طرح الباحثان
شادي حامد وميرديث ويلر هذا السؤال، هل كان محمد
مرسي حاكما استبداديا؟
ووجه الحديث هو أن الكثيرين اتهموا الرئيس المنتخب في الأشهر التي قادت للإنقلاب عليه، بأنه
استبدادي ووصفوه بالفرعون الجديد، ديكتاتور في طور التشكأ او بائع ومروج لنوع جديد وخطير من الفاشية.
ويقول الكاتبان في مقال نشرته مجلة "أتلانتك مونثلي: "بلا شك كان محمد مرسي حاكما عاجزا، وفشل في أن يحكم ويشرك الجميع، "نعم كان الرجل الخطأ في الوقت الخطأ ولكن هل كان مستبدا؟ أو بعبارات أخرى هل كان عامه في الحكم عام حكم غير ديمقراطي كما يدعي الكثير من المصريين، وحتى بعض المحللين الغربيين؟".
قد يبدو السؤال أكاديميا، ولكن من أجل فهم كيف وصلت مصر إلى ما وصلت إليه اليوم- في يد حاكم قوي وسيادة عسكرية واضطهاد مستمر، فمن المهم معرفة ماذا حدث وما لم يحدث ومن جاء قبل الآخر.
فبعد كل هذا يقول الكاتبان: "إن كان مرسي نوعا من الحكام المستبدين، وإذا كانت عملية التحول الديمقراطية غير ديمقراطية، فعلينا أن نقدم نوعا من الإجراءات التصحيحية أو طريقة للتوضيح، ولكنها أيضا مسألة تتعلق في كيفية فهم أساليب الدمقرطة في المجتمعات المنقسمة.
ما نستطيع أو ما يجب علينا توقعه؟ هل كانت مصر أو مرسي حالة استثنائية في حالات التحول السياسي، الذي تشهده البلدان بعد الثورات أو الإنتفاضات؟
مؤشر بوليتي
والطريقة الوحيدة للإجابة على هذه الأسئلة، ليس من خلال قياس حكم مرسي بناء تطلعات وآمال الثوريين أو توقعاتنا، بل ومن خلال بناء قاعدة عملية حول عدد من المعايير السياسية، وما حدث بالضبط خلال عمليات تحول سياسية في أمريكا اللاتنينية وشرق أوروبا وأفريقيا وآسيا؟
وللإجابة على هذا السؤال قام الباحثان بـ "معيرة" عام مرسي في الحكم، بحسب مؤشر بوليتي، وهو المؤشر الذي يستخدم لتحديد طبيعة الأنظمة، وتحديد إن كانت ديمقراطية أو أوتوقراطية.
وقرر الباحثان استخدام المؤشر ليس لأنه المؤشر المستخدم عادة في مجال العلوم السياسية وأدبياته، ولكن لأنه مؤشر حساس قادر على تحديد التغيرات وتسجيلها عاما بعد عام.
ويقوم المؤشر بتحديد ثلاث مؤشرات عن التحولات الديمقراطية: طريقة الإختيار سواء كان معينا أو منتخبا، القيود على القرار التنفيذي وانفتاح العملية السياسية.
وبعد سلسلة من المعالجات والمقارنات، يتوصل الباحثان إلى فكرة ونتيجة تشير إلى أن مرسي في عامه الوحيد حمل مميزات من الحكم الديمقراطي والأتوقراطي، والمؤشر يظهر إلى أن مرسي كان "انوقراط" أي ديمقراطي- استبدادي.
ويفسر الكاتبان أيضا بالقول: " إن مرسي تم انتخابه بطريقة ديمقراطية، وكان مقيدا بالقيود الشعبية والمؤسساتية، وعندما مال نحو الأوتوقراطية في إعلانه الدستوري في تشرين الثاني/نوفمبر ،2012 اندلعت الإحتجاجات مما أدى إلى تراجعه عنه.
كما أظهرت حكومة مرسي محاباة للإخوان المسلمين، والجماعات الإسلامية، وهددت وضايقت الأصوات المعارضة لها، واعتقلت الناشط أحمد ماهر.
وعلى خلاف النظام الحالي، لم تقم حكومة مرسي بحبس واضطهاد المعارضة بشكل منظم، وأكثر من هذا فمرسي الفائز بالغالبية، واجه ما أطلق عليه ناثان براون "الدولة الواسعة"، التي تضم الجيش ومؤسسة الأمن والمؤسسة القضائية ونخبة رجال الأعمال.
