رصدت منظمات دولية استخدام قوات النظام السوري نوعا جديدا من الصواريخ التي تحمل قذائف عنقودية محظورة دوليا، وخصوصا في بلدة
كفرزيتا في ريف
حماة الشهر الجاري.
وقالت منظمة
هيومن رايتس ووتش إنها أجرت تحليلا لبقايا أحد هذه الصواريخ التي لم تشاهد من قبل في
سورية، وتبين أنه صاروخ أرض- أرض "9إم55كيه" عيار 300 مم، روسي الصنع.
وأكدت المنظمة إن "الاستخدام الجديد للذخائر العنقودية (يتسبب) في خسائر مدنية، كما يضيف إلى ميراث البلاد، المروع بالفعل، من الذخائر غير المنفجرة".
وقال ستيف غوس، مدير قسم الأسلحة في المنظمة: "من المروع أن تستمر القوات الحكومية السورية في استخدام الذخائر العنقودية المحظورة على شعبها. إن
القنابل العنقودية تقتل مدنيين سوريين الآن، وتهدد السوريين لأجيال قادمة".
وتقول المنظمة في تقرير حديث لها، إن الأدلة تشير إلى قيام قوات النظام السوري باستخدام الصواريخ المحتوية على ذخائر انفجارية صغيرة في هجمات على كفرزيتا، في ريف حماة الشمالي، يومي 12 و13 شباط/ فبراير الجاري. ويُعد الصاروخ المستخدم حديثا أكبر أنواع الصواريخ الخاصة بالذخائر العنقودية التي تم استخدامها في سورية حتى الآن، ويحتوي على ذخائر صغيرة أشد قوة وفتكاً من أنواع الذخائر الصغيرة الأخرى.
وتسببت الهجمات على كفرزيتا باستخدام القذائف العنقودية في مقتل ما لا يقل عن اثنين من المدنيين وجرح ما لا يقل عن 10 آخرين.
وتُظهر صور فوتوغرافية لبقايا الصواريخ حصلت عليها هيومن رايتس ووتش؛ أجزاء من صاروخ أرض - أرض "9إم55كيه" عيار 300 مم، بما فيها أجزاء من محرك الصاروخ ومستودع الحمولة به ومخروط المقدمة، والوصلات المرتبطة بها. كما توجد صور لذخيرة صغيرة اسطوانية غير منفجرة من طراز "9إن235" الانشطاري المضاد للأفراد، وهو الطراز الذي يحمله صاروخ "9إم55كيه"، مع علامات تشير إلى تصنيع الذخائر الصغيرة في 1991.
ويُطلق صاروخ "9إم55كيه" من منصة "سميرتش بي إم-30" (وسميرتش تعني الإعصار بالروسية) التي تمثل نظاماً صاروخياً متعدد الإطلاق صممه الاتحاد السوفييتي وقام بتصنيعه في البداية في أواخر ثمانينيات القرن العشرين، ثم تابعت تصنيعه وتصديره شركة "سبلاف" التابعة للدولة الروسية منذ عام 1991 فصاعداً.
وبحسب الشركة المصنعة، تتضمن منصة "سميرتش بي إم-30" اثني عشر أنبوباً للإطلاق ويمكنها إطلاق ما يصل إلى 12 صاروخاً من طراز "9إم55كيه" في الدفعة الواحدة، ويحتوي كل منها على 72 ذخيرة صغيرة مفردة من طراز "9إن235". ولم يكن يعرف عن نظام "سميرتش بي إم-30" أنه في حوزة الحكومة السورية، كما لم يسبق توثيق استخدام الصاروخ "9إم55كيه" وذخائر "9إن235" الصغيرة في الحرب. أما قواعد البيانات الموثوقة مفتوحة المصدر المتعلقة بحيازة ونقل المعدات العسكرية لدى "المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية" و"معهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام" فلا تدرج سورية كدولة حائزة لمنصة "سميرتش بي إم-30".
