ذكرت صحف تركية أن سلاح الجو التركي كلّف طائرتي (F-16) مجهّزتين بالعتاد الحربي الكامل، للتدخل الفوري، إذا ما تعرض
ضريح "سليمان شاه" جد "عثمان غازي" مؤسس الدولة العثمانية في منطقة "قره قوزاق" التابعة لريف محافظة حلب شمال
سوريا، لأي اعتداء من قبل قوات النظام السوري أو الجماعات المقاتلة أو أي جهة أخرى.
وأضافت الصحف أن مسألة حماية الضريح - الواقع في أرض تركية ضمن الحدود السوريّة وفق معاهدة أنقرة 1921 - كانت إحدى الحساسيات التي طالما احتلت حيزاً متزايداً على أجندة اجتماعات مجلس الأمن القومي التركي، منذ شهور، وأن خطط التدخل السريع لمواجهة أي اعتداء على الضريح أو الحامية التركية التي تقوم بحراسته، قد وضعت ضمن حسابات دقيقة ومعقدة، وذلك لما يمتلكه الضريح من أهمية معنوية بالنسبة للدولة التركية.
وكان وزير الدفاع التركي "عصمت يلماز" أكد السبت الماضي؛ أن منطقة ضريح "سليمان شاه" هي أرض تابعة للسيادة التركية، وأن الجيش التركي سيرد على أي اعتداء محتمل تقوم به أي جهة على منطقة الضريح، مشيراً أنه ليس من حق أحد التربص بالضريح لأنه أرض تركيّة؛ ولن تتوانى عن الرد بحزم على اي جهة تستهدف السيادة التركية.
فيما قال وزير الخارجية التركي "أحمد داود أوغلو": " إن من حق
تركيا التي تراقب بقلق التطورات الأخيرة على الساحة السورية؛ اتخاذ التدابير اللازمة في محيط ضريح سليمان شاه، ذلك أن المنطقة تعد أرضاً تركية بموجب اتفاقية عام 1921، وأنها سترد بالمثل على أي اعتداء على الضريح، سواء كان من قبل النظام السوري أو من الجماعات المتطرفة أو أي جماعة أخرى ".
وأضاف "داود أوغلو": " من حق تركيا اتخاذ التدابير المناسبة لحماية ضريح سليمان شاه كونه؛ الأرض التركية الوحيدة خارج حدود الجمهورية بموجب اتفاقية 1921، المنصوص عليها في القانون الدولي "، لافتاً أن الجماعات المتطرفة تعمل بجهد للسيطرة على المناطق الشمالية بسوريا والتي فقد النظام السيطرة عليها، مشدداً أن العلاقة بين النظام والجماعات المتطرفة التي لم تطلق رصاصة واحدة باتجاه قواته، هي علاقة تعاون، سيما أن الأخيرة تقاتل باستمرار قوات الجيش السوري الحر، مؤكداً أن رئاسة الأركان التركية ووكالة الاستخبارات الوطنية وجميع الوحدات ذات الصلة، تعمل بتنسيق مستمر فيما يخص أي اعتداء محتمل قد يشن على الضريح أو الحامية التركية.
تأتي تلك التطورات عقب نداءات وجهها أحد وجهاء العشائر التركمانية في محافظة الرقة السورية، المحاذية لولاية "شانلي أورفة" جنوب تركيا، بعد اشتباكات عنيفة دارت بين ميليشيات تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (
داعش)، وبين قوات ثوار الرقة، التابعة للجيش السوري الحر، في منطقة جسر "قره قوزاق" المحاذي لضريح "سليمان شاه"، والكتيبة التركية المسؤولة عن حماية الضريح.
