بين
تحف فخارية، وخزف، وأعمال يدوية أخرى، تقضي رشا السخ يومها، لإنتاج أكبر قدر ممكن من التحف، والأدوات التراثية، قبيل بدء موسم السياحة، في بلدتها "
سبسطية" قرب مدينة نابلس شمال الضفة الغربية.
"هنا عالمي وحياتي"، هكذا قالت رشا البالغة من العمر 30 عاما، مضيفة "أمسك بريشتي، وأرسم ما يجول في خاطري، منتجات فخارية تتحول معي، إلى لوحات مزركشة برسومات الزمن القديم".
ومع بداية فصل الربيع سنويا، يبدأ موسم السياحة، ويبدأ معه مهرجان سبسطية السنوي، الذي يقام بالتعاون بين السلطات المحلية، ووزارة السياحة
الفلسطينية لتشجيع حركة السياحة.
تقول رشا، وهي تمسك، في يدها، بكوب أنهت زركشته، "تحتاج القطعة الواحدة، لنحو 3 ساعات من العمل، بعد سنفرتها (إزالة الشوائب)، وطليها بـ"الآغو" (مادة تلميع)، قبل الرسم اليدوي عليها، وتحتاج كل قطعة للشواء، في فرن خاص، مرتين بدرجة حرارة تصل إلى 1600درجة مئوية.
تعلمت رشا فن صناعة الخزف، بعد تلقيها دورتين، إحداها في المملكة الأردنية قبل نحو 10 أعوام، وأخرى في مدينة رام الله، قائلة: "من هواياتي الرسم، والفن، والزركشة، وعززتهما بدورتين تدريبيتين، وبت أتقن فن صناعة الخزف، والزركشة على الأواني".
وتواصل رشا حديثها بينما تضع اللمسات الأخيرة على كوب مزركش مكتوب عليه"sabastia" (سبسطية): "غالبية منتجاتي يتم تسويقها من قبل والدي وشقيقي الأكبر من خلال كشك (متجر صغير)، بالموقع التراثي في البلدة، مثل هذه المهن باتت نادرة، وتصارع البقاء، وتتلخص بأشخاص، وأماكن محدودة".
رشا التي تأمل بتطوير معملها الذي يحوي فقط فرنا خاص للشواء، وأقلام ألوان، ودولابا صغيرا، شاركت في معارض بعدة جامعات فلسطينية ومهرجانات مختلفة، قائلة "تمت دعوتي لمعارض في ماليزيا وتركيا والهند وقطر والبحرين، لكني لم أشارك فيها، لأني لا أمتلك مصاريف السفر، وشحن البضائع".
في ذات المعمل، ينتج والد رشا أحمد ذياب السخ، قطعا تراثية متنوعة، يصنعها من الطين، مع خلطه بمواد أخرى، قبل صبها بقوالب بلاستيكية، تعبر في أشكالها عن مواقع تاريخية، ودينية فلسطينية، مسيحية، وإسلامية.
ويعرض السخ منتجاته، ومنتجات ابنته في "كشك" صغير، بالقرب من ساحة البازليكا "القاعة الملكية" الشهيرة في سبسطية، قائلا "منذ عدة سنوات عادت الحركة السياحية تنشط هنا، وبتنا نستقبل سائحين أجانب وعربا، وما نعرضه، من قطع أثرية، بسيطة، يستهوي السياح، في موقع يعود تاريخه إلى 3 آلاف عام".
وأضاف "نعمل اليوم بجد، قبيل بدء الموسم السياحي الجديد، الذي ينطلق مع بداية فصل الربيع من كل عام، لا يوجد الكثير من الوقت، يزور البلدية يوميا ما لا يقل عن 100سائح وهو ربع العدد الذي كان يأتي، قبل عام 2000، واندلاع انتفاضة الأقصى الثانية، حيث كان العدد يصل إلى 400 سائح يوميا".
ويقع الموقع الأثري في المنطقة المصنفة "ج"، حسب اتفاق أوسلو بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل (اتفاق سلام وقعته إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية في 13 سبتمبر/أيلول 1993، بحضور الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون).
ويخشى السخ من تنفيذ قرار إسرائيلي بهدم دكانه، بحجة البناء بدون ترخيص، قائلا "هذا الكشك مقام على أرض تملكها عائلتي، ومبني من الصفيح، تم إخطاري بهدمه قبل نحو عام، وأخشى تنفيذ القرار، خاصة بعد أن بدأت دائرة السياحة والآثار الاسرائيلية، بأعمال ترميم وتنقيب في الموقع الأثري".
وتزخر سبسطية، بآثار عربية، كنعانية، ورومانية، وبيزنطية، وفينيقية، وإسلامية، وفي عهد الإمبراطورية الرومانية، أوائل القرن الرابع الميلادي أصبحت مركزا للأسقفية المسيحية.
وبحسب أستاذ
الآثار والترميم في جامعة القدس المفتوحة، أسامه حمدان، فإن "ما تخفيه مدينة سبسطية، أعظم مما هو ظاهر بكثير؛ لا سيما، وأن 85% من المدينة التاريخية مازال قيد الاستكشاف" لافتا إلى أن "فلسطين تزخر بـ12 ألف موقع تاريخي".
وأرجع حمدان عدم التنقيب عما تخفيه المدينة إلى "الافتقار لسياسات حكومية فلسطينية، واضحة وطويلة الأمد، للتنقيب عن وتطوير المواقع الأثرية، وربطها مع الاقتصاد المحلي، فضلا عن منع سلطات الآثار الإسرائيلية للفلسطينيين، من التنقيب في المناطق الخاضعة لسيطرتها".
وبحسب اتفاق أوسلو، فإن "مدينة سبسطية مقسمة إلى قسمين، أحدهما يخضع للسيطرة الإسرائيلية في المناطق المصنفة "ج"، وتمنع إسرائيل إقامة أي مشروعات فيها إلا بموافقتها؛ مما يعيق أعمال الصيانة والترميم، أما القسم الثاني، فيخضع للسيطرة الفلسطينية".