أكد نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ومدير مركز المقاصد للدراسات والبحوث الدكتور أحمد الريسوني، أن الانقضاض على الإسلاميين في دول
الربيع العربي "دليل على نجاحهم في الحُكم".
وأوضح الريسوني في تصريحات له الخميس أذاعها القسم الإعلامي لجماعة العدل والإحسان في
المغرب، "كما هو معلوم، أحداث الربيع العربي لسنة 2011 جاءت بغتة، وتطورت بسرعة. فحتى الحركات الإسلامية، والتيارات السياسية المنظمة، لم تكن هي من بادر ودعا وقاد. وهذا لعله من أسباب النجاحات التي تحققت يومذاك. لكن ما لا عذر فيه للعلماء والمشايخ ـ ولا لغيرهم ـ هو وقوف من يقفون ضد مطالب الشعوب وحركيتها وتطلعاتها وحقها في العدالة والحرية السياسية والكرامة المعيشية. وأسوأ منه اصطفاف بعضهم صراحة إلى جانب الظلم والفساد والاستبداد".
وأضاف: "إذا التحق العلماء بالأحداث ووجهوها بمقتضيات الشرع والعلم، فهذا جيد. وكما يقال: التأخر في الوصول خير من عدم الوصول. مع أن العلماء ليسوا بالضرورة زعماء وصناع أحداث، وليسوا حتما يصلحون للزعامة. وفي صناعة الأحداث، أتصور أن العلماء وغيرهم سواء، لكن توجيه الأحداث وتسديدها وترشيدها هو للعلماء قبل غيرهم. ولكن المشكل هو أن يبقوا بعيدين عن الأحداث متفرجين فيها، على اعتبار أن هذه سياسة، أو هذه فتنة. ولو فرضنا وجود فتنة فعلا، فمن لها غيرُ العلماء؟ وهل تقع الفتنة أصلا إلا بسبب غياب العلماء وسلبيتهم؟".
وعما إذا كان وقوف أغلب العلماء إلى جانب السلطان، نابع من موقف شرعي أم سياسي، قال الريسوني: "الوقوف مع السلطان الشرعي في سياساته الشرعية، هذا واجب شرعي وموقف شرعي، أما الوقوف مع الظلمة الفاسدين فأعتقد أنه بالدرجة الأولى ليس لا سياسيا ولا شرعيا، بل هو موقف شخصي وحساب مالي.
وحول حدود طاعة الإمام الجائر وضوابط الخروج عليه وخلعه، قال الريسوني: "من المعلوم أن الإسلام نبت وأسس كيانَه الأولَ في بيئة لم تكن تعرف لا دولة ولا نظاما ولا سلطةً جامعة معترفا بها، فلذلك كان مما عمل على تثبيته وتربية الناس عليه أن يتعلموا العيش في ظل سلطة وأحكام وحدود. ولذلك كان من قواعده طاعة أولي الأمر منا. وهي طاعة في المعروف وفي حدود الشرع، أو بتعبير اليوم: الطاعة في حدود القانون. وهذه الطاعة تعني عدم التمرد على الأحكام وعلى الشرعية الصحيحة، أي عدم الرجوع إلى حالة الفوضى واللانظام. فهي أولا طاعة لسلطة شرعية منبثقة (منكم). وهي ثانيا قائمة على العدل وأداء الأمانات. ثم هي ثالثا مشروطة ـ في حال الاختلاف والتنازع ـ بالرد إلى كتاب الله وسنة رسوله. وهي في النهاية والمحصلة طاعة مشتركة متبادلة".
وأضاف: "أما قضية العزل، فهي كقضية الاختيار، أو هي وجهها الآخر. وبصفة مبدئية عامة يجب عزل الحاكم متى أخل بشروط البيعة والتزاماتها. غير أن المشكلة ليست هنا، المشكلة في من سيتولى العزل، وكيف؟ الجواب النظري هو: أن العزل يتولاه أهل الحل والعقد. لكن الواقع العملي هو العكس، أي أن الحاكم هو من يعزل أهل الحل والعقد، ويستبدل بهم من لا يحلون شيئا ولا يعقدون إلا بأمره. إذاً المشكلة ليست فقهية ونظرية، وإنما هي مشكلة واقعية تاريخية. فلحد الآن لم ينجح المسلمون في تبني وتثبيت آلية محددة ومضبوطة لعزل الحاكم المنحرف، أو المخل بشروطه وواجباته، أو المنتهية ولايته أو قدرته. وهذه مسؤولية الجميع، وليست مسؤولية العلماء وحدهم".
