نقلت صحيفة "
الغارديان" البريطانية عن مسؤولين أمنيين وعسكريين
مصريين قولهم إن الهدف من عملية إغلاق وتدمير الأنفاق بين مصر وقطاع
غزة هو الضغط على حماس والتعجيل برحيلها.
كلام المسؤولين الأمنيين يكشف حقيقة الموقف المصري من ملف غزة، ويكذب في ذات الوقت تصريحات وزير الخارجية نبيل فهمي الأسبوع الماضي للصحيفة نفسها والتي قال فيها "سنواصل إغلاق الأنفاق لأنها غير قانونية وتمثل تهديدا على أمن مصر"، مضيفا أن هذه القضية "لا تستخدم كنقطة ضغط على حماس".
لكن المسؤولين الأمنيين والعسكريين يقدمون قصة أخرى غير ما يقوله فهمي، "هدفنا" يقول أحدهم هو "تأمين الحدود وحماية أمننا القومي والقضاء على التهريب، ولكن بطريقة أخرى وفاعلة لأننا نريد للسلطة الوطنية أن تدير القطاع، وعملنا هو تمكين السلطة الوطنية من إدارة القطاع وأن يكون فيه من يمكننا التعامل معه، ولا توجد لدينا علاقة مع حماس، وننظر إلى أفرادها باعتبارهم جماعة إرهابية متحالفة مع الإخوان المسلمين".
وبحسب مصدر عسكري آخر فإنه لا ضير أن تتأثر حماس بإغلاق الأنفاق "لن تكون حماس راضية لأنها تحصل على أموال كثيرة منها (الانفاق)، ملياري دولار في العام، هذه ليست مشكلتنا، هل سنسمح لهم بمواصلة هذا العمل، لا، لأنه ليس قانونيا".
وأضاف مستخدما كلمة سيئة "أولاد حرام، ونفضل حكومة أخرى، وهذا هو واحد من الأهداف، وعندما يكون لديك حكومة غير مرغوب فيها في بلد جار، فقطعا نعمل على تغيير النظام".
وجاء حديث الصحيفة عن "حماس" في ضوء اتفاق المصالحة مع "فتح" التي أعلن عنها الخميس 24 نيسان/ أبريل الحالي، وتشير إلى أن مصر وإن اعتبرت حماس حركة غير مرغوب بها، إلا أنها واصلت الاتصالات الأمنية مع الحركة وإن على مستويات منخفضة.
وتقول الصحيفة "رغم الموقف المصري المتشدد تجاه حماس، وإغلاق الأنفاق، إلا أن حركة حماس ظل لديها خط ساخن مع الأجهزة الأمنية المصرية، التي اعتمدت تاريخيا على حركة حماس للتوسط في وقت الأزمات مع الحركات الأخرى خاصة الجهاد الإسلامي".
ولكن "عندما قامت الجهاد الإسلامي بإطلاق 70 صاروخا على إسرائيل الشهر الماضي لم تتصل مصر بحماس بل اتصلت مع الجهاد مباشرة طالبة منها وقف التصعيد". وهو ما أثار حفيظة حركة حماس.
وينقل التقرير عن مخيمر أبو سعدة، الباحث في جامعة الأزهر قوله "حماس هي مشكلة لمصر بسبب الإخوان المسلمين المحظورة في مصر الآن، ولكن هذا لا يعني عدم وجود اتصالات بين الطرفين، وإن كانت الآن في أدنى مستوياتها". وكانت السلطات المصرية قد سمحت لموسى أبو مرزوق، نائب رئيس المكتب السياسي لحماس، بدخول القطاع كمقدمة لعقد المصالحة التي تأمل حماس أن تؤدي لتخفيف القيود المصرية على معبر رفح الذي لا يفتح الآن سوى بضع مرات في الشهر.
ورغم سياسة التصعيد والتضييق على غزة، فلا تزال بعض المنتجات تصلها، مثل الإسمنت الذي تنتجه شركةٌ، للجيش مصالح مالية فيها، وبعض المشاريع الأجنبية، التي للمتعهدين المصريين مصالح فيها.
من الناحية السياسية تقول الصحيفة إن النظام المصري الحالي وإن رغب بالتشديد على حماس لأغراض تتعلق بالواقع المصري المحلي، إلا أنه واع بأن إجراءاته قد تؤدي لعقاب جماعي لسكان القطاع.
وتشير الصحيفة للدوافع السياسية والاقتصادية والأمنية التي دفعت حماس للمصالحة مع فتح، خاصة أن علاقتها مع الأخيرة اتسمت بالحدة بعد سيطرة حكومة حماس على القطاع عام 2007.
