كتب شادي حميد وبيتر ماندفيل مقالا في مجلة "أتلانتك منثلي" تحت عنوان "الولايات المتحدة يئست من الديمقراطية في الشرق الأوسط وهذا خطأ"، وناقشا فيه أن تقديم إدارة أوباما الأمن على الديمقراطية أدى إلى فشلها في التعامل مع الأسباب الأساسية للتطرف في المنطقة.
واقترحا إستراتيجية بعيدة المدى أبعد من تلك التي تقوم على التعامل مع الديموقراطية كأزمة أمنية. ودعيا إلى إنشاء وقفية متعددة الأطراف تقوم بربط الدعم المالي للدول الشريكة بإصلاحات حقيقية في بنى الدولة؛ خاصة الأمنية والعسكرية.
وقالا إن الأنظمة الشمولية في العالم العربي استطاعت تحمل آليات الديموقراطية التقليدية، ومن هنا حان الوقت أمام إدارة أوباما التي فشلت منذ الربيع العربي للرد بشكل مناسب على الأحداث الضخمة التي مرت بالعالم العربي، وتشكيل إستراتيجية بعيدة المدى، وإلا خسرنا إرث الربيع العربي.
وجاء في المقال "تبدو مصالح الولايات المتحدة الأمنية ككابوس يزداد سوءا في ظل صعود القاعدة وأنظمة أكثر قمعا ودولا ضعيفة وحتى آيلة للسقوط. لذلك يبدو منطقيا زيادة أوباما من مساعداته الأمنية للشرق الأوسط من 69% من الميزانيات المطلوبة لعام 2014 إلى 80% منها. كل هذا يأتي على حساب دعم الديمقراطية في المنطقة، والتي ستنخفض ميزانيتها من 459.2 مليون دولار إلى 298.3 مليون دولار، وقد يخفضها الكونغرس أكثر من ذلك".
ويرى الكاتبان أن تقليص مشاكل المنطقة والتعامل معها كقضايا أمنية يحمل مخاطر "الخلط بين السبب والنتيجة. فالوضع في الشرق الأوسط اليوم هو نتيجة، جزئيا على الأقل، للفشل في التحول الديمقراطي، وأحد أسباب هذا الفشل هو الدعم الخجول والفاتر لهذا التحول من إدارة أوباما".
ولاحظ الكاتبان أن فكرة محدودية تأثير الولايات المتحدة على السياسات الداخلية للدول العربية كانت طاغية على النقاش الدائر داخل إدارة أوباما وبين المحللين "ولا أحد ينفي وجود هذه الحدود، لكن السؤال ما هي تلك الحدود؟".
ويضيف الكاتبان أن "هناك دراسات أكاديمية عديدة تشير إلى النفوذ الكبير الذي يمكن للغرب أن يلعبه في عمليات التحول الديمقراطي. فخلال الموجة الثالية من التحول كتب ستيفن لفنسكي ولوكان واي قائلين (كان التحول المدفوع من الخارج فيما يتعلق بثمن القمع وليس التغير في الظروف الداخلية هو ما ساعد بشكل مركزي في نهاية الديكتاتوريات في الثمانينيات والتسعينيات" وتوصل لحقيقة مفادها أن "قابلية الدول للتأثر بالضغط الغربي باتجاه التحول الديمقراطي كان حاسما)".
وبناء على هذه النتيجة يرى الكاتبان أن الضغط الغربي باتجاه التحول الديمقراطي لن يكون له نفس الأثر في الشرق الأوسط بسبب الفوارق الأيديولوجية، ولكنه مع ذلك يظل مهما.
وأشارا إلى مقال جديد في (ذي واشنطن كوارترلي) ناقش أن ثورات 2011 و 2012 تثبت أهمية الدور الغربي واللاعبين المحليين الذين يعتمدون في كثير من الأحيان على الدعم الأمني وغير الأمني من الغرب.
والمفارقة يقول الكاتبان أنه "وبعد ثلاث سنوات من انتفاضات الربيع العربي انتهى الأمر بإدارة أوباما إلى تبني نظرة أمنية ضيقة للربيع العربي، وهو ما كان أوباما ينتقد أسلافه عليه. صحيح أن الكثير من المشاكل الأمنية في المنطقة، وبالذات في العراق هي نتاج سياسات إدارة بوش الكارثية، ولكن يجب أيضا ملاحظة أن الرئيس بوش نفسه اعترف بوجود رابط بين الإستبداد والإرهاب – أي فكرة أن السبب الأساسي في التطرف والإرهاب يكمن في غياب الديمقراطية لفترة طويلة وهذه الفكرة ليست أقل أهمية اليوم".
وكان من أثر غياب السياسة السلمية والديمقراطية، وتتبدى في أحسن حالاتها في الانقلاب العسكري في مصر والحرب الأهلية في سورية، وكلاهما كان كما يقول الكاتبان "هدية للقاعدة وغيرها من المجموعات المتطرفة. فخطابهم الذي يرى أن العنف هو الخيار الوحيد المؤدي إلى نتيجة هو أقوى من أي وقت آخر".