وحذر من سيطرة محتملة لداعش كونها الأكثر عدداً وعتاداً من مقاتلي
المعارضة، في منطقة "قره قوزاق"، ما يزيد من قوتها ونفوذها شمال سوريا، وسيعرض ضريح "سليمان شاه" والحامية التركية لخطر كبير، خاصة بعد أن سرت أنباء تفيد عزم "داعش" هدم ضريح "سليمان شاه"، أسوة بسياسة تدمير الأضرحة التي انتهجتها في المناطق الواقعة تحت سيطرتها، إذ سبق لها وأن دمرت أضرحة الشيوخ الخزنويين في تل معروف في الحسكة، ومقام إبراهيم الخليل، في محافظة الرقة، ودمرت مقام زوجة النبي أيوب في محافظة إدلب، وهدمت جامع الشيخ هلال في مدينة حلب.
وتنص "اتفاقية أنقرة" التي أبرمت بين مجلس الأمة التركي والحكومة الفرنسية المنتدبة على سوريا، في 20 تشرين الأول/ أكتوبر 1921، والتي أنهت الحرب بين الجانبين وأفضت إلى تبادل الأسرى، أن منطقة ضريح "سليمان شاه" - الذي كان في قلعة جعبر قبل أن تغمر بمياه بحيرة الثورة نتيجة إقامة سد الفرات (الطبقة) عام 1973 – هي أرض تركية.
وبعد إتمام بناء سد الفرات، طلبت الحكومة السورية من نظيرتها التركية، نقل الضريح إلى تركيا أو أي مكان آخر، خشية انغماره بمياه السد، فاتفق الجانبان، على نقل الضريح والرفات إلى منطقة تقع على ضفة نهر الفرات، بالقرب من قرية "قره قوزاق"، على الطريق التي تربط محافظة حلب بمحافظة الحسكة السورية، ثم أبرمت اتفاقية ثانية بين الحكومتين في 22 كانون الثاني/ يناير 2003، وقعت في العاصمة التركية أنقرة، إذ اتفق الجانبان على تحديد مساحة الضريح ومحيطه بـ 10 آلاف و96 متر مربع، وقيام تركيا بإعادة ترميم الضريح والمخفر وفتح الضريح أمام الزوار، ويعتبر الضريح، هو الأرض الوحيدة ذات السيادة التركية خارج حدود الدولة، يسهر على حمايتها جنود أتراك، يتم تأمين تبديل وردياتهم عبر حوّامة تركية بشكل شهري.
يذكر أن "سليمان شاه" كان زعيم قبيلة "قايي" - إحدى قبائل الأتراك الأوغوز الـ 24 الذين يعرفون في التاريخ باسم التركمان؛ كما ورد في كتاب ديوان لغات الترك للشيخ محمود الكاشغري المؤلف عام 1074، وكتاب "تاريخ أتراك الأوغوز" للمؤرخ التركي "فاروق سومر" - وتوفي عام 1219 مع إثنين من جنده، أثناء محاولته عبور نهر الفرات، حيث كان في طريقه باتجاه الأناضول، قادماً من أواسط آسيا (تركستان). وتقول الرواية التاريخية، إن حادثة غرق سليمان شاه، أدت إلى انقسام في قبيلة "قايي"، إذ عاد اثنان من أبناء سليمان شاه مع مؤيديهم - وهما "سنقر تكين" و"كونطغدي" - أدراجهما إلى تركستان،
فيما تابع كل من "دوندار بك" و"أرطغرل غازي" مسيرهم نحو الأناضول، حيث أسس "عثمان غازي بن أرطغرل" حفيد سليمان شاه، إمارة صغيرة عرفت باسم إمارة "أولاد عثمان"، في بلدة "سوكد" التابعة، اليوم، لولاية "بيلجك" غرب تركيا، وذلك في نهاية القرن الثالث عشر ومطلع القرن الرابع عشر، تلك الإمارة التي سرعان ما بدأت تتسع في شرق أوروبا، في الوقت الذي نجحت فيه بتوحيد الإمارات السلجوقية فيما عرف بآسيا الصغرى (تركيا).