ونقلت هيومن رايتس ووتش عن ناشط محلي من حماة أنه شهد سقوط هذه الصواريخ يومي 12 و13 شباط/ فبراير في كفرزيتا. وقال إن صواريخ سقطت عصر يوم 12 شباط/ فبراير "على الجانب الشرقي من كفرزيتا، فوق حي يدعى مقسم الهاتف. هناك ساحة صغيرة وقد سقط الصاروخ هناك. وأطلق الصاروخ قنيبلات صغيرة عند انفجاره في الجو. لم أر أية مروحيات أو طائرات حربية في توقيت الهجوم أو قبله. لم ينفجر أحد الصواريخ، وقام خبراء عسكريون بتفكيك الصواريخ فوجدوا العشرات من القنيبلات. وأزالوا الفتيل من كل واحدة منها".
ويضيف الناشط: "انفجر صاروخ آخر في منتصف المسافة في الجو وأطلق قنيبلات أصابت أشخاصاً بينهم سيدات وأطفال، وقتلت أحد النازحين من قرية مورك القريبة. لم تحدث أية تلفيات للبنية الأساسية إلا بسبب الشظايا. أذكر أنني رأيت ما لا يقل عن 10 مصابين، ولكن قيل لي إن العدد أكبر بكثير. لم أر إصابات إلا من الشظايا لكنني لم أر أية أطراف مبتورة".
وقال الناشط لهيومن رايتس ووتش إنه يعتقد أن الصواريخ أطلقت من مطار حماة الذي يقع على مسافة تقل عن 30 كيلومتراً جنوبي كفرزيتا.
وبحسب الشركة الروسية المصنعة للمنصة، تستطيع منصة "سميرتش بي إم-30" إطلاق صواريخ "9إم55كيه" من مدى يبلغ حده الأدنى 20 كيلومتراً وحده الأقصى 70 كيلومتراً.
وفي اليوم التالي، يقول الناشط: "سقط صاروخان على الجزء الشمالي (من كفرزيتا) بجوار طريق المعصرة، فأصابا عدة أشخاص. لم تحدث وفيات. رأيت رجلاً في الخامسة والستين يصاب جراء شظايا في كتفه، وتصاب زوجة ابنه في ساقها. انفجر الصاروخان لكنهما تسببا بدورهما في أضرار محدودة للبنية الأساسية. وانطلق الصاروخان أيضاً من مطار حماة. لم تكن هناك طائرات تطير قبل الهجوم أو بعده. تم أخذ المصابين إلى المستشفى الميداني".
وقال الناشط المحلي إنه تم جمع ما لا يقل عن 20 ذخيرة صغيرة غير منفجرة بعد هجمات الصواريخ في اليومين المذكورين.
وأبلغ طبيب محلي المنظمة بأنه شهد بدوره هجمات الصواريخ على كفرزيتا. وقال إن الهجمات قتلت اثنين على الأقل من المدنيين، هما طفل يدعى عبد الرحمن رامي المحمود وعمره 3 أو 4 أعوام، ورجل اسمه محمود طلال الدالي وعمره نحو 25 عاماً، كما جُرح 10 مدنيين آخرين.
وتقول هيومن رايتس ووتش إنه منذ سيطرة الثوار على كفرزيتا في كانون الأول/ ديسمبر 2012، "صارت البلدة هدفاً للغارات الجوية للحكومة السورية، بما في ذلك البراميل المتفجرة والقصف المدفعي". لكن لم تكن هناك أهداف للجيش السوري الحر في أحياء كفرزيتا التي أصابتها الصواريخ الأخيرة.
ونشرت هيومن رايتس ووتش عددا من تسجسيلات الفيديو والصور التي تظهر استخدام النوع الجديد من الصواريخ وبقايا القنابل العنقودية التي تحملها.
وأكد المنظمة أنه "من المستبعد أن تستطيع قوات المتمردين الحصول على عربة الإطلاق ذات العجلات الثماني والتي تزن 43700 كيلوغرام، أو تشغيل النظام المعقد الخاص بالتحكم في الإطلاق، بدون الكثير من التدريب أو الوقت لإجراء مناورات تدريبية. ولا توجد أدلة مصورة بالفيديو أو مزاعم مكتوبة تفيد بسيطرة أية جماعة متمردة على منصات "بي إم-30"، أو العربة ذات الوزن المماثل الخاصة بإعادة تلقيمها، أو أية صواريخ أرض-أرض عيار 300 مم مثل صاروخ 9إم55كيه".
