كتب فهمي هويدي: لم تكترث الصحف
المصرية بالتقرير الذي بثته وكالة رويترز أخيرا (في 28/3) حول تمدد
الجيش في القطاع
الاقتصادي وتحوله إلى المقاول الأساسي لنظام 3 يوليو، والوكيل الحصري للدول الخليجية التي ساندت النظام الجديد وتعهدت بإنقاذ الاقتصاد المصري من الانهيار.
ركز التقرير على دور دولة الإمارات التي باتت تتصدر ومعها المملكة السعودية تلك الدول. ونقل التقرير على لسان رئيس الهيئة الهندسية التابعة للقوات المسلحة اللواء طاهر عبدالله قوله إن الإمارات اختارت منذ اللحظات الأولى بعد سقوط نظام الدكتور محمد مرسي أن يكون نشاطها الاقتصادي في مصر من خلال القوات المسلحة. بالتالي فإن مختلف مشروعات التنمية المتفق عليها سيتم عن ذلك طريق، من المدارس والمستشفيات إلى المساكن والصوامع والمزلقانات وغير ذلك.
فهمنا من التقرير أن ثمة اجتماعات تعقد أسبوعيا بين الطرفين المصري والإماراتي للتباحث حول سير المشروعات المتفق عليها، وأن الجيش المصري ممثل دائما في تلك الاجتماعات باعتباره وكيل التنفيذ. وأن القوات المسلحة لا تباشر بنفسها تلك المشروعات.
ولكنها تقوم بالإشراف، الذي تنهض به من الباطن شركات القطاع الخاص المصرية. وحين سأل مندوب وكالة الأنباء المتحدث باسم الحكومة المصرية عن تمدد القوات المسلحة في النشاط الاقتصادي وإشراكه في بناء صوامع تخزين الحبوب كان رده: إن الجيش جزء لا يتجزأ من البلد، وهو معروف بالنزاهة والانضباط والخبرة في تنفيذ المشروعات الوطنية. ما قاله صاحبنا صحيح، وهو يؤكد ما سبق أن سمعته من مسؤول كبير (سابق) في تبرير توسع النشاط الاقتصادي للقوات المسلحة، باعتبارها أكثر المؤسسات انضباطا وكفاءة في التنفيذ، الأمر الذي يضمن تحقيق الإنجاز المنشود الذي يسمح بتدوير عجلة الاقتصاد دون أي تباطؤ ومن ثم يمكن السلطة من الوفاء بما تعهدت به في المواعيد المعلنة.
هذا التوجه ربما كانت له إيجابياته الاقتصادية، لكن أثره السلبي من الناحية السياسية لا ينكر. وقبل الدخول في التفاصيل فإننا لا نستطيع أن نوجه أي عتاب أو لوم لدولة الإمارات التي حققت نهوضها الاقتصادي وإنجازاتها العمرانية في أبوظبي ودبي والشارقة من خلال جهاز الإدارة المدني، لكن يبدو أن الثقة معدومة في جهاز الإدارة والبيروقراطية المصرية. وإن صح لنا أن نسجل أنه حين تتوفر الإرادة السياسية الجادة والحازمة فإن جهاز الإدارة المصري قادر على إنجاز الكثير. يشهد بذلك ما تم في بناء السد العالي وإدارة قناة السويس بعد تأميمها.
ليس سرا أن ثمة لغطا في الفضاء المصري حول الأنشطة الاقتصادية للقوات المسلحة، التي توسعت بشكل ملحوظ خلال العقود الثلاثة الأخيرة. إذ تجاوزت حدود تلبية احتياجاتها وتحقيق الاكتفاء الذاتي. ودخلت في مجالات مقاولات البناء وإقامة الفنادق والنوادي وصالات الأفراح، ووصلت إلى تعبئة المياه وتصنيع المكرونة ومحطات البنزين. ورغم أنه ليس معروفا ما يمثله ذلك كله في الاقتصاد المصري، إلا أن الذي لا شك فيه أن القوات المسلحة أصبحت تؤدي بمضي الوقت دورا مهما في المجال الاقتصادي لا يمكن التقليل من شأنه. وفي ظل الوضع المستجد الذي أصبحت مشروعات الاقتصاد تمر من خلال الهيئة الهندسية التابعة للقوات المسلحة فإن ذلك الدور سوف يتضاعف عدة مرات بكل تأكيد.
في هذا الصدد ينبغي أن نلاحظ أن دخول الجيش بذلك الاتساع في المجال الاقتصادي بمثابة تطور طرأ بعد حرب 73 التي اعتبرها السادات حينها «آخر الحروب»، ثم إنه تنامى بعد توقيع اتفاق السلام مع إسرائيل في عام 1979، الأمر الذي أفرز مناخا عبرت عنه لافتات ظهرت على واجهات بعض مشروعات الإعمار التي قام بها الجيش معلنة عن أن «القوات المسلحة قاطرة التنمية». وهو ما يستدعي سؤالا حول الدور الذي تقوم به بقية مؤسسات الدولة. كما يثير سؤالا آخر حول حدود تعاظم تلك القوة الاقتصادية ومدى تناسبها مع تنامي قدراتها الدفاعية وكفاءتها العسكرية، التي هي الأصل والأساس في مهمتها.
المسألة الأخرى التي يثيرها ذلك المشهد تتعلق بالاحتمالات المرجحة لتولي المشير عبدالفتاح السيسي رئاسة مصر. وهو ما يفترض أن يفتح الباب تلقائيا لانخراط قيادات القوات المسلحة في الشأن السياسي. خصوصا بعد تحصين منصب وزير الدفاع وتحويل المؤسسة العسكرية إلى كيان مواز له قوته الاقتصادية المتعاظمة. وهي عوامل تجعل من
عسكرة المستقبل خيارا واردا، في ظل تعاظم دور المؤسسة العسكرية في المجالين السياسي فضلا عن الاقتصادي. وهو ما يجعل مطلب الدولة المدنية والديمقراطية التي كانت ضمن تطلعات ثورة 25 يناير حلما بعيد المثال. وهو الأثر السلبي الذي يستحق التنبيه إليه والتحذير من مغبته.
ملحوظة: ورد في مقال أمس خطآن نبهت إليهما. الأول أني ذكرت أن إطلاق النار على المتظاهرين لا يكون بموجب إذن صادر من وزير الداخلية. والصحيح أنه يكون بموجب الإذن، الثاني أني ذكرت أن قرار اعتبار الإخوان جماعة إرهابية صدر بعد تفجير مديرية أمن القاهرة والصحيح أنها مديرية أمن الدقهلية.
(بوابة الشرق)