كتب روبرت
فيسك في صحيفة "إندبندنت" البريطانية، معلقا على قرار الرئيس
الجزائري عبد العزيز
بوتفليقة (77 عاما) ترشيح نفسه لولاية رابعة في الانتخابات الرئاسية الشهر المقبل، أنه يأتي في ظل أوضاع اقتصادية وتحولات اجتماعية وغضب شعبي على القرار من الرئيس الذي يحكمهم منذ 15 عاما. مع أن نقاد الرئيس يقترحون أنه لم يفقد القدرة على الحكم فقط، بل وعلى النطق معا، فلم يكن بإمكانه الإعلان عن اسمه وكان على رئيس حكومته عمل هذا من خلال وكالة أنباء الجزائر.
ويقول فيسك، إن شيئا مهما لم يحدث في الجزائر منذ رحيل الفرنسيين عام 1962؛ فقد زادت ثروة البلاد من الغاز والنفط، لكن سكانها سقطوا في خراب صناعي وثقافي. فنسبة العاطلين عن العمل مثيرة للخزي مثل ثروتها الكبيرة، لأن الجزائر كان يجب أن تكون "دبي" التي تتلألأ أضواؤها على البحر المتوسط، بدلا من سفينة كولوينالية هالكة تصدأ وتبدد ثروتها.
ويشير الكاتب هنا إلى طبيعة النقد الموجه لـ"بوتفليقة"، حيث ينقل ما كتبه كامل داوود وهو محرر الصحيفة الإلكترونية "فوكس" الناطقة بالفرنسية، وقال: "العار عليك يا بوتفليقة، ألاّ تستحي من شهدائنا، ولا تستحي من عمرك ولا تخجل من مرضك ومما فعلته بالبلاد. لقد أهنت بلادنا، لقد دفعتنا للمنفى لأنك اخذت بلدنا منا...ماذا تريد منا؟ مالاً أكثر؟ حمدا أكثر؟ مجدا أكثر؟ سنعطيك كل هذا؛ لكن قل لنا، ماذا تريد من ثمن؟ لماذا تريد أن تأخذ بلدك للقبر، وتدفنها حية معك؟".
ويعلق فيسك، بأن هذا كلام قوي في بلد يقوم فيه الجنرالات بدفع رئيس البلاد حيا كان أم ميتا. وفي الجزائر، على الصحافيين أن يكونوا أكثر حرصا في كل ما يقولون، وبخاصة أن بوتفليقة قرر ترشيح نفسه للرئاسة. ويقول إن داوود يعبر عن مواقف الجزائريين. وكتب داوود في مقال يخاطب بوتفليقة: "في الوقت الذي يبحث فيه العالم عن الحرية فإنك حولتنا بجنونك عبيدا".
ويستطرد فيسك قائلا، إن الرئيس بوتفليقة يظل بيروقراطيا وليس بطلا في جبهة التحرير الوطني الجزائرية، و"معركته" من أجل الاستقلال كانت كمسؤول على الحدود المغربية مع الجزائر وليس مقاتلا في الميدان. و"إنجازه"، الحقيقي هو وقفه للحرب الأهلية التي أنهت مواجهات في التسعينيات أدت لمقتل 250 ألف جزائري، واستطاع بوتفليقة الحرب بعد أن أعفى المسؤولين الآمنين من المحاكمات، مع أنهم ارتكبوا جرائم تعذيب مقابل عدم تقديم المسلحين الذي يسلمون أسلحتهم للمحاكم.
ويعتقد فيسك أن ما يبدو إنجازا ليس صحيحا، فقد ترك زملاءه من الجيش يديرون كل شيء في البلد (يجب أن لا نذكر مصر اليوم) وهم الذين أقنعوه بالترشح للانتخابات مع أنه أصيب بسكتة قلبية وقضى أشهرا في فرنسا للعلاج، وعلى ما يبدو فإنه لم يتعاف منها أبدا. وعليه فهذا البلد الغني بثرواته الطبيعية والبشرية مجبر على التدهور والتعفن لمدة خمسة أعوام أخرى في ظل بوتفليقة، الذي لم يكن مجبرا على خوض حملات انتخابية، بحسب رئيس وزرائه عبد المالك السلال الذي قال، إن الآخرين يمكنهم القيام بحملات نيابة عن الرئيس المريض.
وأشار للحرب الكلامية المستعرة بين الجنرالات (معظمهم زاد وزنهم) والتي وصلت الإعلام. فمدير المخابرات محمد مدين الذي قاتل في حرب الاستقلال وعلى ما يبدو لا يحبه بوتفليقة، خسر أرضية أمام رئيس هيئة الأركان الجنرال أحمد صلاح الجيد، الذي يستطيع تعيين قادة الوحدات العسكرية ويحد من دور دائرة المخابرات العامة التي يديرها مدين. وفي الوقت الحالي، فإن على بوتفليقة المسكين الانتظار حتى يقرر الجنرالات هوية الرئيس القادم، ومع ذلك يُحتفى به باعتباره الرجل الذي وضع حدا للحرب الأهلية التي اندلعت، نتيجة لقرار الجيش إلغاء الجولة الثانية من الانتخابات التي فاز الإسلاميون فيها.
ونقل الكاتب في نهاية مقاله تعليقات الصحافة الجزائرية على قرار بوتفليقة الترشح للانتخابات، فقد اقترحت صحيفة "الوطن" التي تعتبر من أهم الصحف الجزائرية توزيعا منح الرئيس بوتفليقة جائزة الأوسكار على فيلم قالت إن اسمه " الولاية الرابعة".
ويختم بالقول، إن بوتفليقة استطاع منع وصول الثورات العربية أو
الربيع العربي للجزائر من خلال رفع رواتب موظفي الحكومة والتخفيف من أزمة الإسكان المثيرة للخجل. وهذا أمر جيد كما يقول فيسك.
لكنّ ما منع الربيع العربي من الوصول للجزائر، هو أن الجزائريين لا يزالون يندبون ربع مليون قتلوا في الحرب الأهلية، معظمهم قتلهم عملاء سريون مجرمون يعملون مع الحكومة. ولهذا، فهم ليسوا في مزاج لربيع عربي، خاصة أن العاصمة التي اخترعت مصطلح الربيع العربي هي "
واشنطن" في تحالف مع غوغاء بوتفليقة في الحرب على الإرهاب.
وفي نهاية مقالته، ينقل عبارات داوود لبوتفليقة: "أنت مثل كل الطغاة، عربا كانوا أم لا، وفي يوم من الأيام ستسحل، سواء كنت حيا أم ميتا أم مريضا". ويقول داوود إن بوتفليقة سيعلق على المشنقة بسبب قتله مليون جزائري سيولدون في المستقبل..