بينما تتحدث منظمة حظر الأسلحة
الكيماوية عن تدمير 80 في المئة من الأسلحة الكيماوية التي اعترف النظام السوري بوجودها لديه، يبدو أن مادة
الكلور السامة الذي استخدمتها قوات بشار الأسد في مناطق عدة خلال الأيام الماضية لم يدرج ضمن قائمة "الأسلحة المحظورة" التي يتوجب على الأسد تسلميها أو حتى وقف استخدامها!
وأطلقت قوات الأسد قنابل تحوي مادة الكلور مرات عديدة خلال الفترة الماضية على مناطق تخضع لسيطرة الثوار في
سورية، وخصوصا
حرستا في ريف دمشق وحي
جوبر في دمشق وبلدة
كفرزيتا في ريف حماة، ما أدى إلى مقتل وإصابة العشرات بحالات الاختناق وضيق التنفس. كما تحدث نشطاء عن استخدام غاز الكلور في بلدة تلمنس في ريف إدلب اليوم.
وكان مسؤولون في منظمة حظر الأسلحة الكيماوية قد قالوا إن النظام السوري قد قدم قائمة "أكثر تفصيلا" لأسلحته الكيماوية. وذكر المسؤولون أن القائمة الأصلية استندت إلى تقديرات وليس كميات محددة للمواد السامة الموجودة في منشآت التخزين والإنتاج في أنحاء متفرقة في سورية.
وقال دبلوماسي لرويترز إن مهمة الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية المشتركة في سورية رصدت "اختلافات بين ما وجدوا وما احتواه الإعلان الأصلي".
وتحدث المتحدث باسم المنظمة مايكل لوهان عن تقديم قائمة خضعت للمراجعة. وأضاف: "بالنسبة لبعض المخزون كانت تقديرات تقريبية للكميات قد قدمت. والآن حلت محلها كميات محددة". وأضاف أن الأضواء سلطت على الكميات المحددة بعدما زار مفتشون المواقع ووضعوا قائمة مفصلة وجهزوا المواد لنقلها إلى مدينة اللاذقية الساحلية. ولم يتسن للمسؤولين تقديم تفاصيل محددة بشأن الاختلافات بين الأرقام التقديرية والأرقام المأخوذة من الواقع.
ولكن يبدو أن اهتمام المجتمع الدولي منصب على غاز الخردل وغاز السارين الذي استخدمه النظام السوري على نطاق واسع في آب/ أغسطس الماضي وتسبب في مقتل نحو ألفي شخص كثير منهم من الأطفال؛ في الغوطتين الشرقية والغربية في ريف دمشق. وبعد هذا الاعتداء، وعلى أثر تلويح الأمريكيين بضربة عسكرية لمواقع قوات الأسد، أعلن الأسد موافقته على تسليم أسلحته الكيماوية.
لكن نضال شيخاني، مسؤول العلاقات الخارجية في "مكتب توثيق الملف الكيمياوي في سورية"، أكد أن غاز "الكلور" السام الذي كثّفت قوات النظام مؤخراً استخدامه في قصف المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، لا يدخل ضمن الأسلحة الكيميائية التي تم الاتفاق على تسليمها، محذراً من اتساع دائرة استخدامه خلال الفترة القادمة مع سهولة تصنيعه وتعبئته.
وفي تصريح لوكالة "الأناضول" ، قال شيخاني إن "الكلور" غاز خطير وسام ومن الممكن أن يؤدي استنشاقه إلى الوفاة، إلا أنه في نفس الوقت من السهل تصنيعه وتعبئته في قنابل وصواريخ.
وتم تأسيس مكتب "توثيق الملف الكيمياوي في سوري"، الذي يضم منشقين عن قوات النظام السوري، في تشرين الأول/ أكتوبر 2012، بهدف توثيق انتهاكات النظام واستخدامه للأسلحة الكيميائية في المناطق السورية، وجمع الدلائل والشهادات بخصوص ذلك.
وعمل المكتب الذي يتخذ من بروكسل مقراً له، على متابعة عملية نقل المخزون الكيمياوي لدى النظام بعد قرار الأخير تسليمه نهاية العام الماضي، من خلال ناشطين سوريين على الأرض والمنظمات الدولية المختصة.
وأوضح شيخاني أن "الكلور" مادة سائلة تستخدم بشكل كبير في المصانع والمختبرات وتدخل في صناعة بعض مواد التنظيف المنزلية، إلا أن اختلاطها بالهواء بعد تعرضها لمصدر حرارة كبير ناتج عن انفجار القنبلة أو العبوة التي تحملها، يحولها إلى مادة غازية يسبب استنشاقها حرقة شديدة بالأنف والعينين وتقرحات جلدية، إلى جانب إلحاق أضرار كبيرة في الجهاز التنفسي قد تصل إلى الوفاة إذا تم استنشاق كميات كبيرة منه.