تحول مجتمعي
يرى الكاتبان أن مرسي تصرف كما يتصرف أي حاكم تمر بلاده في فترة تحولات إيجابية أو تحولات مجتمعية.
ومن ميزات التحول المجتمعي، أنه يحمل في طياته لحظة ملتهبة في تاريخ البلد، حيث لا تجد النخبة فقط نفسها في وسط اضطرابات اجتماعية وسياسية، بل والمواطنين العاديين، وعليه يتحدث الباحثان عن أشكال من الحكم: ديمقراطيات، أنوقراطيات تميل تنزع نحو الديمقراطية، وأتوقراطيات تميل نحو الأنوقراطية وأتوقراطيات.
ويرى الكاتبان أن المعيار الذي يمكن من خلاله الحكم على عام مرسي في الحكم، هو ديمقراطية تميل نحو الأنوقراطية، وهي أنظمة الحكم المعروفة في فترات التحولات المجتمعية.
أي مسار ديمقراطي؟
من هنا عندما ناقش وزير الخارجية جون كيري في آب/ أغسطس ،2013 من أن الإنقلاب في مصر يقوم بإعادة مصر للمسار الديمقراطي، فقد تجاهل حقيقة أن مصر في ظل مرسي، كانت تعيش تحولا عاديا مثيرا للإعجاب، فلم تكن مصر أوتوقراطية بالكامل، ولا ديمقراطية بالكامل، مما يضعها في سياق التحول السياسي المعروف عالميا.
وهنا ما هي الديمقراطية التي أعادتها الحكوة المعينة من العسكر؟ فالنظام وفي الأشهر التي تبعت الإنقلاب حقق حسب التحليل الذي قاما به أربع نقاط تحت الصفر، وانزلق نحو الأوتوقراطية.
وعلى خلاف مرسي بل وحتى الرؤساء الأقوياء حسني مبارك والسادات، فقد قادت الحكومة العسكرية نظاما من القمع والإعتقالات، ولاحقت مؤيدي مرسي مما أدى لمقتل المئات منهم، وأصدرت قانونا لمنع التجمعات، وهو قرار لا قيمة له إن أخذنا بعين الإعتبار القسوة التي استخدمتها قوات الأمن ضد المتظاهرين.
وبناء على متغير "التنافس في المشاركة" فيمكن الترميز لمصر تحت الحكم العسكري بأنها "مضطهدة"، ويعني هذا أن مصر تقوم "بشكل منظم وحاد بتحديد شكل التنافس ومداه أو كليهما، بطريقة تستبعد قطاعات واسعة من الجماعات من المشاركة، وكقاعدة عمل، فمنع حزب سياسي حصل على نسبة 10% من أصوات الناخبين، هو دليل على أن المشاركة "كبحت"، وفي مصر اليوم هناك منافسة في داخل التحالف الحاكم نفسه، فيما يمنع خارجه".
ديكتاتور قبل انتخابه
ويعتقد الكاتبان، أن النتائج التي توصلا لها بحسب مؤشر بوليتي، تظهر أن الخلاف كبير بين الحكومتين، فعبد الفتاح السيسي الذي أعلن عن ترشحه للإنتخابات الرئاسية، لم يعزز قبضته على السلطة بعد من خلال انتخابات منظمة أو عمليات اختيار قامت بها النخبة المصرية.
وفي حالة حصل وعزز السلطة كما هو متوقع، فعلامات مصر حسب مؤشر بوليتي ستهبط وستخسر النقاط التي حققتها في عهد مرسي.
ويضيف الكاتبان، أن الأدبيات حول عمليات التحول المجتمعي تناقض الإفتراض الجوهري، وموقف الولايات المتحدة تجاه الديمقراطية في مصر، فمن خلال التلميح أن مرسي والإخوان المسلمين قاموا باختطاف العملية السياسية في مصر، قامت الولايات المتحدة وبشكل فعلي في الأسابيع الحرجة التي تبعت الإنقلاب، بمنح غطاء شرعي للمنطق الذي قال: "إن الإنقلاب كان ضروريا لإنقاذ الديمقراطية المصرية".
