على خلفية الهجوم الحاد وغير المسبوق في
إسرائيل على وزير الخارجية الأمريكي جون
كيري، كتب الصحفي الون بنكاس مقالا في صحيفة يديعوت الإسرائيلية الصادرة ، الجمعة، تناول فيه بإسهاب ما اعترى العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، ويخلص فيه إلى أن أمريكا تنسحب شيئا فشيئا من المنطقة، وتزحف شيئا فشيئا إلى الشرق الأقصى، مما سيترك إسرائيل في حالة صعبة.
ويشرح بنكاس أسباب انسحاب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط:
الأول، استقلال الطاقة. فلن تحتاج الولايات المتحدة في 2016 – 2017 ولن تستهلك نفطا مصدره الشرق الأوسط. فهي ستصبح أكبر منتجة للنفط في العالم، أكبر من روسيا والسعودية. وهي أكبر مستهلكة للنفط في العالم لكن كل نقص أو زيادة في الطلب ستلبيهما كندا والمكسيك. أو بعبارة أخرى إن المقولة القديمة التي تقول إن الولايات المتحدة لها مصلحة في أن تزود بالنفط من الشرق الأوسط بصورة منتظمة لم يعد لها صلة بالواقع.
والسبب الثاني أن الولايات المتحدة مجروحة ونازفة بسبب تدخلاتها في الشرق الأوسط: في العراق وأفغانستان وإسرائيل والفلسطينيين ومصر. وقد ضاقت الولايات المتحدة ذرعا بذلك وهي متعبة ولا ترى مصالح حيوية تُمتحن أو على خطر أو ينبغي إحرازها في المنطقة. هذا إلى أن النظر في الشرق الأوسط في 2014 يُبين أن القوى الثلاث القوية المهيمنة في المنطقة ليست عربية، وهي إسرائيل وتركيا وإيران. ولهذا حدثت صحوة من الاشتغال بالعالم العربي. ولوحظ هذا التوجه جيدا في السياسة الأمريكية الموجهة نحو مصر وليبيا وسوريا، فالذي يرى في إسرائيل والسعودية ترددا وعدم زعامة كان في واقع الأمر انعكاسا لسياسة خارجية جديدة.
والسبب الثالث هو أن مركز الانتباه والمصالح الأمريكية نُقل إلى الشرق الأقصى. فقد أصبحت الصين وشبه الجزيرة الكورية، وتايوان وجنوب شرق آسيا هي العقد التالي للسياسة الخارجية الأمريكية. ولهذا لم تعد الحليفة التالية للولايات المتحدة هي إسرائيل بل ولا بريطانيا بل أستراليا، واليابان بقدر ما. ونحن نستطيع أن نتحدث عن الايباك وعن أعضاء مجلس النواب ليفي أو كوهين أو سميث أو براون، وعن "لقاء رئيس الوزراء" وعن الحوار الاستراتيجي السابع عشر. لكن الحقيقة السياسية هي أننا لسنا مهمين.
ويتابع بنكاس "ليس هذا مسارا سريعا ولا يلاحظ التغيير في مدة قصيرة. فالمشايعة الأمريكية لإسرائيل واسعة عميقة لكن تجري عليها تغييرات لأن أمريكا تجري عليها تغييرات سكانية وثقافية وتصورية. وفيها زعزعات وفيها صدوع. فالحكمة السياسية والتاريخية تكون بالاعتراف بوجود المسار ومحاولة تبطئته بقدر المستطاع".
ومن هنا فإن بنكاس يهاجم نتنياهو ويعلون وشتاينيتس وشركاءهم، ويقول إنهم في همجيتهم هذه يسرعون مسار انسحاب أمريكا من المنطقة، ويضيف: "حينما قال يعلون في ميونيخ "اذا لم توجد تسوية فسنسوي امورنا" لا يعبر فقط عن عدم إحكام، وعن مقولة لا بأس لا تقلقوا، باللغة الاسرائيلية. بل يقول للامريكيين: لا تجهدوا أنفسكم، فلا حاجة لذلك لأنكم تشوشون علينا. وحينما تقول اسرائيل "لن نُمكن ايران من أن تصبح دولة ذرية" تعفي الولايات المتحدة من التزامها ألا تُمكن من ذلك. وحينما يتهم وزراء كيري بسياسة تخالف المصلحة الاسرائيلية فانهم يجعلون مصالح الدولتين تتضارب ويُسوغون للولايات المتحدة في واقع الامر ألا تتدخل".
ويختم بنكاس مقاله بالقول: إسرائيل اختارت أن تهاجم وزير خارجية الولايات المتحدة وتُشهر به وهو الشخص الذي يوصي مجلس النواب بالمساعدة الخارجية وبالهبة العسكرية لإسرائيل، وهو الشخص الذي استعمل هو وأسلافه حق النقض لاقتراحات قرارات معادية لإسرائيل في مجلس الأمن 51 مرة. فيا أيها المجانين أتركوا جون كيري وشأنه".