كلما تفاقم انخراط
حزب الله في الأزمة السورية، ورسّخ دوره القتالي على أراضيها، برزت الحاجة لديه ولدى جمهوره إلى مزيد من إيجاد الذرائع والمبررات لهذه الحرب التي امتدت نيرانها إلى
لبنان، لاسيما بعدما صارت المناطق ذات الغالبية الشيعية هدفا للسيارات المفخخة والانتحاريين.
كانت حجة القتال الدفاع عن المراقد الشيعية المقدسة في سورية، وتقدم شعار: "لن تسبى زينب مرتين" كذريعة للقتال، ورافق جثامين الضحايا المقاتلين المحمولين من سورية الى مثواهم الأخير في لبنان.
ورغم أن حزب الله، بعدما توسع او انكشف حجم مشاركته القتالية، عاد وقدم شعار القتال دفاعا عن المقاومة، وخلص أخيراً إلى اعتبار مشاركته في القتال وجودية.
إذاً لم يعد شعار الدفاع عن المراقد المقدسة وتوابعه كافيا لتبرير الذهاب للقتال في سورية، فيما ينتشر في بعض البيئات الشيعية وتلك اللصيقة بحزب الله استحضار متنام بشكل لافت للروايات الدينية المذهبية التي تتحدث عن موعد ظهور الإمام
المهدي وما سيرافق هذا الظهور من أحداث. ويجري إسقاطها على مجريات الحرب السورية وجغرافيتها ورموزها.
وإن كانت عقيدة ظهور الإمام المهدي ثابتة في المذهب الشيعي، إلا أن الثابت أيضا أن العديد من الروايات التاريخية المتداولة حولها من أحداث وأشخاص ومواعيد للظهور ليست صحيحة كما يؤكد معظم الفقهاء الشيعة. وهم يشككون بمصادرها، لا بعقيدة الإيمان بظهورالإمام المهدي في آخر الزمان. العودة إلى هذا الخطاب الديني المذهبي تلقى رواجا لدى بعض الأوساط الشيعية، وهي تواكب بشكل صريح قتال حزب الله اليوم في سورية او ضد التكفيريين.
وهو خطاب لا يبدو أن حزب الله مستاء منه، وإن كان البعض يعتبر أنه يصعّد من هذا الخطاب داخلياً في سياق تفسير قدري للأحداث يقدمه لجمهوره، تجنباً للسؤال التاريخي. إذ مهما بلغت طاعة المقاتل في حزب الله لقيادته، فهو لن يستطيع أن يغيب عن ناظريه ووجدانه حجم الإبادة التي يرتكبها النظام السوري بحق شعبه، وبالتالي لابد من سدّ هذه الثغرة بربط الأحداث بقدر الله، والذهاب إلى التفكير الاسطوري لتجنب السؤال الانساني والسياسي.
لا بد من الإشارة إلى ان في اساس تكوين حزب الله الايديولوجي، هو مكون ديني وشيعي خاص، وهو عاجز عن الترويج لنفسه بناء على هذه القاعدة لدى ابناء المذاهب الاسلامية الاخرى، انطلاقا من ان ولاية الفقيه وعقيدة ظهور الامام المهدي تتعارضان مع المذاهب الاسلامية الاخرى. لذا في بدايات الحزب كانت فلسطين هي عنوانه السياسي، والمشروع السياسي الذي امكن له من خلاله ان يلقى رواجاً في البيئات السنيّة وغيرها، واستطاع من خلال المواجهة مع اسرائيل ان يلقى رواجاً في البيئات المختلفة. العودة الى الخطاب الديني بهويته المذهبية، والتي تلقى رواجا في قاعدته الحزبية وفي الدوائر الشيعية القريبة منه، تعني ان هذه البيئة المحيطة به تتجه اكثر فأكثر نحو مزيد من التمذهب والانغلاق، ونحو مزيد من القطيعة مع المذاهب الاسلامية الاخرى.
وما يعزز من هذا الاتجاه ان العنوان السياسي لم يعد قادراً على ترويج نفسه، لذا لا بد من الذهاب الى البعد الديني. وهذا البعد في مرحلة التمذهب يذهب نحو التفكير الاسطوري، لتجنب السؤال التاريخي. وهذا اتجاه لا يقتصر على البيئة الشيعية بل له مثيله في البيئة السنية. فعندما يتحول تفسير الاحداث السياسية، الى عملية ربط ببعد نبوي وقدري فهذا يعني انك غير قادر على تفسير الاحداث واعطائها صبغة انسانية وتاريخية.
من هنا يمكن تلمس مظاهر مشابهة ايضا في ايران من خلال التجاذب الحاد بين ما يسير فيه الرئيس حسن روحاني وخصومه في المقلب الآخر. ما يحاول فرضه من عناصر تعطيل للباعث الايديولوجي لدى التيار المحافظ، عبر الذهاب الى تعبئة بديلة عناصرها المعرفة والاقتصاد والانفتاح على العالم.
الذهاب نحو الأسطرة واستحضار فكرة الظهور في قراءة الاحداث السياسية هو عنصر تعبئة داخلية ايديولوجية، وهذا النمط من التفكير مظهر من مظاهر المأزق، والتركيز عليه كما يجري اليوم في مقاربة الازمة السورية وتداعياتها سيزيده اختناقاً.
(عن صحيفة البلد اللبنانية 12 شباط/ فبراير 2014)