قالت صحيفة "صاندي تلغراف" البريطانية إن الظروف المعيشية التي تمر بها العائلات السورية في
لبنان أجبرتها على دفع أبنائها للتسول.
وتؤكد مراسلة الصحيفة روث شيرلوك، أن منظر الأطفال السوريين لا تخطئه العين، حيث ينتشرون على تقاطعات الشوارع وإلى جانب الإشارات المرورية، وعند الملاهي الليلية والمطاعم، مضيفة أن جيلا من الأطفال السوريين فقدوا الفرصة للذهاب إلى المدراس.
وتضيف شيرلوك أن عمل الأولاد في التسول أصبح في بعض الحالات المصدر الرئيس للرزق، مشيرة إلى أن لبنان يعيش فيه أكبر تجمع من
اللاجئين السوريين في العالم، حيث يبلغ عددهم مليون نسمة تقريبا. ولا توفر لهم الحكومة اللبنانية مخيمات أو بنى تحتية تساعد على استيعابهم، فيما تفتقد مؤسسات الإغاثة الدولية للقدرات لمواجهة احتياجاتهم.
وتقول الكاتبة إن ارتفاع تكاليف المعيشة في لبنان وزيادة إيجارات البيوت اضطرت العائلات لدفع أبنائها للعمل في مبكرا وتشغيلهم حتى تحصل على قوت اليوم.
وأشارت إحصائية لمنظمة الطفولة العالمية "يونيسيف" أن واحدا من بين كل 10 أطفال سوريين يعملون في مناطق اللجوء التي هربت إليها عائلاتهم. وتقول جولييت طعمة من اليونيسيف إن "في لبنان أكبر عدد من اللاجئين السوريين، وهناك أكبر نسبة من الأطفال السوريين العاملين في الشوارع، بسبب نفاد المال من يد العائلات، ولهذا تقوم بإرسال أبنائها للعمل". وخلّف هذا الأمر وجود جيل كامل من الأطفال السوريين ممن لا يذهبون للمدارس، "وهو أحد مظاهر قلقنا من أن الأطفال الذين يعملون يخسرون فرصة الذهاب للمدرسة" بحسب ما تقول طعمة.
ويعمل الأطفال في المزارع والحقول والمصانع، ويحصلون على أجور زهيدة.
وبسبب مصاعب الاقتصاد اللبناني وزيادة تدفق أعداد العمالة الرخيصة لسوق العمل، أجبر الكثير من الأطفال على التسول حيث يتجولون في شوارع العاصمة على أمل جمع ما يكفي لطعام اليوم.
وتقول شيرلوك إن منظر الأولاد الذين يبيعون ويتسولون واضح في الشوارع، حيث يقفون لساعات تحت الشمس الحارة، ويتوزعون على التقاطعات أو خلف الحافلات والمقاهي، بعضهم يتسول وآخرون يلمعون الأحذية أو يبيعون العلكة والورود.
وهناك من يسافر منهم يوميا لساعتين بالحافلة بين طرابلس في شمال لبنان وبيروت مثل خالد (11 عاما) الذي فرّت عائلته من إدلب لطرابلس، حيث لم يعثر والده على عمل مناسب، وعندما ذهب لسوريا لأحضار الخبز قتله قناص، وترك خالد مع أمه المريضة بالسكري وشقيقه الأصغر وشقيقته حيث دفعته والدته للذهاب إلى بيروت والتسول، يعمل حتى ساعات الصباح، إلى جانب الملاهي والمطاعم والحانات مادا يده طالبا المساعدة. ولكنّ الخارجين من هذه الأماكن ثملين يتجاهلونه أو يبعدونه بعنف عن المكان.
وتضيف الصحيفة أن خالدًا واحد من الكثيرين الذين تحولوا إلى متسولين بسبب الفقر وحاجة عائلاتهم الماسة للمال بعد فرارها من
سوريا. ولم يحترف هؤلاء الأطفال التسول في حياتهم أبدا، فقد كان يعيش خالد قبل الحرب في بيت كبير وسط محافظة إدلب مع أخته ووالديه، وكان يقضي وقته في المدرسة ويلعب مع أقرانه.
ويقول خالد: "لم أكن أحب المدرسة، لكنني أحببت زملائي حيث كنا نلعب على الكمبيوتر أو بالكرة".
ويجمع خالد طوال اليوم والليل أحيانا 20 ألف ليرة لبنانية (13 دولارا)، و"أعطي كل ما أجمعه لأمي، في مرة لم أجمع شيئا، لم تضربني ولكنها اقترضت مالا حتى أستطيع السفر لبيروت".
ويفضل خالد التسول لأنه أحسن من بيع العلكة، ويقول: "حاولت أن أكون ملمع أحذية لكنني لم أحبها، تتعب نفسك من أجل لا شيء، وتحصل على 250 ليرة لبنانية"، وحتى مع التسول فحظه ليس جيدا في كل الأحيان، وأكبر مبلغ كان عندما أعطاه أحدهم مبلغ خمسة دولارات مرة واحدة.
ولخالد رفيق واحد اسمه أيضا خالد وهو لاجئ سوري يعمل ملمع أحذية، وينام في نفس المكان تحت محطة الحافلات على قطع الكرتون. ويقول خالد إن هناك 10 أولاد ينامون في المكان بعضهم يلمع الأحذية أو يبيع العلكة أو الورود أو يتسول.
وبالإضافة لمعاملة الناس السيئة لهم، فالشرطة تلاحقهم وتعتقلهم، ثم تسلمهم لمركز "بيت الأمل" الذي يقدم العناية بالأطفال المشردين. ويقول مديره ماهر طبراني إن عدد رواد المركز زاد بسبب زيادة تدفق الأطفال السوريين.
ويشير طبراني إلى أن كل الأطفال يعانون من المشاكل النفسية مضيفا: "أنسى ما يجري في سوريا، ففي لبنان يضرب الأطفال (السوريون) ويباعون للعمل في الدعارة ويجبرون على بيع المخدرات، ويقوم بعض الآباء بتأجير أبنائهم الصغار للمتسولين الكبار الذين يعرفون أنهم سيجمعون مالا أكثر إذا كانوا يحملون أطفالا".
ويقول إن ثلثي الأطفال ممن أحضروا للمركز تعرضوا للانتهاكات الجنسية وتم بيعهم لممارسة الجنس "بدولار أو دولارين". وفي أحيان أخرى يقبل آباء اغتصاب أبنائهم مقابل بعض المال. ولآن المحاكم اللبنانية ليست مهيأة للتعامل مع هذه الحالات فتأتي العائلات للمركز وتتسلم أبناءها وفي اليوم التالي يعودون للشوارع.