قالت صحيفة "أوبزيرفر" البريطانية أن
مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينين، جنوب العاصمة السورية دمشق يتعرض لكارثة جديدة بعد نفاذ المواد الغذائية من داخله على أقل تقدير اليوم، وسط استمرار مطالبة النظام السوري للسكان والمقاتلين بالاستسلام للحصول على المواد الغذائية.
وقال مراسل الصحيفة مارتن شولوف في تقرير مطول عن أثر الحرب بالبراميل والتجويع على مناطق المعارضة، إن سلاح التجويع أصبح السلاح المفضل للنظام في اليرموك ومناطق المعارضة حول دمشق والبلدة القديمة في حمص، أما في حلب فقد صار التدميروالبراميل المتفجرة السلاح المفضل للنظام في حلب الشرقية التي تحولت بمساعدة من كتائب أبو الفضل العباس الشيعية لليننغراد، حيث دمرت حوالي 60 % من بيوتها.
ويقول شولوف إن المناطق التي تحققت فيها اتفاقيات وقف اطلاق النار حول دمشق وحماة كانت بمثابة استسلام للنظام، حيث اضطر
الجوع والإجهاد السكان على رفع علم الحكومة مقابل الحصول على الطعام.
ويضيف أن خيار السكان للحصول على الطعام هو الذهاب لمناطق الحكومة التي تسير فيها الحياة اليومية بدون انقطاع وتتوفر فيها المواد الغذائية والطبية، لكن هذا الخيار يعني كما حدث لأبناء أبو عيسى (60 عاما) من مخيم اليرموك الاعتقال عند حواجز التفتيش حول المخيم.
وكانت مفوضة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية فاليري أموس قد حذرت من كارثة محتومة للسكان الباقين في مخيم اليرموك وعددهم 18.000 تقريبا، في ظل استمرار حصار قوات الحكومة له ومنع دخول
المساعدات الإنسانية والطبية للسكان فيه.
وقاد هذا الوضع السكان إلى تناول الحشائش وما توفر لديهم من مواد قابلة للأكل.
وكان هذا الوضع وراء تحذير منظمات الإغاثة الإنسانية لكارثة "غير مسبوقة في الذاكرة الإنسانية" ولم توزع أي من الطرود الغذائية للسكان منذ أكثر من عشرة أيام، ولا يتوقع سماح القوات السورية لأي شاحنة محملة بالمواد الغذائية من دخول المخيم المحاصر منذ 18 شهرا.
ونقلت الصحيفة عن كريس غانيس المتحدث باسم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" أن ما يجري "هو غير مسبوق في التاريخ الإنساني". وأضاف "بدون القيام بعمل ما فستكون إنسانيتنا على المحك". وقال إن ما يجري في اليرموك هو "سبة في جبين الإنسانية حيث يموت الرجال والنساء والأطفال بسبب نقص المواد الطبية في عاصمة دولة عضو في الأمم المتحدة، وهناك الكثير من الحالات عن سوء التغذية بين الأطفال حديثي الولادة والناس يلجؤون لأكل طعام الحيوانات".
ويصف الكاتب حالة المخيم الذي تحول إلى كتلة من الأنقاض بيوته مدمرة بسبب القصف، ولا يعيش فيه إلا عدد قليل من السكان والمقاتلين التابعين للمعارضة، إضافة لآلاف من المدنيين السوريين الذين لجؤوا إلى المخيم ويعيشون بين الفلسطينيين، وهم لا يحصلون على المساعدات الغذائية.
وتحتاج الأمم المتحدة لمنع تعرض السكان للموت إلى توزيع 700 طرد غذائي يوميا، وفي الوقت الحالي لم تستطع المنظمات الإغاثية سوى توزيع 100 طرد في اليوم منذ بداية العام الحالي، ولكن الظروف تراجعت بشكل سيء في الأسابيع القليلة الماضية، حيث توقف نقل كل المساعدات بسبب رفض النظام ومطالبته للمقاتلين داخل المخيم بالاستسلام.
ولم يصل للسكان مساعدات منذ كانون الثاني/يناير من العام الحالي، رغم الاتفاق مع الحكومة السورية على السماح بدخول المواد الإنسانية بدون قيود.
ونقل الكاتب عن أبو عيسى من المخيم قوله "لم نحصل على أي شيء، لا طعام ولا مال ونحن نشارك الحيوانات في طعامها، نعيش على الحشائش التي نجمعها من الحديقة، ولا يسمح الجيش السوري بدخول شيء حتى يرحل المقاتلون عن المخيم، ويرفض هؤلاء المغادرة ونحن عالقون بينهم، عندي ثلاثة أولاد، وهم يريدون مغادرة المخيم بأي وسيلة، ووعد مهرب بإخراجهم من المخيم ومن ثم إلى خارج
سوريا ولكنهم اعتقلوا عند أول حاجز للجيش".
وأشار شولوف إلى التجويع المنظم الذي يستخدمه النظام السوري لتركيع السكان. ففي تقرير للأمم المتحدة حصلت عليه مجلة "فورين بوليسي" والذي تابع جهود برنامج الغذاء العالمي في إيصال المساعدات للمناطق التي تتعرض للتجويع خلال الشهرين الماضيين ومنذ صدور قرار مجلس الأمن الذي طالب كافة الإطراف في الحرب بتسهيل وصول المساعدات الإنسانية للمناطق المحاصرة.
ويشير التقرير أن البرنامج زاد من نسبة من يحصلون على المساعدات من 3.7 مليون إلى 4.1 مليون شخص ولكن هذا بسبب أن معظم المواد توزع في مناطق الحكومة التي يهرب إليها السكان حيث تسهل الحكومة عمليات توزيع المواد الغذائية فيما استمرت معاناة بقية المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، خاصة البلدة القديمة في حمص والتي تتعرض لهجمات وقصف مستمر منذ ستة أشهر أو يزيد.
وتتزايد الإشارات عن ازدياد حالات سوء التغذية في الأشهر القليلة الماضية. فبحسب الأرقام التي قدمتها أموس لمجلس الأمن فهناك 240.000 مدني محاصرون في كل أنحاء سوريا ومعظمهم لا يحصل على شيء للنجاة في ظروف الحرب.
ويذكر الكاتب بأرقام الحرب التي دخلت عامها الرابع فهناك أكثر من 9 مليون شخص ممن هم بحاجة لمساعدة انسانية مستمرة، وهناك 9 ملايين من المشردين في داخل وطنهم، فيما فر مليوني شخص إلى دول الجوار، ويضاف إلى هذه الأرقام أكثر من 150.000 شخص قتلوا منذ اندلاع الأزمة التي دمرت معظم مدن البلاد.
وخلال الأزمة قامت الأمم المتحدة بتوجيه عدد من النداءات لإغاثة اللاجئين والمشردين السوريين إلا أن مجلس الأمن لم يكن قادرا على توجيه الأحداث بسبب الموقف الروسي الداعم لنظام الأسد وإلى حد قريب الموقف الصيني.
ويقول غانيس أن مجلس الأمن تبنى موقفا متشددا من سوريا بعد مقتل مئات من الأشخاص بسبب استخدام النظام للسلاح الكيماوي "ونأمل بقيام المجلس بتبني نفس الشدة في وضع يواجه فيه الآلاف من تهديد الجوع ونقص التغذية".