كتب كريستيان كواتس أولريتشسن: لعبت العلاقات العُمانية
الإيرانية دورا مهما في تآكل الحصار الدولي والإقليمي على إيران في الأشهر الأخيرة، واعتبر البعض تلك العلاقات بابا خلفيا للتقارب بين السعودية وإيران، بينما فسرها آخرون على أنها محاولة من عُمان للتخلص من الهيمنة السعودية.
وفي الواقع، فإنه لا ضرورة لأن يكون أي من التحليلين هو الصحيح، وأن ما نراه هو ليس إلا تطورا لعلاقات امتدت عقودا أكثر منها ثورة على الشواطئ الجنوبية الشرقية للخليج.
إن العلاقة المتبادلة بين البلدين تمتاز بدرجة من العمق التاريخي والدفء الذي يميز عُمان عن بقية أعضاء مجلس
التعاون الخليجي، بما في ذلك قطر.
وكان هناك عدد من المبادرات المشتركة بين
عمان وإيران، عززت سمعة السلطنة كعضو شاذ في مجلس التعاون الخليجي يغرد خارج السرب في قضايا تتراوح بين التكامل الإقليمي والاتحاد النقدي، وكذلك ما يتعلق بإيران. وبطريقة مشابهة لقطر؛ أراد سلطان عمان، السلطان قابوس، أن يوازن بين المصالح الإقليمية والمصالح الدولية مع ترك مجال للمراوحة السياسية، ولكن بطريقة أقل صخبا وأقل مواجهة من الأسلوب الذي كانت تفضله القيادة السابقة في الدوحة.
وكانت التطورات خلال الأشهر التسعة الماضية قد أعادت تسليط الأضواء على الدور العماني في تسهيل عملية إعادة تأهيل إيران جزئيا، منذ نجاح الرئيس حسن روحاني في آب/ أغسطس 2013.
وأولها كان الدور الذي لعبته عمان في استضافة محادثات سرية بين مسؤولين أمريكيين وإيرانيين على مستوى بارز في الأشهر التي سبقت مفاوضات جنيف، التي نتج عنها اتفاق مؤقت حول البرنامج النووي الإيراني في تشرين ثاني/ نوفمبر2013.
والثاني هو سلسلة من المناورات البحرية العمانية- الإيرانية التي نفذت في خليج عمان، وهدفت إلى تحسين التعاون بين البلدين.
والثالث هو التوقيع في شهر آذار/ مارس، على اتفاق مبدأي قيمته مليار دولار أمريكي لمد أنبوب غاز بطول 350 كم من إقليم "هرمزغار" الإيراني إلى المركز الصناعي العماني في صحار.
بداية علاقات قابوس بإيران
تتماشى تلك المبادرات مع شكل العلاقات التي ربطت عمان مع إيران خلال قيادة السلطان قابوس الطويلة للبلاد، وليس هناك شيء جديد. ورسم شكل هذه العلاقة في أوائل حكم السلطان الذي بدأ عام 1970، عندما قدم الشاه لعمان مساعدة عسكرية للقضاء على تمرد دام عشر سنوات في إقليم ظفار الشرقي.
وبعدها لعب السلطان دورا في استضافة مفاوضات إنهاء الحرب الإيرانية- العراقية في 1988، واستمر في لعب دور تفاوضي وراء الكواليس لتأمين إطلاق سراح أفراد البحرية الملكية البريطانية عام 2007 ، وثلاثة سياح أمريكيين اعتقلوا في إيران عامي 2010 و2011.
كما أن السلطان قابوس كان أول زعيم عربي يزور إيران بعد انتخاب روحاني،حيث سافر إلى طهران في 25 آب/ أغسطس، ليقابل المرشد الأعلى للثورة الإيرانية آية الله علي خامنئي. وقام روحاني برد الزيارة في آذار/ مارس حين زار عمان في أول زيارة لدولة من دول التعاون الخليجي كرئيس.
ويدعم كل من هذه الإعلانات مستوى من الألفة المتبادلة والمصالح المشتركة، وهو ما يتناقض بشكل صارخ مع الشكوك القوية حول أهداف إيران الإقليمية التي تحملها دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، مثل السعودية والإمارات العربية المتحدة. وتبدو الأقلية السنية الحاكمة في البحرين حاليا أشد منتقدي إيران، في حين أن الكويت هي الأكثر تصالحية معها.
أغنية النفط والقوة
وشاعت التكهنات خلال زيارة قابوس لإيران في شهر آب/ أغسطس، بأن عمان تقوم بدور وساطة بين إيران والولايات المتحدة. بينما ارتفع احتمال التوصل إلى اتفاق بشأن خط الغاز في تشرين ثاني/ نوفمبر 2013 عندما صرح وزير النفط الإيراني "بيجان زنغنه"، بأن عمان ستكون "مركز تسويق" الغاز الإيراني.
وسعت عمان لشراء الغاز من إيران لسنوات عديدة، حيث وقع البلدان فعلا مذكرة تفاهم واسعة النطاق حول التعاون في مجال النفط والغاز عام 2005. وتغطي مذكرة التفاهم التطوير المشترك لحقل غاز "كيش" الإيراني وحقل "هنجام" المشترك، فضلا عن بناء خط أنابيب لتصدير الغاز من إيران إلى عمان. ومع ذلك، فالفشل في التوصل إلى اتفاق بشأن تسعير الغاز أدى إلى عدم دخول مذكرة التفاهم إلى مرحلة البيع والشراء، وبدأ البلدان بتطوير حقل "هنجام" المشترك بشكل مستقل عن بعضها البعض.
