تساءل الكاتب الصحفي باتريك كوكبيرن في صحيفة "اندبندنت" البريطانية، عن دعم
السعودية للسلفية الجهادية، وإن كانت نادمة على هذا الدعم بعد أن تحولت
القاعدة خطرا على المملكة، مشيراً إلى قلق الأمريكيين من تورط السعودية في دعم الجماعات الجهادية في
سوريا.
وبدأ كوكبيرن مقالته في الصحيفة، الثلاثاء، بالحديث عن إعدام مقاتلين من داعش سائقي ثلاث شاحنات على الطريق السريع الذي يربط بين سوريا والعراق وامتحان الثلاثة حول معرفتهم الدينية، وهو ما قاد في النهاية لإعدامهم باعتبارهم علويين.
ويقول الكاتب إن الغرب وأمريكا قد لا يهمهم الصراع السني- الشيعي وكم يقتل "الجهاديون" من الشيعة، لكن في فصائل المقاتلين المعتدلة التي تلقى دعما من الغرب، فصائل سلفية.
ويضيف "تبخرت فكرة أن كل فصائل الجيش الحر هي علمانية معتدلة في كانون الأول/ديسمبر عندما هاجمت جماعات إسلامية مخازن الجيش الحر ونهبت ما فيها وقتلت قادتها".
ويرى كوكبيرن أن الجماعات الجهادية لها حضور كبير في العراق وسوريا أكبر مما حققته في باكستان وأفغانستان.
ولاحظ أن الولايات المتحدة بدأت في الستة أشهر الأخيرة تعبر عن غضبها من أفعال السعودية ودول الخليج الأخرى التي تقوم بدعم وتمويل أمراء الحرب الجهاديين في سوريا الذين أصبحوا قوة ضاربة في الثورة السورية.
وقال الكاتب إن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري انتقد في أحاديثه الخاصة مع السعوديين الأمير الأمير بندر بن سلطان، السفير السابق في واشنطن، ومسؤول الأمن القومي السعودي منذ عام 2012 والذي كان يدير الحملة السعودية للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد. ورد الأمير بندر بمهاجمة الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي لم ينفذ تهديداته ويوجه ضربة عسكرية للنظام السوري.
وأشار كوكبيرن للتغييرات الأخيرة في المسؤولين السعوديين عن الملف السوري الذي أصبح في عهدة الأمير محمد بن نايف، وزير الداخلية السعودية والذي يقيم علاقة قوية مع الاستخبارات الأمريكية، ويلعب أيضا الأمير متعب بن عبدالله، رئيس الحرس الوطني السعودي دورا في تشكيل السياسة السعودية حول سوريا.
ويشير كوكبيرن إلى الخلافات الخليجية – الخليجية حول سوريا والتي بدت واضحة عندما سحبت السعودية والبحرين والإمارات العربية المتحدة سفراءها من دولة قطر ليس بسبب دعم الأخيرة للإخوان المسلمين ولكنه لأنها تدعم الجماعات الجهادية في سوريا.
ومع أن السعودية أصبحت الداعم الرئيسي للمعارضة السورية منذ الصيف الماضي إلا أن المشاركة السعودية أعمق وأطول وتبرز عبر العديد من المقاتلين السعوديين الذين تدفقوا لسوريا ويقاتلون إلى جانب الجماعات الجهادية في العادة.
ويؤكد الكاتب على مشاركة السعودية على المستوى الرسمي والشعبي في الحرب السورية، فالدولة تدعم جماعات المعارضة بالمال والسلاح، والدعاة والوعاظ يجمعون المال ويلقون الخطب ويحضون الشباب للسفر إلى سوريا.
ويعتقد الكاتب أن ملامح الفكر الوهابي الممارس في السعودية لا يختلف كثيرا عن افكار القاعدة في باكستان وأفغانستان ومصر وليبيا، سوريا والعراق.
ويشير الكاتب إلى الخلاف السني – الشيعي القديم وموقف الوهابية من الشيعة والذي يعود لأيام مؤسس الدولة السعودية عبد العزيز بن سعود، لكنه أصبح واضحا بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979.
