يكاد يجمع خبراء الاقتصاد في
اليمن على أن الأموال التي نهبت خلال الفترة السابقة والمودعة في بنوك أجنبية، كانت لتشكل رافداً من روافد النهضة الاقتصادية في البلد، نظرا لضخامتها، ولاشك أنها كانت لتصبح مصدرا مهما من مصادر التمويل الذي من شأنه تحقيق العدالة الاجتماعية، ومجابهة الفقر في اليمن الذي تقدر نسبته بنحو 60%.
وحظي موضوع استرداد
الأموال المنهوبة حيزا واسعاً في أوساط النخب السياسية والقانونية في اليمن، حيث أعلن أكاديميون ومحامون يمنيون الخميس في العاصمة صنعاء، إنشاء "الشبكة الوطنية لاسترداد الأموال المنهوبة" (
أوام)، التي ضمت خمس منظمات يمنية ناشطة في مثل هذه القضايا، منها المجموعة اليمنية للشفافية.
وتمثل استعادة ثروات الشعب التي نهبت من قبل رموز الحكم السابق خلال فترة حكمهم، مطلبا ثوريا رفعه شباب ثورة "11 فبراير" في مختلف ساحات التغيير، إذ شددوا على اتخاذ كل التدابير التي من شأنها إعادة الأموال المنهوبة والمهربة إلى دول أجنبية، في حين ترفض قيادات النظام السابق هذه التهم.
وقالت شبكة "أوام" في بيان إشهارها الخميس، إن "الأموال المنهوبة تتمثل بالأصول، سواء كانت أموالا نقدية أو أراضي أو عقارات تم وضع اليد عليها بطريقة مخالفة للقانون، وتم تحويلها من الفاسدين إلى استثمارات مختلفة في الداخل والخارج".
وأضافت في البيان التي تلقت صحيفة "عربي 21" نسخة منه، أن "العالم شاهد على كبر حجم الأموال اليمنية المنهوبة وضخامتها، وما تحتويه الأرصدة في البنوك الأجنبية من ودائع لهؤلاء المفسدين والاستثمارات الضخمة في اقتصاديات دول كانت وما زالت على علم بمصادر هذه الأموال التي أتت من وسائل الفساد والنهب".
وجاء في البيان أن "الشبكة الوطنية لاسترداد الأموال المنهوبة، جاءت لتحقق هدفا مهماً من أهداف ثورة 11 شباط/ فبراير، التي تلزم باستعادة أموال الشعب اليمني المنهوبة، ومحاكمة مرتكبي جرائم النهب، من خلال تكوين قاعدة بيانات والمساعدة على إصدار التشريعات التي تمكن من استعادة هذه الأموال ومحاكمة ناهبيها، ومراقبة ومتابعة تنفيذ تلك التشريعات".
ودعا البيان الحكومة اليمنية إلى وضع الأسس القانونية التي تُسرع خطوات عملية استعادة تلك الأموال، من خلال العمل على خلق شراكة فاعلة مع منظمات المجتمع المدني لإيجاد حالة مستمرة، من رصد الأموال المنهوبة، واستعادتها، وإحالة ناهبي تلك الأموال إلى القضاء.
وكان المبعوث الأممي إلى اليمن جمال بن عمر، قد شدد في وقت سابق على أن "المجتمع الدولي سيساعد الشعب اليمني على استعادة الأموال المنهوبة من قبل النظام السابق، بما يسهم في توظيفها لصالح الشعب كونها مبالغ طائلة".
ويرى منظمو حفل الإشهار أنه يصعب تقدير حجم الأموال المنهوبة في اليمن، كما هو الشأن في أي في بلد آخر، ولكن تقديرات البنك الدولي تشير إلى أن "حجم الأموال المنهوبة في اليمن يقدر بــ50 إلى 70 مليار دولار، وتوجد معظم هذه الأموال في السعودية والإمارات وألمانيا وسويسرا وفرنسا".
وهناك عدة طرق يسعى الناشطون في هذا الموضوع على العمل بها؛ كأن يكون ذلك عبر إقامة دعاوى قضائية أمام المحاكم الدولية وخاصة في الدول الموجودة فيها الأموال، وذلك بعد ثبوت الإدانة في المحاكم اليمنية. أو عبر الطرق الدبلوماسية الضاغطة بين الحكومات، والتعاقد مع شركة من الشركات الدولية المتخصصة في التحري والبحث عن هذه الأموال المهربة. أضف إلى ذلك استخدام الآليات التي جاءت بها مبادرة "ستار" ، التي تعتمد على تضييق الخناق على اللصوص في الأماكن التي يهربون إليها الأموال، ما يؤدي إلى إسقاط أي حصانة سياسية أو دبلوماسية يتمتع بها مهرب الأموال، حتى وإن كان رئيس جمهورية.
يشار إلى أن اليمن تقدمت بطلب الانضمام إلى مبادرة "ستار" في عام 2008.
