كتب: دانييل واجنر، وجيورجيو كافييرو، وسفيان بن عزير
أصبح الاتحاد الأوروبي أكثر وضوحا في تعبيره عن رغبته في التقليل من استهلاكه للغاز الطبيعي الروسي، وكنتيجة لذلك أصبحت دولة قطر في موقع مناسب للعب دور مؤثر في مجال توفير الطاقة للاتحاد الأوروبي.
بالرغم من عدم وجود احتمال كبير أن يقوم الاتحاد الأوروبي باستبدال
روسيا بقطر كمورد رئيسي للغاز الطبيعي، إلا ان قطر يمكنها المساعدة في التقليل من اعتماد
أوروبا على موارد الطاقة الروسية وفي نفس الوقت يمكنها الحصول على قوة دبلوماسية أكثر تأثيرا من روسيا على الحكومات الأوروبية.
والدوحة يمكنها تذكير روسيا مرة أخرى أن حجم قطر الصغير لا يمنعها من تهديد المصالح الاستراتيجية الروسية.
ولحسن حظ الاتحاد الأوروبي لم تبدأ الأزمة الأوكرانية قبل ذلك ببضعة سنوات. ففي 2006 كانت ما يقرب من 80 بالمائة من مبيعات روسيا من
الغاز الطبيعي تمر عبر أوكرانيا. وتم تخفيض ذلك إلى 50 بالمائة في 2013 بعد سنتين من تشغيل خط نورد ستريم للغاز الطبيعي والذي ربط بين فايبورج في روسيا وساسنيتز في ألمانيا من خلال بحر البلطيق.
وفي 2013 بدأ الاتحاد الأوروبي وروسيا في أعمال بناء مشروع خط ساوث ستيم للغاز الطبيعي والذي يربط بين روسيا وبلغاريا عبر البحر الأسود، وهو ما يمكنه زيادة التجارة في مجال الطاقة بين روسيا وأوروبا مع تجاهل أوكرانيا.
ولكن التوتر في العلاقة بين الاتحاد الأوروبي وروسيا ربما يشكل خطرا على مستقبل مشروع خط ساوث ستريم. والشركات الأوروبية المشاركة في المشروع كان لها رد فعل مختلف، ففي حين قال رئيس شركة إي إن آي الإيطالية أن المشروع يواجه مستقبل مظلم، لازالت بعض الشركات البلغارية والألمانية متفائلة وكذلك الحال بالنسبة لشركائهم الروس.
ومن الطبيعي أن كل دولة أوروبية تواجه تحديات جيوسياسية مختلفة ودرجات متفاوته من القرب الجغرافي من مصادر بديلة للغاز الطبيعي، وبالتالي سوف تحدد مصالح الدول المختلفة طريقة رد فعل كل دولة أوروبية على المشروع في المستقبل.
وتتركز الفرص القطرية في الاتحاد الأوروبي في وسط وشرق أوروبا حيث ترتفع نسبة الاعتماد على الغاز مقارنة بالأماكن الأخرى كما تسود مشاعر العداء لروسيا.
وبالرغم من اعتماد بولندا بنسبة 60 بالمائة على واردات الغاز الكبيعي الروسي، لجأت وارسو إلى إجراءات شجاعة لشراء الغاز من موردين آخرين (من ضمنهم قطر)، وذلك منذ حرب الأسعار الروسية الأوكرانية في 2009 التي ألقت الضوء على المخاطر الجيوسياسية لاستمرار الاعتماد على الغاز الروسي.
ومن المتوقع أن تبدأ محطة الغاز الطبيعي البولندية في ميناء سفينوتشة باستيراد الغاز قطري في عام 2015. وفي حين تستثمر دول شرق أوروبا (بما في ذلك استونيا وليتوانيا) بشطل كبير في البنية التحتية للغاز الطبيعي المسال، من المرجح أن تحصل قطر على فرص جديدة من واقع امتلاكها لشركة قطر للغاز- أكبر شركة لشحن الغاز الطبيعي في العالم.
وبالرغم من كون قطر تمثل أقل من 1 بالمائة من حجم روسيا، تمتلك الدولة الخليجية أكثر من نصف احتياطي الغاز الطبيعي الروسي مما يجعلها في المرتبة الثانية عالميا بعد روسيا من حيث تصدير الغاز.
ولكن قطر تدرك أنها لا تستطيع أن تحل محل روسيا كمورد رئيسي للغاز، وليس من الواضح أن قطر لديها أي طموح في هذا الشأن.