ويشير تقرير أعده كل من بيتر بيومنت وباتريك كينغزلي، إلى محل وتجارة سالم صلوحة، الذي بدأ في غزة عام 1961 ويلخص حسب رأيهما ما مر على القطاع خلال العقود الماضية، وتحديدا منذ الإطاحة بالرئيس المصري المنتخب محمد مرسي العام الماضي.
ويقول التقرير إن أحسن الأيام التي شهدها محل صلوحة الذي يتاجر بالملابس المستعملة والخردوات كانت في أيام مرسي، حيث كانت تصل البضائع عبر شبكة الأنفاق، وكان لدى الغزيين من المال ما يجعلهم يقبلون على شراء الملابس وسط حالة متواضعة من الازدهار الاقتصادي التي شهدها القطاع خلال العام الذي حكم فيه مرسي وجماعة الإخوان المسلمين مصر. وانتهى كل هذا بالانقلاب؛ حيث ساءت العلاقات بسبب الاتهامات المتكررة التي وجهتها الحكومة المصرية لحماس، وأن لها دورا في الوضع الأمني المتدهور في سيناء.
وفي الظرف الحالي يقوم صلوحة بشراء نفس البضائع، لكن عبر إسرائيل، مما يرفع أسعارها بنسبة 30%، مما أدى لخسارته نصف زبائنه.
ويشير صلوحة إلى أن غزة تعاني من "حصار مزدوج"، أي سياسة الحصار التي تمارسها إسرائيل على غزة منذ سيطرة حماس على القطاع عام 2007، والسياسة المصرية المتمثلة في إغلاق معبر رفح وتدمير الأنفاق، مضيفا أن "إسرائيل ومصر تتنافسان فيما بينهما" بتشديد الحصار.
وبناء عليه تقول الصحيفة إن حماس قد تكون جادة هذه المرة في المصالحة وإصلاح العلاقة التي اتسمت بالحدة مع فتح. وإن لم تكن جادة فلماذا تنظر حماس للاتفاق الذي وقع هذا الأسبوع على أنه خطوة مناسبة؟
فرغم غموض الاتفاق الذي يتحدث عن حكومة وحدة وطنية مكونة من تكنوقراط، ودخول حماس والجهاد الإسلامي تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية، إلا أن الأحداث التي عصفت بالمنطقة العربية ومنذ الربيع العربي عام 2011 قد تكون عاملا في الدفع باتجاه المصالحة، فقد "تركت هذه الأحداث حماس في عزلة، حيث تعاني الدول التي كانت تدعمها من مشاكلها.. حرب في سوريا وإيران البعيدة، أو أغلقت الباب بالكامل عليها، كما في حالة مصر".
وكانت نتائج كل هذا "سياسية واقتصادية" مضيفة إلى أن "الضرائب التي كانت تجمعها حكومة حماس من تجارة الأنفاق كانت تدفع منها رواتب 47.000 موظف، كانوا يعملون مباشرة مع الحركة، والذين تلقوا في الأشهر الأخيرة نصف رواتبهم".
والأمر المختلف في الأزمة الاقتصادية الحالية عن السابقة عندما بدأ الحصار عام 2007، هو أن سكان القطاع كان لديهم المال لإنفاقه أما الآن فلا.
وينقل التقرير عن عمر شعبان، الاقتصادي الباحث في "بالثينك" وهو مركز بحث فلسطيني، قوله عن إغلاق الأنفاق إنها "كانت مصدر دخل لها وكانت "حماس" تعتقد أنها ستدوم، والصدمة كانت عميقة لأن حماس لم تتوقع هذا". و "ما هو صادم هو عدم قدرتهم (حماس) على دفع الرواتب للذين يعملون مباشرة مع الحركة، والذين يضمون قطاعا كبيرا ممن يعملون في الأجهزة الأمنية بمن فيهم عناصر القسام والأمن الداخلي".
وهناك سبب آخر يدفع حماس للمصالحة مع فتح، وهو ما أشارت إليه عميرة هاس في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية "توقع الكثير من المحللين الفلسطييين انهيار السلطة الوطنية، واستمرار إسرائيل في إضعافها، مما يعني تقوية موقع حماس وحكومتها" و "في حالة انضمام حماس لمنظمة التحرير الفلسطينية، فستصبح قوة كبيرة فيها، وإن لم تنضم إليها فسينظر إليها كممثل شرعي وحقيقي للفلسطينيين، وقد تؤدي هذه الشكوك المتبادلة عن دوافع الطرف الآخر إلى تخريب المصالحة مرة أخرى".