وردا على سؤال مراسل "عربي 21" في اليمن، حول الخطوات العاجلة التي ستتخذها الشبكة الوطنية لاسترداد الأموال المنهوبة، في ظل التكوين التوافقي للحكومة الحالية التي يعتبر بعض الأطراف فيها أن فتح مثل هذه الملفات يعدّ نسفًا للتسوية السياسية في البلاد، قال الدكتور محمد الأفندي رئيس المركز اليمني للدراسات الاستراتيجية الذي ترأس حفل الإشهار، إن "هذه المطالبات بدأت في التسعينيات، وأخذت بعدها الواضح بعد ثورة "11 فبراير" التي وضعت البداية الصحيحة لهذا التحرك، الذي يحتاج إلى الضغط على الحكومة الحالية أو حتى القادمة للاستجابة لهذا المطلب المهم، كون هذه الأموال حقا للشعب".
وأضاف في سياق إجابته، أن "هناك مشروع قانون استرداد الأموال المنهوبة الذي تم تقديمه إلى مجلس الوزراء، وتمت إحالته إلى لجنة متخصصة لاستكمال دراسته في صيغته الحالية حتى يتم إنزاله للمناقشة ومن ثم الإقرار النهائي".
وحظي موضوع استعادة الأموال المنهوبة باهتمام مؤتمر الحوار الوطني المنتهي، حيث تبنى فريق التنمية الشاملة بالمؤتمر محددا قانونيا يقضي باستعادة تلك الأموال.
ويعتبر البرلماني اليمني عبدالباري دغيش رئيس منظمة "برلمانيون ضد الفساد" أن "إشهار الشبكة الوطنية لاسترداد الأموال المنهوبة توجه في غاية الأهمية، ويعد شكلا من أشكال تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني".
وقال إن " فريق العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية الذي ترأسه بمؤتمر الحوار الوطني، وضع موضوع استرداد الأموال المنهوبة بسبب سوء استخدام السلطة، سواء في الداخل أو في الخارج، واحداً من أهم المحاور التي عمل عليها الفريق طيلة تسعة أشهر من عمر الحوار الوطني".
وأضاف في حديث خاص لــ "عربي 21" أن "هذا الموضوع مثل مخرجاً مهماً من مخرجات فريق العدالة الانتقالية، الذي يجب تجسيده في الواقع، من خلال إصدار قانون خاص لاسترداد الأموال المنهوبة، وعلى ضوء هذا القانون يتم تشكيل هيئة وطنية حكومية تعنى بتنفيذ هذا الموضوع، الذي يحتاج إلى وقت طويل جدا".
وأوضح دغيش أنه "لاتوجد إحصائية دقيقة بحجم الأموال اليمنية المنهوبة في الخارج"، مشيرا إلى أنهم "في منظمة "برلمانيون ضد الفساد" رسموا خطوطاً فاصلة بين المال العام والخاص".
وفي السياق ذاته أكد عبدالجليل ياسين رئيس اللجنة التأسيسية للشبكة الوطنية لاستعادة الأموال المنهوبة، أن "الاستجابة لهذا الموضوع يحتاج إلى حشد شعبي، لضمان تعاطي أكبر من قبل الدول الأجنبية ذات العلاقة بهذا الشأن".
وأضاف لــ"عربي 21" أنه "يجب أن تكون هناك قنوات رسمية تطالب باستعادة تلك الأموال، أو على الأقل منح المنظمات الفاعلة في هذا السياق شرعية المطالبة بذلك".
وبحسب ياسين، فإنهم في الشبكة الوطنية "يعكفون اليوم على دفع الحكومة إلى إقرار قانون استرداد الأموال المنهوبة، وذلك لإضفاء الشرعية على هذا التوجه من قبلهم، حتى يتسنى للبنك الدولي التفاعل معهم، وعدم حجب أي معلومات أو تفاصيل تتعلق بهذا الموضوع".
وكشف ياسين أنهم "تواصلوا مع بعض السفارات الأجنبية العاملة في اليمن، وقد لاقوا ترحيبا منهم، إلا أن دور الدولة يجب أن يكون حاضرا في هذا الإطار".
ويعتقد الدكتور محمد الأفندي رئيس المركز اليمني للدراسات الاستراتيجية أن "أبرز التحديات التي ستواجه هذا التحرك تكمن في شح المعلومات وعدم وجود الأدلة الكافية، والمعلومات عن مواقع الأموال المنهوبة.
ولفت إلى أن" تعاون الجانب الحكومي قضية جوهرية".
وشدد في حديث خاص لــ"عربي 21" على أن "مايتعلق بالمال العام هو قضية جنائية ليس لها علاقة بقانون الحصانة الذي منح لرأس النظام السابق بعد أن أطاحت به ثورة 11 فبراير في 2011".
هذا وكان وزير الشئون القانونية اليمني محمد المخلافي، قال في تصريحات صحفية، إن" قانون استرداد الأموال المنهوبة التي ناقشته الحكومة في 5 شباط/ فبراير الجاري، هو جزء من مخرجات مؤتمر الحوار، خاصة فيما يتعلق باسترداد الأموال".