كتب عبد الله الشايجي: استكمالاً لمقال الأسبوع الماضي في «الاتحاد»: «أميركا والخليج.. محدودية الخيارات» حول زيارة الرئيس
أوباما للمملكة العربية السعودية في نهاية مارس الماضي ولقائه مع الملك عبدالله، أواصل اليوم تناول مستقبل العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة، وهي علاقات على رغم ادعاء كلا الطرفين محوريتها وأهميتها، والتزام أميركا بالوقوف مع حلفائها.. إلا أن تعهدات واشنطن لا تتطابق مع مواقفها!
والراهن أن العلاقات
الخليجية الأميركية تمر بمنعطف غير مسبوق وصل إلى حد التشكيك والتساؤل حول التزام واشنطن بمواقفها التي ما فتئ كبار المسؤولين الأميركيين يرددونها، وعلى رأسهم أوباما ووزيرا خارجيته ودفاعه وحتى القادة العسكريون كرئيس هيئة الأركان، حيث يؤكدون قوة الموقف الأميركي الداعم والمؤيد والثابت كـ«الصخر» في الوقوف «مع حلفائنا الخليجيين».. ولكن واقع الحال اليوم بين الطرفين، خاصة من الطرف السعودي، لا يشير إلى ذلك... وأكبر دليل على تلك العلاقة المرتبكة مع واشنطن هي زيارة الطمأنة التي قام بها أوباما شخصياً، كما أشرت، وقد علق مسؤول أميركي كبير على الزيارة بأنها هدفت إلى:
1- لقاء مباشر بين الرئيس أوباما والعاهل السعودي لمناقشة وتوثيق العلاقات الثنائية المهمة بين الطرفين، التي وصفها الطرف الأميركي بالاستراتيجية، وبأنها تمتد لعقود في مجالات الأمن، والطاقة، والاقتصاد، وقضايا الأمن الإقليمي.
2- مناقشة قضايا على مستوى إقليم الشرق الأوسط يوجد حولها تباين في وجهات النظر مع السعودية. وأن هذه الخلافات تبقى خلافات تكتيكية وليست استراتيجية، دون أن يعني ذلك أن الولايات المتحدة غير متفقة مع السعودية حول القضايا الاستراتيجية الإقليمية. وقد أكد وزير الخارجية الأميركي جون كيري أن«مصالح الولايات المتحدة الأميركية في الشرق الأوسط دائمة ومتأصلة، وإن شراكاتنا مع دول الخليج هي العمود الفقري لالتزاماتنا في المنطقة». غير أن فشل واشنطن في الضغط على إسرائيل وعجز أوباما - كيري عن إجبار نتنياهو على الانصياع لاستحقاقات مفاوضات السلام، وتجرؤ بوتين الذي ضم شبه جزيرة القرم ويهدد بتقسيم أوكرانيا، كل ذلك يزيد من ترسيخ صورة أميركا العاجزة والمتخبطة مما يقلق حلفاءها، ويدفع خصومها لتحديها.
وتشكل العلاقة الاستراتيجية بين دول مجلس التعاون والولايات المتحدة، التي تمتد لأكثر من سبعة عقود حجز الزاوية في الأمن الخليجي، وتوفير ما أُطلق عليه «الأمن المستورد» لبلدان المجلس الستة، وذلك بعد أن لم تتمكن من الارتقاء بمجلس التعاون لتحويله إلى منظمة أمن جماعي تحمي أعضاءها وتردع الخصوم. هذا على رغم التهديدات والتحديات، وحرب احتلال وتحرير الكويت، وحرب احتلال العراق، والتشابك مع إيران بحرب باردة، وتهديد تنظيم «القاعدة». وكلها دواعٍ لتفعيل دور وحضور دور مجلس التعاون الخليجي، وتقليص الاعتماد على «الأمن المستورد» الذي تقدمه الولايات المتحدة. والارتقاء بالعلاقة الاستراتيجية مع واشنطن إلى مستوى الشركاء الذين يمكن أن يتحاوروا أكثر، ويكون لدول الخليج دور وحضور في القرارات الأميركية والدولية حول الأمن الخليجي كملف إيران النووي، أو رؤية واشنطن للعراق، وغير ذلك. وما يثير قلق شركاء واشنطن في منطقة الخليج هو انشغال الولايات المتحدة، نظاماً وشعباً، في الشؤون الداخلية كأولوية سياسية مقدمة على كل ما عداها. وهناك أيضاً الاستدارة الأميركية إلى آسيا والصين، كأولوية أخرى في استراتيجية أميركا الخارجية.
