قال خبراء سياسيون فلسطينيون إن جولة
التصعيد الأخيرة بين الفصائل الفلسطينية في قطاع
غزة، و"إسرائيل"، أسفرت عن انتصار "جزئي" للفلسطينيين في مواجهة "إسرائيل".
لكنهم حذروا من وجود الكثير من المخاطر التي تتربص بقطاع غزة، وحركة
حماس التي تديره في حال "عدم إدارة المعركة بحكمة وبحسابات دقيقة".
وكانت حركة
الجهاد الإسلامي أطلقت الأربعاء الماضي عشرات الصواريخ على جنوبي إسرائيل؛ ردا على اغتيال الجيش الإسرائيلي الثلاثاء ثلاثة من عناصرها، وهو ما أعقبه شن "إسرائيل" سلسلة غارات جوية على غزة.
وأعلنت حركة الجهاد، الخميس، توصلها لتهدئة مع "إسرائيل" بواسطة جهاز المخابرات
المصرية. إلا أن فصائل فلسطينية أخرى واصلت إطلاق الصواريخ تجاه البلدات الإسرائيلية المحاذية للقطاع.
وساد هدوء حذر قطاع غزة، السبت، حيث لم تسجّل أي غارات إسرائيلية على القطاع، كما لم تعلن "إسرائيل" إطلاق صواريخ باتجاهها انطلاقا من غزة.
ورأى مراقبون، ومحللون سياسيون، أن تواصل جهاز المخابرات المصرية مع حركة الجهاد الإسلامي خلال التصعيد العسكري الأخير؛ من أجل تثبيت التهدئة مع "إسرائيل" أغضب حركة حماس؛ كونه تجاوزها بصفتها الجهة المسيطرة على قطاع غزة.
وأعربوا عن اعتقادهم أن التواصل بين المخابرات المصرية والجهاد الإسلامي زاد من توتر علاقتها بالجانب المصري الذي أعلنها تنظيما محظورا مطلع الشهر الجاري.
لكن بعضهم أشار إلى سماح حماس بإطلاق صواريخ تجاه "إسرائيل، بعد ساعات من إعلان التهدئة الأخيرة، فيه رسالة لجميع الأطراف، بأنها هي الجهة الوحيدة التي يمكنها ضبط الأوضاع الميدانية".
وكانت حركة الجهاد الإسلامي، في غزة، أعلنت توصلها لاتفاق لتثبيت التهدئة في قطاع غزة، بعد جهود واتصالات مصرية، الخميس الماضي.
ويرى الخبير في الشؤون الإسرائيلية عدنان أبو عامر أن ما حملته جولة التصعيد الحالية، كان أشبه بجولة من "معركة الإرادات والعقول بين المقاومة في غزة وإسرائيل".
وتابع: "المقاومة أطلقت عشرات الصواريخ في مناطق مفتوحة، وكأنها توجه رسالتها بدقة، و"إسرائيل" ردت بذات المنطق، وبدا أن الجانبين يتبادلان الرسائل وفقا لخطة مدروسة، لا تريد الوصول إلى معركة كبيرة وقوية".
ورأى أبو عامر -عميد كلية الآداب بجامعة الأمة بغزة- أن المقاومة الفلسطينية استطاعت أن تحقق إنجازا من خلال ما بدا أنه تنسيق وتوافق بين الجهاد الإسلامي وفصائل المقاومة بغزة، وفي مقدمتها حركة حماس التي تدير الحكم في القطاع.
وقال رئيس مركز الدراسات السياسية والتنموية في غزة وليد المدلل إن جولة التصعيد الحالية كشفت عن إنعاش لـ"محور المقاومة من جديد، وأن أي معركة قادمة في قطاع غزة، سيكون لها ظهرها وسندها".
وتابع: "ما يُسمى محور الممانعة والمقاومة في المنطقة تأسس بفضل حركة حماس، واليوم ما يجري من رسائل سياسية تؤكد إنعاش هذا الحلف، بفضل إدارة المعركة الأخيرة، وأن ترتيبا للأوراق يجري من قبل القوى الإقليمية في المنطقة".
وأكد المدلل أن المقاومة بغزة أرادت أن تقول لـ"إسرائيل" إن ردها دوما جاهز، وبالأسلوب الذي تريد.
غير أن المدلل يؤكد وجود الكثير من "المخاطر التي تتربص بحركة حماس، والمقاومة في حال انحرفت بوصلة الرد، سواء من قبل إسرائيل أم الفصائل بغزة".
ويذهب الكاتب والمحلل السياسي الدكتور محمود العجرمي إلى أن التصعيد الحالي، يحمل الكثير من الرسائل السياسية، متفقا مع سابقيه في أن المقاومة والرد التوافقي هو من أهم الإنجازات التي تؤسس لرد عسكري وسياسي فلسطيني موحد.
غير أن العجرمي يحذر من عدم "إكمال النص، وخروج البعض عن تفاصيله الأمر الذي ينسف جهود المقاومة وما تريد جنيّه من ثمار".
وأكد أنه يجب استغلال ضعف "إسرائيل"، فهي حتى الآن تبدو عاجزة عن الرد، وحتى في حال استخدامها كامل قوتها العسكرية، كما جربت في الحربين السابقتين على غزة، فإنها لن تنتصر على المقاومة.
وأوضح العجرمي أن ما يجري اليوم عبارة عن معركة "إرادات" لا "أسلحة"، وهو ما يتطلب ما وصفه بـ"عقلانية المقاومة"، والإيمان بأن هناك سقفا لاستخدام القوة.
وفي حال ارتفعت وتيرة جولة التصعيد الحالية، فإن المفاوض الفلسطيني، سيكون في سياق الخاسرين.
وتابع: "لو استمر التصعيد قد يجد المفاوض الفلسطيني، نفسه أمام حرج سياسي، قد ينتهي بانتفاضة ثالثة في حال فشلت المفاوضات واتفاق الإطار الذي تتحدث عنه الإدارة الأمريكية."
ويصف حسين حجازي الكاتب في صحيفة الأيام ما جرى مؤخرا بأنه أشبه بالاشتباك بقوة النيران السلبية، وتحاشي القتال بشكل فعلي.
وقال حجازي في مقال صحفي نشره اليوم: "إن هذه الجولة الحربية، اشتباك آخر جرى من الناحية العملية وفق نظرية معلم الحرب الصيني صن تزو الذي عاش قبل خمسمائة عام قبل الميلاد".
ورأى حجازي أن ما حدث هو أن حركة حماس أعطت الضوء الأخضر لـ"الجهاد" بالتصعيد، واكتفت بالوقوف وراء الستارة، وكانت هذه مناورة بارعة من جانب "حماس"، بأن تلعب ورقة "الجهاد" وأن تبقى هي كاحتياطي استراتيجي تمارس التهديد المباشر لـ"إسرائيل" في حال وسعت "إسرائيل" من ردها.
وتمنى الكاتب الفلسطيني أن تكون المقاومة قد "بلغت من النضوج والذكاء والحنكة، بحيث تعرف ليس متى تقاتل ولا تستدرج للقتال ولكن هذه الحكمة التكتيكية البارعة متى تقاتل بكل فريقها القومي ومتى تقاتل بأحد الفرق المحلية".