قالت صحيفة "
نيويورك تايمز"، إن
ليبيا في مرحلة ما بعد
القذافي مصابة بداء
الاغتيالات السياسية التي تعتبر عقبة أمام بناء دولة مستقرة وديمقراطية. وهي وإن أشارت إلى اغتيالات تقوم بها جماعات إجرامية ومؤيدة للنظام السابق، إلا أن الاغتيالات السياسية تظل الأكثر انتشارا.
وترى أن أكثر مدينة في ليبيا تعاني منها هي مدينة
بنغازي التي انطلقت منها الانتفاضة ضد القذافي. ولا يقتصر الاغتيال على الليبيين فقط، لكنه كذلك يضم الدبلوماسيين الغربيين والأجانب والتجار المصريين.
وتشير الصحيفة في البداية إلى قصة القاضي جمال بن نور، أحد قيادات الثورة الليبية، وهو الذي تحولت الثورة في نظره إلى كابوس يوم رأى زميله المحامي عبد السلام المسماري يقتل برصاص في رأسه.
وأردفت أن هذا كان في تموز/ يوليو الماضي، بعد إسقاط نظام القذافي بسنتين تقريبا وبعد سنة من مغادرته الحكومة التي سلمت السلطة للمؤتمر الوطني العام. وقد توقف الصديقان معا بعد إنهاء صلاة الجمعة في مسجدهما في بنغازي، وبينما هما يمشيان معا إلى البيت أطلق مجهول الرصاص على السيد مسماري من سيارة دفع رباعي مسرعة وأصابه في الصدر. يقول صديقة: "كانت مجرد لحظة.. وخسرنا عبد السلام كان الأمر صعبا".
وتضيف الصحيفة، أن ليبيا عانت من سفك الدماء على نطاق واسع بعد ثورة ،2011 فقد قتل ما يزيد على 1200 شخص على مستوى البلاد في السنتين الماضيتين. ضحايا انتقام وتنازع على السلطة وتزايد في الجريمة.
وظلت الحكومة مكتوفة الأيدي بسبب الخلافات السياسية في المؤتمر الوطني العام المنتخب. ومع وجود بعض المجموعات التي تدعمها الميليشيات، كما وأبقى الصراع على السلطة رئيس الوزراء علي زيدان تحت تهديد الإقالة لشهور، قبل أن يتم التصويت على إقالته يوم الثلاثاء، وظلت البلاد بدون وزير داخلية منذ آب/ أغسطس عندما استقال وزير الداخلية السابق.
وتضيف الصحيفة أن أكثر الأماكن تضررا كانت المدينة الثانية في ليبيا وهي بنغازي، حيث ولدت الثورة. فقد تم اغتيال أكثر من 100 شخصية بارزة خلال عامين، من مسؤولين أمنيين إلى قضاة وناشطين سياسيين. وفتكت موجة القتل بالقيادات المحلية وشلت عمل الحكومة وقوات الأمن.
وبنغازي هي المكان الذي قتل فيه السفير الأمريكي جي كريستوفر ستيفنز وثلاثة أمريكيين، عندما هوجمت السفارة وملحقيتها في أيلول/ سبتمبر 2012. ويشتكي السكان المحليون من وجود العديد من الميليشيات والمجموعات الإسلامية التي تحتفظ بقواعد في المدينة، وبعضها لعب دورا في الهجوم على السفارة.
وتنسب بعض حالات القتل إلى التهريب والجريمة المنظمة، وإلى المئات من المجرمين الذين هربوا من السجون خلال الثورة، وإلى كميات السلاح المنهوبة والموجودة في الشارع.
لكن الاغتيال السياسي أخذ شكلا ممنهجا، حيث يعتقد المسؤولون والمشرعون والناشطون من المنطقة أنها حملة تهدف إلى تحطيم آمال ليبيا في بناء دولة ديمقراطية مستقرة وفاعلة. وكان السيد مسماري الذي اغتيل في تموز/ يوليو زعيما لتجمع "17 فبراير"، وهي مجموعة من المحامين والناشطين تزعموا الحكومة في بنغازي خلال الثورة.
وبعد ثلاث سنوات من الثورة، هرب كثير منهم من مدينتهم. يعلق بن نور على هذا قائلا: "اضطر معظم الناس للمغادرة.. وكثير تركوا ليبيا لمحاولة الحصول على لجوء سياسي".