وفي هذه السنة (1979) أيضا قام الإتحاد السوفييتي بغزو أفغانستان حيث ظهر تحالف سعودي- باكستاني - أمريكي لدعم فصائل المجاهدين. وقدم التحالف البذرة التي ظهر منها تنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن.
ويقول الكاتب إن هجمات 11 أيلول/ سبتمبر، كان بمثابة بيرل هاربر ( عندما ضرب اليابانيون الميناء الأمريكي في الحرب العالمية الثانية) وقد استخدم المحافظون الجدد الحادثة وتلاعبوا بها لخدمة أغراضهم التي قادت لغزو العراق. وكان استخدام اسلوب التعذيب والإيهام بالغرق مع معتقلي القاعدة في سجن غوانتانامو من أجل نزع اعترافات منهم لتوريط العراق في هجمات 11 أيلول/ سبتمبر، وليس السعودية كما يقول الكاتب.
ويعود كوكبيرن إلى تقرير لجنة التحقيق في ظروف هجمات إيلول/سبتمبر عام 2001 والتي قالت إن السعودية هي أكبر ممول للقاعدة، وبعد سبعة أعوام من الهجمات وفي ذروة حرب العراق قال مساعد وزير الخارجية الأمريكي سيتوارت ليفي لشبكة "إي بي سي" إنه عندما يتعلق الأمر بالقاعدة فيمكنه قطع الدعم عنها من دولة واحدة وهي السعودية. وقال إن الأخيرة لم تقم بالتحقيق مع أي شخص ممن وردت أسماؤهم في تقارير الأمم المتحدة والولايات المتحدة.
ورغم حالة الإحباط في الدوائر الأمريكية من السعوديين إلا أن شيئا لم يتغير، وقبل بضع سنوات قالت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون في برقية سربها موقع ويكيليكس في كانون الأول/ديسمبر عام 2009 إن السعودية لا تزال الممول الرئيس للقاعدة، وطالبان ولاشكر طيبة في الباكستان والجماعات الإرهابية الأخرى. كما اشتكت الوزيرة السابقة من تردد السعودية في اتخاذ إجراءات ضد القاعدة.
وفي الأسبوع الماضي أثنى مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الإرهاب والتمويل الإستخباراتي ديفيد كوهين، على السعودية للتقدم الذي أحرزته في قطع مصادر
تمويل القاعدة داخل الأراضي السعودية، ولكنه قال إن الجماعات الجهادية الأخرى يمكنها الحصول على تبرعات من داخل المملكة.
وليس السعودية وحدها في هذا المجال، فقد قال كوهين "تحولت حليفتنا الكويت إلى مركز لتمويل الجماعات الإرهابية في سوريا". واشتكى من تعيين نايف العجمي، كوزير للعدل والأوقاف والشؤون الإسلامية حيث قال "للعجمي تاريخ في دعم الجهاد في سوريا، وظهرت صوره على حملة جمع تبرعات يقوم بها مؤيد معروف لجبهة النصرة". وأضاف أن وزارة الأوقاف أعلنت في الآونة الأخيرة عن السماح بجمع التبرعات من المساجد الكويتية مما يفتح الباب لجامعي التبرعات نيابة عن الجهاديين.
ويتطرق الكاتب إلى قضية أخرى وهي المبالغة السعودية في تقدير الخطر الشيعي الممثل بإيران، مشيرا إلى وثيقة أمريكية مسربة، والتي أظهرت حجم التعاون الباكستاني- السعودي بدرجة جعلت دبلوماسيا سعوديا يقول "نحن لسنا مراقبين بل مشاركين". ويقول إن السعوديين كانوا شاكين في آصف زرداري، الرئيس الباكستاني السابق، وفضلوا ديكتاتورية عسكرية عليه، وكما أخبر وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد الأمريكيين "السعوديون يشكون في أن زرداري هو شيعي، مما يثير مخاوف السعويين من ظهور مثلث شيعي في المنطقة بين إيران والمالكي والباكستان في ظل حكم زرداري" .