وبسبب حصة روسيا الضخمة في السوق الأوروبي يمكنها بيع الغاز الطبيعي للدول الأوروبية بسعر أقل بنسبة 40-50 بالمائة من السعر القطري. أما قطر فهي تصدر نسبة تقارب 70 بالمائة إلى الصين والهند واليابان وسنغافورة وكوريا الجنوبية مما يجعل الاقتصاد القطري أقل اعتمادا على التصدير إلى الاتحاد الأوروبي.
وبالتالي فمن المحتمل أن توقع روسيا صفقات غاز مع أوروبا بأسعار أقل من أي مستوى يمكن أن يراه القطريون مقبولا في ضوء الفرص التي يوفرها لهم السوق الآسيوي. ففي حين ترغب بولندا في دفع مبلغ مرتفع من أجل تقليل الاعتماد على الغاز الروسي إلا أن الحكومات الأوروبية الأخرى لن سكون لديها الامكانية ولا الدافع للقيام بذلك.
إن دور روسيا البارز في سوق الغاز الأوروبي لا يمكن تهديده على المدى القريب. وحتى بولندا (عضو الاتحاد الأوروبي التي تعتبر الأكثر رغبة في التقليل من اعتمادها على الغاز الروسي) لازال لديها عقد ساري حتى عام 2022 مع شركة جازبروم الروسية.
وعلى الناحية الأخرى هناك احتمالية أن تعيد ألمانيا البدء مجددا في تشغيل مصانع الطاقة النووية والتطور في التكنولوجيا الخضراء والاستهلاك المتزايد للفحم مما قد يقلل من استهلاك الاتحاد الأوروبي للغاز الطبيعي بشكل عام.
وعلاوة على ذلك ربما تؤدي الاستثمارات المكلفة في البنية التحتية للغاز المسال (والتي ربما تضطر الحكومات الأوروبية المتعثرة ماليا أن تقوم بها من أجل تأمين حصة واردات غاز من قطر) إلى الحد من قدرة قطر على منافسة روسيا في السوق الأوروبي.
وإذا استطاعت قطر بشكل متدرج أن تبعد الاتحاد الأوروبي عن الغاز الروسي سوف يعاني الاقتصاد الروسي. ولكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا يبدو قلقا من هذه المناورات، حيث قال لأحد الصحفيين في 17 ابريل 2014 أنه من "المستحيل" أن يوقف الاتحاد الأوروبي شراء الغاز الروسي.
وعندما يزور بوتين بكين في مايو 2014 ستكون مسألة الطاقة من أولويات أجندة الزيارة حيث تبدو الصين أنها الدولة الوحيدة التي يمكن أن تعرض على موسكو مكانا بديلا لتصدير الغاز الروسي ليكون متناسبا مع أي انخفاض في استهلاك الاتحاد الأوروبي لمصادر الطاقة الروسية.
وعلى المدى البعيد يمكن لقطر أن تجعل الاتحاد الأوروبي يقوم تدريجبا بتنويع موارد الغاز الطبيعي وفي هذه الحالة سوف تفقد روسيا نسبة من قدرتها على التأثير على بروكسل على طاولة المفاوضات. وبالمقابل ربما تقوم الدوحة مرة أخرى بتذكير روسيا أن حجم قطر الصغير لا يمكن أن يوقفها من تهديد المصالح الاستراتيجية الروسية.
إن استضافة قطر للقاعدة العسكرية الأمريكية ودعمها للثورات ضد الأنظمة الموالية لروسيا في ليبيا وسوريا يدل أن قطر بالفعل وضحت قدرتها على التأثير على أجندة روسيا في العالم العربي.
ويتلخص السؤال في النهاية في ما إذا كانت أوروبا ستختار الغاز القطري بدلا من البدائل الأخرى للغاز الروسي، وما إذا كانت الدوحة ستستثمر في شراكة طاقة أكبر مع الاتحاد الأوروبي.
وبناءا على الدوافع المختلفة لروسيا وقطر في ما يتعلق ببيع الغاز إلى أوروبا والاختلاف في ما يتعلق بالبنية التحتية للطاقة التي تصل الدولتين بالاتحاد الأوروبي، فمن غير المحتمل أن تقوم قطر بخطوة كبيرة في مسألة اعتماد الاتحاد الأوروبي على الغاز الروسي في المدى القريب.
ولكن التوتر في العلاقات الروسية مع الدول الغربية ربما يعطي قطر فرصة استراتيجية لكسب المزيد من النفوذ في أوروبا على مدار السنوات القادمة.
*دانيال فاجنر هو رئيس مجلس إدارة Country Risk Solutions ومستشار كبير بشركة Gnarus Advisors. جيورجيو كافيرو هو عضو مؤسس بشركة Gulf State Analytics، وسفيان بن عزير هو محلل يعمل بنفس الشركة.
(ميدل إيست آي 28/4/2014)