ونجا القاضي بن نور نفسه من محاولة اغتيال، قبل اغتيال السيد مسماري بعشرة أيام. وقد وصلته تهديدات كثيرة على هاتفة الجوال، ما اضطره إلى مغادرة بنغازي ونقل عائلته إلى طرابلس. ويعيش في مخبأ بعيدا عن عائلته.
ويزداد القتل مع مرور الوقت في بنغازي. وكان ضحاياه الأوائل هم المسؤولون الأمنيون السابقون في نظام القذافي. ولكن وبشكل متزايد يتم استهداف ضباط الشرطة الشباب بحسب مصدر دبلوماسي غربي طلب عدم ذكر اسمه التزاما بالبروتوكول الدبلوماسي.
كما استهدفت القنصليات الأجنبية والعمال المهاجرون في محاولة لتخويف حلفاء ليبيا الجديدة بما في ذلك الدبلوماسيين والعمال من دول الجوار مثل مصر وتونس.
فخلال أسبوع واحد من فترة قصيرة تم اختطاف وإعدام سبعة تجار مصريين، وقتل مهندس فرنسي وستة ليبيين بالرصاص. كما جرح عدد آخر في محاولات قتل.
وعندما قتل أربعة أو خمسة ليبيين في يوم واحد، تظاهر سكان بنغازي وأشعلوا الإطارات وأعلن سلك القضاء الإضراب عن العمل.
يقول القاضي بن نور: "نحن لم نتوقف عن العمل حتى خلال الحرب.. والمشكلة هنا أنه لا يوجد جيش ولا أمن. فكيف يمكن أن تطلب من القاضي أن يعمل عندما لا تستطيع حمايته؟".
وأضاف أنه رأى قاتل السيد مسماري من مسافة ياردات قليلة، وقال إن القاتل شكله شكل مجرم عادي في الثلاثين من عمره حليق الذقن، ويلبس قميصا (تي شيرت) ولكنه يبدو ذكيا ومدربا تدريبا جيدا. وقال إن الجريمة المنظمة ومؤيدي القذافي والإسلاميين كلهم لهم مصلحة في فشل الثورة.
لكنّ من يتابعون حملة الاغتيالات عن كثب يرونها كمحاولة لتصفية الخصوم السياسيين في القيادة المحلية، شبيهة بحملات ماضية قامت بها القاعدة في مناطق القبائل في باكستان وفي العراق.
ويقول عضو في المؤتمر الوطني العام في لجنة الأمن: "إنها عملية ممنهجة للقضاء على فرصة إقامة دولة حديثة"، وتحدث شريطة ألا يذكر اسمه لأنه يخشى من عواقب الحديث عن المجموعات المتطرفة.
وقال إن "أسلوبهم هو الإرهاب، فكلما أخفت المزيد من الناس فلن يكون لديك جيش ولا شرطة ويستطيعون حينها السيطرة المنطقة".
وفي بلدة درنة شرق بنغازي، وهي التي تعرف بأنها مركز للثقافة تهاجم المجموعات المتطرفة حتى الإسلاميين المعتدلين الذين يدعمون التحول الديمقراطي. ويذكر عضو المجلس من درنة عن حزب العدالة والتنمية الإخواني منصور حصادي، أنه اتصل بالإذاعة المحلية عام ،2011 بعد اغتيال أحد رجال أمن القذافي وأدان الاغتيال.
يقول "أدنت الاغتيال، وقلت إننا لا نريد أي قتل خارج القانون كما كان يفعل القذافي. وبعدها بدأت الظاهرة تتنامى".
ويضيف حصادي، أن معظم الاغتيالات في درنة ذات طابع أيديولوجي، وتقوم بها مجموعات متطرفة رفضت دائما أن تنضم للثورة. وقد استهدفت هذه المجموعات حزب العدالة والتنمية وفجروا مقارهم وسياراتهم.
وازدادت التهديدات لحصادي قبل 3 أشهر بسبب ظهوره الإعلامي. وقام خطيب بشجبه بالاسم في اعتصام بإحدى الساحات، وقال إنه (أي حصادي) معارض للشريعة، وكأنه يدعو إلى استخدام العنف ضده. يعلق حصادي قائلا: "كنت مطلوبا من القذافي والآن أنا مطلوب من هؤلاء الناس".