يشرح المعلق البريطاني باتريك كوكبيرن في صحيفة "إندبندنت" الأسباب التي جعلت تنظيم
القاعدة ينتصر وينتشر رغم كل الجهود الدولية والتريليونات التي أنفقتها الولايات المتحدة الأمريكية لمحاربته وملاحقة أتباعه.
ويرى كوكبيرن أن السر يعود إلى قدرة التنظيم على التحشيد والتجنيد والدعم الشعبي لصالحه، وهو ما لم تلتفت إليه الأجهزة الأمنية
الغربية.
ويقول في بداية مقاله إن "وكالة الأمن القومي" الأمريكية ومركز التنصت البريطاني "جي سي أتش كيو" بررتا التنصت الجماعي على مواطني الدولتين بأنه يساعد في الكشف عن "
الإرهابيين المحتملين"، وفي الوقت نفسه أنفقت وزارة المالية الأمريكية جهودا كبيرة في الكشف عن أرصدة وشبكات تمويل القاعدة،ولكن كل هذه الجهود فشلت فشلا ذريعا.
ويرى كوكبيرن أن السبب في الفشل هو تجاهل الأجهزة الأمنية للدعم الشعبي الذي يحظى به تنظيم القاعدة والجماعات المرتبطة به.
ويشير هنا إلى شعار "نصف الجهاد هو الإعلام"، والذي وُضع على موقع جهادي، وينظر للإعلام بمعناه العام وهو شعار صحيح.
ففي كل يوم تنشر أفكار ومواقف وأفعال الجهاديين على قنوات التلفزة، يوتيوب، تويتر، فيسبوك وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي، و"طالما توفرت هذه الوسائل الدعائية، فلن تشعر جماعات مشابهة للقاعدة بأنها تحتاج للمال والجنود".
ويقول إن الكثير مما يوضع على هذه المواقع هو دعاية "كراهية" ضد الشيعة، وأحيانا اليهود والنصارى، مع أنه يلاحظ لاحقا نفس الدعاية الطائفية في مواقف الجنود العراقيين التابعين للحكومة في بغداد.
وتدعو دعاية الجهاديين بالإضافة لذلك إلى دعم الجهاد في سوريا واليمن والعراق، وأظهرت صورة رومانتيكية وضعت على الإنترنت انتحاريا قام بعملية في سيناء المصرية.
ويقول كوكبيرن "بالنظر إلى عينة مختارة من الصور والملصقات التي ضعت على الإنترنت، فهي لا تصور العنف أو الطائفية، ولكنها تظهر حرفية في الطريقة التي تم إنتاجها، فالجهاديون وإن كانوا يحنون للعودة إلى منابع الإسلام الأصلية، إلا أن قدراتهم على استخدام التكنولوجيا الحديثة والإنترنت متقدمة على أي حركة سياسية في العالم".
ومقارنة مع الحرفية العالية في الإنتا،ج فالمحتوى عادة ما يكون عنيفا وطائفيا. ويضرب أمثلة بصور من العراق حيث تظهر قتل الجهاديين للجنود العراقيين، وتحت صورهم عبارة "لا دواء مع الشيعة سوى السيف"، وفي صورة أخرى لجنود عراقيين يحملون راية كتيبتهم التي كتب عليها بدلا من ذلك عبارات سب لأبي بكر وعمر.
ويتقن الجهاديون فن الحشد وحملات جمع المال على الإنترنت، فهذا موقع يدعو المتعاطفين إلى التبرع بـ 2500 دولار من أجل تجهيز مقاتل في سوريا، وزعم أنه جهز وأرسل 12.000 مقاتل.
ولا يقتصر الوضع على الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، فهناك محطات تلفازية مثل "قناة صفا"، و"وصال" اللتان تبثان من مصر، وبتمويل سعودي أو كويتي على ما يقال. وتبث "وصال" بخمس لغات: عربية وفارسية وكردية وإندونيسية ولغة الهاوسا.
وتحدث كوكبيرن عن دور الوعاظ والمشايخ الذين يقومون بالتحشيد للمجاهدين وانتقاد الشيعة مثل الشيخ محمد الزغبي الذي يدعو الله أن يحمي مصر من الخونة المجرمين والشيعة المجرمين. وفي الوقت الذي يقال إن هذه دعوات موجهة لقطاع صغير من المتشددين، إلا أن مراقبين يقولون إن هناك جمهورا واسعا إذا أخذنا بعين الاعتبار عدد مستخدمي فيس بوك في
السعودية.
ويقول الكاتب إن الإنترنت سمح للجهاديين يإقامة صلات قوية مع الداعمين الماليين والسياسيين لأنه صار بوسعهم وضع صور وأفلام عن عملياتهم وانتصاراتهم عليها.
ويقول كوكبيرن إن المراقبين لتطورات الأحداث في سوريا ونشاطات المعارضة المسلحة يقضون معظم وقتهم على الإنترنت لأنه يتيح لهم الفرصة لمعرفة ما يجري، والتعرف على ممارسات الطرف الآخر.
وتظهر شهادات المقاتلين الأجانب كيف أثر بهم الإعلام الفضائي العربي، ودفعهم للتطوع إضافة للمواقع الجهادية.
ويتساءل الكاتب حول الدور السعودي في دعم الإعلام الجهادي- السلفي، وأثر التحول في الموقف السعودي ضد الجهاديين، والذي طال المقاتلين السعوديين في دول أخرى، خاصة سوريا، وتهميش المسؤول المرتبط بسوريا واستخدام الجهاديين للإطاحة بنظام بشار الأسد، ويقصد الكاتب هنا الأمير بندر بن سلطان (عربي21).
ومن ناحية أخرى فإعلام التواصل الاجتماعي لم يتردد في انتقاد السعوديين، فهناك صورة للملك عبدالله وهو يقلد ميدالية للرئيس الأمريكي السابق جورج بوش وتحتها تعليق "ميدالية لغزوه بلدين مسلمين". وفي صورة أخرى انتشرت على تويتر تظهر مقاتلين ملثمين على ظهر شاحنة صغيرة وتحتها تعليق "إن شاء الله سنحتل الجزيرة العربية، اليوم في الشام وغدا في القريات وعرعر".
ويعتقد الكاتب أن القرار السعودي لا يعني وقفا للإعلام الجهادي، فجبهة النصرة والدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) لديهما مصادرهما الخاصة لتمويل هذا الإعلام، فداعش لديها نظام ضرائب في أجزاء من العراق، والجبهة وداعش تسيطران على حقول نفط في شمال- شرق سوريا.