ويقول الكاتبان: "كما أثبتنا فعام مرسي في الحكم كان أكثر ديمقراطية مما يزعم نقاده، كما أن الحكومة المدعومة من الجيش الذي سيطر على السلطة عبر انقلاب كانت أكثر استبدادية من مرسي".
بلد مختلف
ويجب أن لا يندهش أحد منا من الطبيعة القمعية للنظام الحاكم، في مرحلة ما بعد الإنقلاب، وكما أشار مارك لينتش في كانون الأول/ديسمبر، "ما يصدم الواحد أن مصر تبدو بلدا مختلفا بعد ستة أشهر من الإنقلاب".
وافتراض لينتش الأساسي صحيح، وهو متوقع لكن من المناسب الملاحظة أنه ونظرا لطبيعة الإنقسامات الأيديولوجية، والقبول الدولي أو حتى الدعم المباشر للإنقلاب، والحقد على الإخوان المسلمين من جانب قطاع مهم من الشعب، فالإنقلاب على مرسي يمثل طبيعة مختلفة عن الإنقلابات المعروفة، وهو ما فتح الباب أمام مرحلة قمعية أشد من تلك التي شهدتها الإنقلابات، واضعا مصر في سياق انقلابات دموية شهدتها تشيلي والأرجنتين في السبعينات من القرن الماضي، والجزائر في العقد الأخير من القرن العشرين.
كل هذا لا يغير من حقيقة أن حكومة مرسي كانت فاشلة، فقد استند مرسي والإخوان على حكم الغالبية، لكنهم لم يحكموا في إطار تشاركي وبروحية الديمقراطية الجامعة.
فيما تسيد الإسلاميون لجنة الدستور، وصاغوا وثيقة غير ليبرالية رغم نسبة 60% من التصويت عليها وسط مشاركة متدنية، ومهما يكن الحال فحكومة مرسي كانت عاجزة ومثيرة للإنقسام، إلا أن المعارضة كانت قادرة على الوقوف وضبط مواقف الرئيس خاصة في إعلانه الدستوري، "وبالنسبة لنا فهذا اعتبار مهم: هل تستطيع المعارضة، معارضة الحكومة من خلال التنظيمات السياسية والإحتجاجات والإعلام كذلك؟
نظام بدون معارضة
والجواب في ظل النظام الحاكم، فأن أيا من هذه القنوات ليست مفتوحة أمام المعارضة الإسلامية أو أي تنظيم معارض آخر، فالنظام الحالي جرم كل نوع من أنواع الإحتجاج، وأصبحت العملية السياسية مغلقة أمام قطاع واسع من السكان، بطريقة لم تحصل في عهد مرسي ولا حتى مبارك.
يقدم الكثير من نقاد مرسي في عامه الوحيد في الحكم افتراضان، يدعون من خلالهما أن الحكومة التي قادها الإخوان المسلمين، كانت عاجزة واستبدادية، ومع أن هناك الكثير من الأدلة التي تدعم الإفتراض الأول، الذي ظهر في طريقة إدارة اقتصاد البلاد، والخطوات غير الصحيحة، وما إلى ذلك، لكن الأدلة التي تدعم الفرض الثاني قاصرة.
ويختم الباحثان بالقول: "إن تراجيديا عملية التحول المصرية الفاشلة، هي تراجيديا متعلقة بالتصورات والتوقعات، فعقود من التحولات تظهر أن مرسي، وإن كان عاجزا ويعتمد على حكم الأكثرية، لم يكن استبداديا أكثر من أي زعيم يحكم في مرحلة انتقالية، وكان أكثر ديمقراطية من أي زعيم في مرحلة تحول مجتمعي.
وفي مصر اليوم هناك انقلاب قام بتفكيك مؤسسات الديمقراطية، ويقوم على الخوف من المستقبل لا على جوهر الحاضر، وهذا واقع سياسي ليس للمعارضة دور فيها، لأن التعبير عن الإحتجاج يلقى الإعتقال.
وماذا يبقى؟ من المحتمل أن يستمر النظام العسكري الذي لا يقبل التشكيك بقوته، وسيكون انزلاق مصر نحو الإستبداد ليس جيدا لها، ولكن الحكم لم يأت من لاشيء، فقد تم تبريره ودعمه، وقام على التشويه وقراءة سيئة لما حدث قبله؟