والحال أن التباين الخليجي - الأميركي بات واضحاً وعلنياً بقيادة المملكة العربية السعودية حول قضايا وملفات تراها دول مجلس التعاون الخليجي استراتيجية ومهمة لأمنها واستقرارها. وترى واشنطن أن الخلافات بشأنها ليست استراتيجية بل تكتيكية. كما ترى أن التباين في وجهات النظر مع شركائها الخليجيين يجب ألا يؤثر على «
الشراكة الاستراتيجية» بين الطرفين.
ونقاط التباين بين الشريكين عديدة ومتشعبة، وعلى رأسها التقارب الأميركي مع إيران وأبعاده، وضرورة ألا يكون على حساب دول مجلس التعاون. وكذلك الخلاف العميق حول سبل التعامل مع الأزمة السورية التي وصل التباين فيها إلى خلاف مستحكم.. وهناك أيضاً امتعاض من معظم دول الخليج حول مقاربة الولايات المتحدة في علاقتها مع جماعة «الإخوان المسلمين». وبرز مؤخراً تباين آخر حول مواجهة الإرهاب بعد اتهام واشنطن لوزير العدل والأوقاف الكويتي الجديد بدعم الإرهاب و«القاعدة» في سوريا. ما استوجب رداً رسمياً رافضاً للاتهامات الأميركية وتجديد الثقة في الوزير.
ولكن الخلاف الخليجي - الخليجي في الربع الأول من عام 2014، وسحب سفراء السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين من قطر، ووقوف كل من الكويت وعُمان على الحياد لتلعب الكويت دور الوسيط، يُعقد العلاقة بين دول مجلس التعاون والولايات المتحدة. وفي الوقت الذي تُعطي دول المجلس أهمية خاصة للعلاقة الثنائية مع واشنطن، وهو موقف متبادل، يُؤسف لأي تراجع في العلاقات، بعد أن بدأت واشنطن تتعامل مع دول المجلس لأول مرة منذ قيام مجلس التعاون بشكل جماعي كمنظمة واحدة وليس بشكل ثنائي مع كل دولة على حدة، كما كانت عليه الحال منذ قيام المجلس... ويتمثل ذلك بإنشاء «المنتدى الاستراتيجي الأميركي - الخليجي»، وتقديم صفقات لأسلحة متطورة بقدرات دفاعية مشتركة تقدر بأكثر من 120 مليار دولار منذ عام 2004 وللسنوات القليلة القادمة، وذلك لمنح دول المجلس تفوقاً نوعياً على إيران خاصة.
ومع هذا، واضح أن العلاقة اليوم بين دول مجلس التعاون والولايات المتحدة مرتبكة في وقت تتراجع وتنكفئ فيه الولايات المتحدة نفسها عن المسرح الإقليمي الشرق أوسطي، ووسط تحدٍّ لها من خصمها القديم روسيا. ويتزامن ذلك مع استمرار الحرب الباردة بين دول مجلس التعاون وإيران، كما أن هناك تبايناً خليجياً - خليجياً بعد سحب سفراء السعودية والإمارات والبحرين من الدوحة في أول تهديد لمجلس التعاون من داخله، ما ينعكس سلباً على فرص قيام «الاتحاد الخليجي»، وتضاف إلى ذلك إرهاصات التحولات والتغييرات الجيوبوليتيكية الأخرى، الإقليمية والدولية، وانتقال النظام العالمي، تدريجياً، نحو التعددية القطبية.
وتبقى المصالح والمشتركات بين الطرفين كبيرة، والخيارات البديلة شبه معدومة لكل منهما. وتبقى الولايات المتحدة أيضاً هي الحليف الدولي القوي والوحيد على رغم كل التباين القائم، والتراجع في مواقفها الداعمة لحلفائها في الخليج. كما أن واشنطن أيضاً لا يمكنها التخلي عن هذا التحالف الاستراتيجي. فهناك تقاطع للمصالح وتشابك لها. ودول مجلس التعاون تعلم ألا حليف دولياً بديلاً كروسيا والصين يعوض الدور والالتزامات الأميركية. ولذلك على رغم التباين، يبقى الرهان الخليجي قائماً على واشنطن للتغلب على المعضلة الأمنية، ولمواجهة التحديات والتهديدات الإقليمية الضاغطة، في بيئة مضطربة في ظل تحولات إقليمية ودولية متواترة، تزامناً مع تراجع وانكفاء أميركا التي ستصل للاكتفاء الذاتي من الطاقة بعد أن أصبحت الدولة الأولى المنتجة للغاز في العالم. ولكن على أميركا طمأنة وتأكيد مواقفها قولاً وفعلاً لحلفائها الخليجيين، وذلك لدعم وتمتين المصالح الثابتة والدائمة لكلا الطرفين.
(الاتحاد الإماراتية)