وأضاف أن استنشاق الكلور يستدعي سرعة نقل المصاب إلى نقطة طبية وتقديم الإسعافات الأولية له من خلال الأكسجين والمحاقن الطبية، الأمر الذي قد يقلل من مخاطر الوفاة، لافتاً إلى أن معظم المناطق التي تسيطر عليها المعارضة تشكو من نقص في الكادر الطبي والمواد الإسعافية.
واللافت أن النظام السوري بدأ باستخدام غاز الكلور في جوبر بعد أيام من حديث سفير النظام في الأمم المتحدة بشار الجعفري عما قال إنها معلومات عن تخطيط كتائب مقاتلة لمهاجمة الحي بالغازات السامة لاتهام النظام بذلك.
وكانت البعثة المشتركة للامم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيمائية قد أعلنت السبت أنه تدمير وإزالة نحو 80 في المئة من الأسلحة الكيماوية في سورية.
واعتبرت المنظمة في بيان أن هذا التطور يساهم في تلبية الهدف الذي حدده المجلس التنفيذي للمنظمة للانتهاء من برنامج الأسلحة الكيماوية في سورية بالكامل في 30 حزيران/ يونيو، وهو الموعد الذي التزم النظام السوري بالانتهاء من تدمير هذه الأسلحة بحلوله.
وسبق أن أبلغ النظام السوري منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في بادئ الأمر بامتلاكه زهاء 1300 طن متري من المواد السامة ومن بينها مواد أساسية لتصنيع الغاز السام وغازات الأعصاب.
ولم يعلن النظام السوري القائمة المحددة للمواد الكيماوية التي تعهد بتسليمها، لكن مسؤولين قالوا إنها تشمل أكثر من 500 طن متري من الأسلحة الكيماوية شديدة السمية، مثل غاز الخردل ومواد أساسية لتصنيع غاز السارين السام، بالإضافة إلى أكثر من 700 طن متري من المواد الكيماوية الصناعية.
ويجرى تحميل هذه المواد في سفن نرويجية ودنمركية في ميناء اللاذقية السوري في إطار عملية بتكلفة عدة ملايين من الدولارات وبمشاركة عشر دول على الأقل. وسيتم إبطال مفعول الأسلحة الكيماوية في البحر على متن سفينة كيب راي الأمريكية المزودة بمعدات خاصة لهذا الغرض على أن ترسل معظم المواد الكيماوية إلى منشآت نفايات تجارية في فنلندا وبريطانيا وألمانيا.
وتخلف النظام السوري عن الموعد الأصلي لتسليم المواد الكيماوية التي اعترف بوجوها لديه بفارق عدة أسابيع. وكان يفترض ان يتم تسليم هذه الكميات بالكامل في 5 شباط/ فبراير الماضي. وعاد النظام السوري ليطرح خطة بديلة تتضمن الانتهاء من تسليم هذه المواد بحلول 27 نيسان/ أبريل الجاري.
وتذرع النظام السوري بالحجج الأمنية لوقف تسليم أسلحته الكيماوية، وزعم مرارا عن تعرض شحنات أو مستودعات تحوي مواد كيماوية لهجوم، ومؤخرا أبلغ الامم المتحدة بوقف نقل هذه المواد بحجة الوضع في اللاذقية بعد فتح جبهة الساحل.
والأحد، أعلن الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في مقابلة مع اذاعة "اوروبا 1" ان فرنسا تملك "بعض العناصر" التي تفيد عن استخدام النظام السوري اسلحة كيميائية في شمال غرب البلاد على مقربة من الحدود اللبنانية ولكن من دون ان تملك "أدلة" على هذا الأمر.
وردا على سؤال صحفي عما اذا كان صحيحا ان نظام بشار الاسد لا يزال يستخدم اسلحة كيميائية، قال هولاند: "لدينا بعض العناصر (حول هذا الامر)، ولكنني لا أملك الادلة ما يعني انه لا يمكنني تقديمها".
وأضاف: "ما أعلمه ان هذا النظام اثبت فظاعة الوسائل التي يمكنه استخدامها وفي الوقت نفسه رفضه أي انتقال سياسي".
من جانبه، قال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس: "وردتنا مؤشرات ينبغي التثبت منها تفيد بوقوع هجمات كيميائية مؤخرا". واوضح ان هذه الهجمات "اقل اهمية بكثير من الهجمات التي وقعت في دمشق قبل بضعة اشهر، لكنها هجمات فتاكة للغاية وموضعية في شمال غرب البلاد على مقربة من لبنان".
وكانت بعثة من منظمة حظر الأسلحة الكيماوية زارت سورية العام الماضي وجمعت عينات من المناطق التي تعرضت لهجمات كيماوية؛ قد أكدت أن النظام السوري مسؤول عن هذه الهجمات على الأرجح، نظرا لطبيعة المواد المستخدمة والصواريخ التي حملتها، بما في ذلك الهجوم على منطقة خان العسل غرب حلب، حيث أكد التحليل أن مصدر المواد المستخدمة هو مستودعات النظام السوري. وكان النظام السوري قد زعم أن قواته في خان العسل تعرضت لهجوم كيماوي قبل الهجوم الكيماوي الواسع على الغوطتين.