعات الإرهابية.
ومع أن بعض المحللين يتوقعون صفقة بين الإخوان والضباط، إلا أن الطرفين يحاولان الاستفادة من الروايات المختلفة عن الوضع، مما يعني استمرار التنافس والاحتجاج والعنف".
أما المشكلة الثانية، بحسب كوك فتتعلق بالاقتصاد، إذ رغم ضخ السعودية والإمارات العربية والكويت المليارات للاقتصاد المصري، حيث خففت عليه الكثير من الأعباء التي تراكمت خلال الأعوام الماضية، إلا أن الدعم الخليجي أعطى القاهرة مساحة للتنفس، فالسياحة التي تسهم بـ 12.5 مليار دولار سنويا تراجعت بسبب تجنب السياح السفر للآثار الفرعونية في وادي النيل، خوفا من العنف والاحتجاجات المستمرة.
وبنفس السياق تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر، والذي أسهم بنمو الناتج القومي في السنة الأخيرة من حكم مبارك.
وما يدعم الاقتصاد المصري اليوم هي التحويلات التي يرسلها العمال المصريون في الخارج، وعوائد الملاحة في قناة السويس. وهذه مع الدعم المالي الخليجي لن تكون قادرة إلا على حل المشاكل الاقتصادية العالقة".
ويرى الكاتب أن التظاهرات التي أنهت حكم مبارك لم تكن في معظمها عن تحسين الحياة الأساسية للسكان الذين توقعوا وضعا أحسن منذ ذلك، وعلينا أن لا نتجاوز فكرة أن حكم مرسي تزامن مع وضع كان فيه الاقتصاد المصري على حافة الانهيار. وفي حالة تحسن الأوضاع الاقتصادية فإن عدم الاستقرار سيبقى.
أخيرا وهنا المشكلة الثالثة يرى "كوك" أنه رغم "تأكيد المسؤولين المصريين أنهم يديرون فترة انتقالية نحو الديمقراطية، إلا أن ما يحدث في مصر غير ذلك".
ويشير الكاتب إلى القوانين التي وقعها الرئيس المؤقت عدلي منصور والتي تحظر المظاهرات. ويشير أيضا إلى طريقة معاملة الشرطة للمتظاهرين حيث اظهرت مستوى جديدا من الوحشية، واستخدمت وزارة الداخلية المشاعر العامة المعادية للإخوان كغطاء لهذه الممارسات".
ويختم بالقول إن الحكومة الجديدة بالتعاون مع الإعلام خلقت جوا قضى على النقاش العام، ووضع الفريق السيسي ومن معه من الضباط، وكذلك عمليات الجيش في سيناء خارج سياق النقد.
وفي النهاية يقول "بدلا من الديموقراطية، يتربع قادة مصر على نظام سياسي يشبه بشكل قريب النظام الشمولي الديكتاتوري القديم، وفي الوقت الحالي يشعر دعاة الديموقراطية المصرية (الليبراليون، الثوريون وبقية الناشطين من الذين رحبوا بالتدخل العسكري)، بالعجز عن وقف هذا التطور، لكنهم مصممون على فعل ما يرونه مناسبا، وهو تعزيز المعارضة العامة، باستثناء أن المظاهرات الصغيرة والكبيرة ستتواصل في عام 2014 وما بعده".