في علاقة الدين بالدولة، وفي تحديد فلسفة الحكم الإسلامي، اتفق المسلمون على أن الإسلام دين ودولة، لم يدع ما لقيصر لقيصر مكتفيا بما لله.
وإذا كانت الليبرالية لا بد لإقامتها من دولة ليبرالية، والاشتراكية لا بد لإقامتها من دولة اشتراكية، والعلمانية لا بد لإقامتها من دولة علمانية، فكذلك الإسلام لا بد لإقامته من دولة إسلامية.
ولقد وقفت فلسفة الإسلام في الحكم عند الثوابت والأصول، تاركة المتغيرات والفروع للاجتهادات التي تراعي ملابسات الزمان والمكان.
ومن علماء الإسلام الذين طرقوا هذا المبحث في عصرنا الحديث الإمام الشيخ محمود
شلتوت (1310 - 1383 هـ، 1893 م- 1963م) الذي كتب عن مبادئ الإسلام في الحكم، فقال إنها هي:
السيادة: لله وحده، لأنه الخالق المالك، وهي في كل شعب للشعب نفسه بعد الله الذي استخلفه في وطنه.
الحكم: لله، وهو حقه وحق الشعب يباشره نيابة عن الله.
الحاكم: وكيل للأمة، وليس له عليها سيادة، بل هي سيدته، وهو خادمها الأمين.
الشورى: أساس الحكم، وكل حكم لا يقوم على الشورى لا يكون شرعيا.
التضامن الجماعي: الأفراد جميعا يتضامنون في المسئولية عن صوالحهم وصوالح الدين والدولة.
الرقابة الشعبية: حق للأمة أن تراقب حكامها، وتحاسبهم وترسم لهم خطوط تدبير مصالحها وتشرف على التنفيذ، وتعدله حسب مصلحتها.
عزل الخليفة: للأمة إذا جار وظلم وظهر غشمه ولم يرعوي لناصح أو زاجر، فإن رفض العزل عزلته بالقوة، ولو أدى ذلك إلى نصب الحرب وشهر السلاح في وجهه إذا رأت الأمة ذلك من مصالحها.
أهل الحل والعقد: هو أهل العلم والرأي والخبرة في نواحي النشاط الحيوي بالأمة، وهم لسانها المعبر عن رضاها وسخطها، ومن حقهم ترشيح أصلحهم للخلافة، وتقديمه للأمة لترى رأيها فيه عن رضا وإختيار دون ضغط أو قهر، ومن حق كل مسلم أن يكون له رأي في إختيار الخليفة، والإمام ليس معصوماً من الخطأ، ولا هو مهبط الوحي، ولا أثرة له بالنظر والفهم، وليس له سوى النصح والإرشاد، وإقامة الحدود والأحكام في دائرة ما رسم الله، وهو نائب في وظيفته عن الأمة، توليه وتبقيه، وتطيعه ما دام قائما بمهمته، وقائما على حدود الله، وتعزله إذا انحرف عن الحدود واقتحم حدود الله.
وكما أن هذا وضع الخليفة، فهو وضع القاضي والمفتي، وشيخ الإسلام و"الملا"، فوظيفة القاضي لا تعدو الفصل في الخصومات، ووظيفة المفتي لا تعدو بيان المسائل التي يسأل عنها، وفتواه ليست ملزمة لمن يستفتيه، وللمستفتي مطالبته بالدليل، وله أن يستفتي غيره ممن يطمئن إلى علمه.
أما شيخ الإسلام أو "الملا" فإن المسلمين لا يعرفونهما إلا لقبين علميين شاع في بعض العصور والأقطار إطلاقهما على من عرفوا في بيئاتهم بامتياز خاص في علوم الدين والشريعة، ولا يرتبط بهما حق تحليل أو تحريم في الشريعة، وليس لهما من حق في العصمة من الخطأ، بل لا يعرفهما الإسلام".
هكذا لخص الإمام الشيخ محمود شلتوت معالم
نظام الحكم في الإسلام، بهذه السطور التي مثلت "متناً" شديد الإيجاز، وبالغ الدقة، مؤكداً على أن الدولة الإسلامية مرجعيتها الشريعة، وأن الأمة مستخلفة عن الله سبحانه وتعالى في ممارسة السيادة والحكم، فالسيادة لله وحده والحكم لله وحده، والأمة مستخلفة عن الله في إقامة هذه السيادة وممارسة هذا الحكم، فهي فلسفة إسلامية فريدة، لا هي العلمانية التي تحرر الأمة والدولة من الدين، ولا هي الكهانة الثيوقراطية التي تحكم بالنيابة - المزعومة - عن السماء، متجاهلة سلطة الأمة وشوراها.
ولقد فصل الشيخ شلتوت هذه المعالم في إبداعاته الفكرية، فبرهن على أنه فيلسوف في الفكر السياسي، إلى جانب إمامته في الفقه وتفسير القرآن الكريم.