قالت صحيفة "
نيويورك تايمز"، إن ما بدأ قبل أشهر كعملية قمع وملاحقة لمؤيدي الإخوان المسلمين والرئيس المعزول محمد مرسي، تطور إلى حملة قمع واسعة وعمليات اعتقال لكل من يتجرأ على نقد النظام الحالي من كل الألوان والأعمال، فقد اعتقلت
السلطة الحاكمة أعدادا من الصحافيين ومخرجي الأفلام والمصورين وكتاب المدونات على الإنترنت.
وكان مراسل الصحيفة في القاهرة كريم فهيم، يعلق على محاكمة صحافيي
الجزيرة الثلاثة الذين أطلقت عليهم صحف وإعلام الحكومة الرسمي والمؤيد اسم "
خلية ماريوت". وقال: "جلس الرجال الثلاثة الذين كانوا يرتدون زي السجن مقيدين في قفص الاتهام المخصص عادة للمجرمين، وجلسوا يستمعون لقائمة من الاتهامات النارية التي تتحدث عن مساعدتهم مؤامرة تستهدف الأمن القومي".
وقال المراسل إن عريضة الاتهام ربطتهم بجماعات إرهابية. وقبل ظهورهم أمام المحكمة أمس (الخميس) سجن الرجال الثلاثة لأسابيع مع آخرين تعتبرهم الحكومة من أخطر المعارضين، وقد يحكم على كل من هؤلاء الثلاثة بالسجن خمسة عشر عاما، إن قررت المحكمة إدانتهم.
ويعلق فهيم: "لكن المتهمين الثلاثة ليسوا إلا صحافيين متمرسين، وكل جريمتهم هي أنهم كانوا يعدون تقارير لقناتهم؛ الجزيرة الإنجليزية، قبل حضور ضباط أمن الدولة للفندق الذي استخدموه كاستديو مؤقت، حيث اعتقلوهم ورموهم في السجن".
ويقول إن "الاتهامات الموجهة ضدهم هي من أكثر الاتهامات خطورة. وفي الذاكرة القريبة حسب منظمات حقوق إنسان تعتبر جزءا من سياسة توسيع القمع الذي تقوم به الحكومة المدعومة من الجيش، التي اعتقلت أعدادا من المراسلين والمصورين وصناع الأفلام والمدونين".
ويضيف أن "ما بدأ قبل أشهر كحملة اعتقالات جماعية واضطهاد لمعارضي الحكومة من الإخوان المسلمين توسع وبشكل تدريجي إلى حملة تستهدف كل من ينظر إليه كناقد من أي لون. وفي المحصلة فقد تم اعتقال الآلاف من الأشخاص، معظمهم من الإسلاميين، وهناك عدد من الناشطين المعروفين الذين شاركوا في الانتفاضة التي أطاحت بنظام حسني مبارك، الكثيرون منهم لا يزالون ينتظرون المحاكمة".
ويقول فهمي، إن "هناك 60 صحافيا على الأقل تم اعتقالهم منذ الانقلاب الذي أطاح بالرئيس محمد مرسي، وهذا الرقم قائم على أرقام لجنة حماية الصحافيين في نيويورك. تسعة لا يزالون في المعتقل، ومعهم مدون يمني تم اعتقاله أثناء محاولته إعداد لقاءات مع المشاركين في معرض للكتب".
وكتب بيتر غيرست؛ أحد المعتقلين الثلاثة من صحافي الجزيرة: "هذا قرار خطير"، وهو لا "يشرِّع الهجمات على وعلى زميلي فقط، بل وعلى حرية التعبير في
مصر".
وبعيدا عن غيرست وزميليه محمد فضل فهمي وباهر محمد، فإن هناك 17 صحافيا معتقلين في نفس القضية، بمن فيهم طلاب ظهروا في المحكمة يوم الخميس. وتتضمن لائحة الاتهامات أشياء مثل حيازة مواد تروج للإرهاب- ربما أدبيات للإخوان المسلمين- وبث مواد تقول الحكومة إنها تصور البلد على أنه في حالة حرب أهلية.
ويقول الكاتب إن المحاكمة تعكس المواجهة المستمرة بين حكومة مصر وبين قطر التي تملك قناة الجزيرة؛ ذلك أن الحكومة المصرية تتهم قطر بحماية قادة الإخوان المسلمين وتوفر لهم الملجأ والمنبر لانتقادها. وكانت الحكومة المصرية قد أغلقت كل مكاتب الجزيرة في مصر، والجزيرة مباشر، واعتقلت عددا من صحافييها منهم عبدالله الشامي الذي أعلن إضرابا عن الطعام.
وظل صحافيو القناة الإنجليزية التي تلتزم بخط مستقل في التحرير يعملون في مصر، فعندما انضم فهمي للقناة في أيلول/ سبتمبر، أكد لعائلته أن القناة الإنجليزية يُنظر إليها نظرة إيجابية في مصر.
وفهمي الذي يحمل الجنسية الكندية، وعمل قبل ذلك في عدد من المحطات العالمية المهمة مثل "سي أن أن"، وكتب في "نيويورك تايمز"، وألف كتابا عن ثورة "25 يناير"، عمل مديرا لمكتب القناة في القاهرة. أما باهر محمد، فينحدر من عائلة صحافية، وعمل منتجا غير متفرغ مع قناة الجزيرة لمدة سبعة أشهر. أما غيرست، فهو صحافي أسترالي عمل سابقا في هيئة الإذاعة البريطانية؛ "بي بي سي". وكان يعمل من نيروبي واعتقل أثناء عطلة أعياد الميلاد في القاهرة.
وأشار التقرير إلى الفيديو الذي بثته محطات تلفازية بعد اعتقال الثلاثة، وظهر فيه ضباط الأمن وهم يحققون مع غيرست وفهمي وقد بدا على الاثنين الدهشة، أما باهر محمد فقد اعتقل في ليلة لاحقة عندما قام الأمن بمداهمة بيته، وقتل كلب العائلة "غاتسبي".
ويقول التقرير إن المسؤولين المصريين شبَّهوا حملة ملاحقة وقمع الصحافيين بالحملة التي قام بها باراك أوباما على من سربوا وثائق لها علاقة بالأمن القومي، وفي حالة صحافيي الجزيرة الإنجليزية أكدوا أن الثلاثة كانوا يعملون دون تصريح.
ونقل عن هيذر ألين، مسؤولة الأخبار في القناة التي حضرت الجلسة، قولها إن المسؤولين المصريين أخبروها أن القناة لا تعمل بطريقة غير شرعية.
ويضيف التقرير أن الرواية الرسمية عن اعتقال صحافيي الجزيرة تقدم ضوءا على حالة الصحافية الهولندية التي أجبرت على الهرب من مصر، حيث ذكر اسمها كمتهمة في القضية مع أنها لا تعمل لصالح الجزيرة، وحدث ذلك فقط لأنها قابلت فهمي.