ونقلت المنظمة عن إليوت هيغينز المسؤول عن مدونة "براون موزيز"، والتي تتعقب الأسلحة المستخدمة في سورية، أنه تمكن من التعرف على نظام "سميرتش بي إم-30" بما فيه صواريخ "9إم55كيه" وذخائر "9إن235" الصغيرة المستخدمة في كفرزيتا، وخلص إلى أنه "يبدو من المستبعد أن يكون الصاروخ قد جاء من أي مصدر آخر" بخلاف الجيش السوري". كما تمكن ن. ر. ينزن-جونز ويوري ليامين المنتميان إلى "خدمات بحوث التسليح"؛ من التعرف على أنظمة الأسلحة وقررا أنه "لم يتضح كيف حصلت سورية على تلك الذخائر، ولا الأنظمة اللازمة لإطلاقها" لكنهما لاحظا أن روسيا هي "المصدر الأرجح لتلك الأنظمة في سورية".
وبحسب الأدبيات المرجعية المعتمدة، تم نقل نظام "سميرتش بي إم-30" إلى الجزائر والهند والكويت والإمارات العربية المتحدة، بينما ورثته أذربيجان وروسيا البيضاء وتركمنستان وأوكرانيا أو حصلت عليه بعد تفكك الاتحاد السوفييتي".
ووثقت هيومن رايتس ووتش استخدام الحكومة السورية للذخائر العنقودية منذ 2012. ومع اكتشاف صاروخ "9إم55كيه" يكون قد تم تسجيل ما مجموعه سبعة أنواع من الذخائر العنقودية المستخدمة من قبل النظام السوري.
وتقول المنظمة: "يبدو أن كافة الذخائر العنقودية المستخدمة في سورية قد تم تصنيعها في الاتحاد السوفييتي باستثناء صاروخ صقر عيار 122 مم أرضي الإطلاق مصري الصنع المحتوي على ذخائر صغيرة مزدوجة الغرض مضادة للأفراد والمعدات. ولا توجد معلومات متاحة عن كيفية أو توقيت حصول سورية على هذه الذخائر العنقودية".
ويعتبر الصاروخ "9إم55كيه" أكبر حجما، "بينما تعمل كتلة الشظايا المحتواة داخل ذخائر "9إن235" الصغيرة على إكسابها قوة وفتكاً أكبر من غيرها من أنواع الذخائر الصغيرة. ورغم تصميم الذخائر الصغيرة للانفجار بمجرد الاصطدام إلا أن كل واحدة منها مزودة بآلية حرارية احتياطية للتدمير الذاتي مصممة لتدميرها بعد دقيقتين من طردها من الصاروخ". أما "جسم الذخيرة الصغيرة التي يبلغ وزنها 1,8 كيلوغرام فهو مبطن بقياسين من الشظايا سابقة التجهيز، 300 شظية زنة نصف غرام، و95 زنة 4,5 غرام. وتبلغ كتلة الشظايا الأخيرة نفس كتلة رصاصة مسدس من عيار 9 مم تقريباً".
ولم يوقع النظام السوري على اتفاقية حظر استخدام وإنتاج القنابل العنقودية لعام 2008. وقد تم حظر الذخائر العنقودية بسبب تأثيرها العشوائي واسع النطاق في توقيت استخدامها، والمخاطر التي تمثلها للمدنيين على المدى الطويل. يمكن إطلاق الذخائر العنقودية بالمدفعية وأنظمة الصواريخ أو إسقاطها من الطائرات، والمعتاد أن تنفجر في الجو ناثرة العشرات، بل حتى المئات من الذخائر الصغيرة أو القنيبلات فوق مساحة تعادل مساحة ملعب لكرة القدم. وكثيراً ما تخفق الذخائر الصغيرة في الانفجار عند الاصطدام المبدئي، مخلفة قنابل غير منفجرة تعمل عمل الألغام الأرضية.
ومنذ تحول اتفاقية الذخائر العنقودية إلى قانون دولي ملزم في 2010، تم تأكيد قيام ثلاث حكومات باستخدام تلك الأسلحة، وكلها من الدول غير الموقعة على الاتفاقية، وهي سوريا وليبيا وتايلاند.