وإذا أبقينا هذه الخلفية في ذهننا، فيجب أن يُنظر إلى الاتفاق المبدئي على خط أنابيب يمتد تحت الخليج بدرجة من الحذر. فعلى الورق، تبدو مبادرة شاملة ومفيدة لكلا البلدين. ومن المقرر أن تدفع عمان تكاليف خط الأنابيب والبنية التحتية ذات الصلة، ولكن سيتم تعويضها من خلال الإيرادات الناتجة عن بيع الغاز. بينما تخطط إيران، من ناحية أخرى، للاستثمار في قطاع البتروكيماويات في ميناء جديد متكامل في سلطنة عمان والمنطقة الاقتصادية الخاصة في الدقم وسط عمان.
ومع ذلك فالأمور ليست وردية كما تبدو، فيجب التغلب على عقبات عديدة قبل أن يتم بناء خط الأنابيب، ناهيك عن تدفق الغاز. فهناك حاجة لدراسات فنية واقتصادية ودراسة جدوى للمشروع، في حين أن العقوبات الأمريكية ستؤثر على الشركات الدولية التي تتعامل مع إيران وتعقد بناء خط الأنابيب.
ورغم النجاح الأولي، إلا أن التوصل إلى اتفاق حول الأسعار لم يتحقق كما كان في السابق، عندما حاولت إيران تصدير الغاز للخليج، وهذا ماحدث عام 2010 عندما ألغى الإيرانيون اتفاقية أسعار من عام 2001 لبيع الغاز للإمارات، عن طريق خط الشارقة الذي تم الانتهاء منه عام 2008.
هل ستسير عمان وحدها؟
إن استضافة عمان للمحادثات الأمريكية الإيرانية والمناورات البحرية المشتركة، تتناغم مع محاولة البلاد تحقيق أقصى قدر من الاستقلالية في السياسة الإقليمية والدولية. وكدولة صغيرة في منطقة مضطربة؛ شهدت ثلاثة صراعات رئيسة بين الدول منذ عام 1980، وشكلت هذه التحركات الحساسة والمحسوبة حجر الزاوية في السياسة الخارجية العمانية لمدة طويلة.
ووضع بدر بن حمد آل بو سعيد، مساعد وزير الخارجية آنذاك، أساسيات هذه السياسة في وقت مبكر من عام 2003. وفي خطاب له في بروكسل، أوضح رؤية بلاده لدور الدول الصغيرة في عصر العولمة.
قال بوسعيد: "نحاول استغلال موقعنا المتوسط بين قوى كبيرة لتقليل احتمال وقوع نزاع في محيطنا المباشر".
مقارنا عمان بالنرويج أكد بن سعيد، قائلا: "نستطيع العمل بصمت ودون لفت الكثير من الانتباه بأخذنا درجة ما من الاستقلالية النسبية من القوى المحلية والدولية".
وتحسب التوترات المتزايدة بين سلطنة عمان والمملكة العربية السعودية حول مستقبل مجلس التعاون الخليجي، أنها تقع ضمن هذه الموازنة الدقيقة للمصالح الإقليمية والدولية المتنافسة. وكانت عمان منذ سنوات عضوا هامشيا إلى حد كبير من دول مجلس التعاون الخليجي المؤلف من ست دول. وفي عام 2007 كانت أول بلد ينسحب من العملة الخليجية الموحدة، وعارضت منذ عام 2011 خطط السعودية لتحويل المنظمة إلى اتحاد خليجي.
هذا الإصرار على المحافظة على الجوانب الأساسية من السيادة توجت بمجموعة من التصريحات الصدامية في أواخر عام 2013 قبيل القمة السنوية لمجلس التعاون في الكويت، حيث كانت هناك توقعات بأن تحتوي أجندة القمة على مشروع للتكامل، ولكن وزير خارجية عمان، يوسف بن علوي أعلن على الملأ: "نحن ضد الاتحاد". وأضاف: "لن نقف في وجه تشكيل اتحاد ولكن إن حصل فلن نكون جزءا منه".
والنتيجة النهائية من الاجتماعات الأخيرة على مستوى عال والتدريبات العسكرية لا تشكل بذاتها تغيرا في الجغرافية السياسية في المنطقة، فعمان لم تكن يوما دولة أساسية في مجلس التعاون ودائما ما سعت ليكون لها طريقها الخاص، ولذلك لا يمكن القول بأن ما حصل هو محاولة من عمان للخروج من دائرة نفوذ مجلس التعاون الخليجي، كما أنه لا يتم استخدام عمان لتحسين العلاقات بين السعودية وإيران.
والصحيح أن هذه التحركات تتسق مع مبادئ السياسة الخارجية العمانية وتعكس طبيعتها الاستيعابية والحذرة. أما الائتلاف المتشدد الذين تكون حديثا من السعودية والبحرين والإمارات في قضايا الأمن العربي، فسيكون سببا في تهميش عمان أكثر في المجلس، وسيؤدي بالتالي إلى تكوين المزيد من العلاقات مع إيران كتجاوب براغماتي من السلطنة مع الأوضاع الإقليمية.
*
كريستيان كواتس ألريتشسن: باحث في جامعة رايس في كلية السياسة العامة المرتبطة، وأستاذ زائر في كلية هنري جاكسون للدراسات الدولية في جامعة واشنطن، سياتل.
(ترجمة خاصة لـ"عربي21" عن موقع "ميدل إيست آي")