وأمام هذا التحدي المتنامي قرر أوباما أن لا يجعل دعم التحول الديمقراطي من أولويات سياسته الخارجية. فبعيدا عن جهوده للتوصل إلى اتفاق مع إيران والوصول إلى اتفاق إطار في النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، تعاملت الإدارة مع المنطقة "بأسلوب إدارة أزمات وإجراءات محاربة إرهاب. أما مبادرتها بإنشاء "صندوق التحفيز للشرق الأوسط وشمال أفريقيا "فقد لا يرى النور" كما يشير المقال.
ويرى حميد وماندفيل أن هناك حاجة إلى إعادة التفكير بالطريقة التي تتعامل من خلالها الإدارة وحلفاءها الغربيين، وهناك حاجة للبحث عن مدخل جديد لمساعدة الديموقراطية في الشرق الأوسط.
وفي هذا السياق يشير الكاتبان إلى الديموقراطية التقليدية التي عادة ما تركز على الإجراءات أو الملامح الجزئية من الديموقراطية السياسية مثل الانتخابات، الأحزاب والخروج للتصويت والحملات الإنتخابية وتعزيز مؤسسات المجتمع المدني. وهذه الآليات وإن كانت مهمة، إلا أن من غير المحتمل أن تؤدي إلى إحداث الإصلاحات الدائمة. فقد "أثبتت الأنظمة الديكتاتورية في العالم العربي أنها قادرة على تحمل مضايقات الانتخابات ومؤسسات المجتمع المدني". ولهذا فما يحتاج العالم العربي إليه هو إصلاح منظم يركز على أصول المؤسسات. وتشمل هذه كما يقول الكاتبان "احتواء دور العسكر في نظاق الحياة والحكم المدنيين، وإصلاح عميق لقطاعات الأمن والقضاء بما في ذلك أجهزة فرض النظام، وإجراء عملية "تأثيث" شاملة لقطاع الخدمة المدنية. وإصلاحات على قاعدة واسعة كهذه ومكلفة تتجاوز المعايير المتواضعة التي وضعتها الإدارة الأمريكية في كل برامج الترويح للديموقراطية.
ويدعو الكاتبان إلى "وقفية متعددة الأطراف للإصلاح"، تربط ما بين مستويات الدعم المالي- بالمليارات وإجراء إصلاحات. والفكرة من هذه الوقفية كما يقولان هي "منح حوافز للدول كي تمضي في طريق إصلاحات عميقة ودائمة، وفي الوقت نفسه منح الولايات المتحدة القدرة على سحب الدعم حال فشلت هذه الدول في الوفاء في تعهداتها.
ويعتقد الكاتبان هنا أن المظهر المتعدد للوقفية هو مهم لتحقيق أهدافها "وفي الوقت الذي ستتخذ الولايات المتحدة موقع القيادة في إنشاء هذا الكيان، إلا أن تطبيق مبادئها يتطلب مساهمات مهمة مالية وخبرات من مجموعة دول الثماني والدول الأوروبية والإقتصاديات النامية في دول آسيا وأمريكا اللاتينية، والقوى الإقليمية مثل تركيا وقطر".
ويرى حميد وماندفيل أن مدخلا كهذا "سيوزع عبء النفقات المالية في وقت صار من الصعب الحصول على دعم من واشنطن، كما ويساعد على التقليل من الحساسيات السياسية التي عادة ما تربط دعم الديمقوقراطية وتلبسها وجها أمريكيا".
ويختم الكاتبان مقالهما بالقول "بدلا من التخلي عن مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط، فهذا هو وقت مضاعفة الجهود، فمنذ بداية الربيع العربي فشلت الولايات المتحدة في التفكير بطريقة كبيرة وتقديم سياسة طامحة ترد على الأحداث الضخمة. وإذا كانت أحداث الفترة الماضية قد علمتنا شيئا، فه أن محاولة البحث عن "الاستقرار" عبر الوسائل التقليدية ما هي إلا وهم (..) وستبقى معنا الدول الضعيفة ونوعا جديدا من الأنظمة الشمولية في مرحلة ما بعد الربيع العربي ولعقود قادمة، وهذه حقيقة مثيرة للأسف وتقتضي التحرك أبعد من سياسة إدارة الأزمات قصيرة المدى، وبدلا من ذلك تشكيل مجموعة من الأدوات وعلى قاعدة مناسبة تتصدى بجدية لهذه التحديات. وقد يكون وضعا شاذا لو كان واحدا من إرث الثورات العربية، وكأن عملية الدمقرطة والأمن أصبحت أهدافا منفصلة، إن لم تصبح متناقضة، وقد حان الوقت للرد".
دراسة إسرائيلية: مقاتلو الشيعة بسوريا أكثر عددا
تحقيق: لا علاقة للقاعدة بقتل السفير الأمريكي بليبيا
استطلاع: أغلب الأمريكان يرون حرب أفغانستان عبثية