وأضاف: "نحن اليوم نعيش في واقع وفي عالم أصبح يسير أكثر فأكثر نحو الضبط القانوني الدستوري لكل ما يتعلق بالحكم ومؤسساته وصلاحياته. ومن ذلك ضبط طريقة تولية الحاكم، وطريقة عزله، وطريقة انتهاء ولايته. فلا بد أولا من التنصيص الدستوري الصريح على ذلك، ولا بد من تحديد الجهة التي يكون من اختصاصها النظر في مسألة العزل، على أن تكون جهةً مستقلة، وقادرة على ممارسة استقلالها وصيانته. وبدون هذا تبقى أبوابنا مفتوحة لجميع الاحتمالات. فالمسألة لا ينبغي أن تبقى منوطة بالفتوى والفتوى المضادة، المسألة أكبر وأخطر من أن يحلها العلماء وفتاواهم، لا الفردية ولا الجماعية".
وعن رأيه في الربيع العربي، قال الريسوني: "الربيع العربي جاء تعبيرا عن الأزمة الخانقة والوضعية الحالكة، التي تعيشها البلدان العربية أنظمة وشعوبا. وحسبك أن شرارتها كانت عبارة عن عملية انتحار. وما زالت ظاهرة الانتحار الاحتجاجي السياسي تتوالى بمعظم الدول العربية. الانتحار احتجاجا على الحكام وأعوانهم، وعلى ما يصدر منهم من ظلم وقهر وإهانة، هذه ظاهرة جديدة، وهي من ظواهر الربيع العربي ومن تعبيراته المؤسفة المؤلمة".
وأضاف: "كان المفروض أن يعقد الحكام العرب قمة طارئة لتدارس هذه الأزمة الخانقة والوضعية الحالكة، التي أوصلوا إليها شعوبهم، وأن يتحلوا في مثل هذه الحالة على الأقل بالشجاعة الأدبية والسياسية، ليعلنوا الإصلاحات والحلول الجذرية السريعة، بشكل انفرادي وجماعي. ولكن أكثرهم بادروا فقط إلى مزيد من تحصين أنفسهم والتمترس خلف أسوارهم وجيوشهم وأجهزتهم. وبعضهم آلوا على أنفسهم أن يتصدوا بكل إمكاناتهم لكسر حركية الشعوب وتطلعاتها ودفنها قبل أن تزهر وتثمر. وسواء في مصر وسورية، أو في تونس واليمن، أو في غيرها من الدول العربية، فصراع الإرادات (الشعب يريد، والنظام يريد)، سيستمر طويلا، يشتد تارة ويخف تارة، يشتد هنا ويهدأ هناك، والحرب سجال يوم لك ويوم عليك".
وأكد أن "خيارات الفعل الإصلاحي ليست محصورة بين أحد أمرين: إما التسليم بما هو كائن، أو الفتنة، بل بينهما خيارات ودرجات عديدة"، وقال: "إن التغيرات والآمال التي انفتح بابها مع الربيع العربي ليست بالهينة ولا بالمحدودة، إنها مسار نهضة وإصلاح وتصحيح، سيمتد إلى جميع الأصعدة، ويحتاج إلى زمن مناسب، وإلى معارك متنوعة. لذلك فمن الغلط الفادح الاعتقاد بأن ذلك سيمضي بسهولة وبلا عثرات ولا تحديات، كما أنه من الغلط الفادح الاعتقاد بأن الثمار ستجنى في بضعة أشهر، مثلما تجنى غلة البطاطس والطماطم. فالفساد الذي عمر وتجذر عهودا متطاولة، لا يمكن معالجته بين عشية وضحاها. ولكن في المجمل والمحصلة: أعتقد أن المستقبل للشعوب، ولمن ينحاز للشعوب، ولمن يستجيب للشعوب".
وحول رأيه في تجربة الإسلاميين في الحكم، قال الريسوني: "من حيث التفاصيل، لهم ما لهم، وعليهم ما عليهم، مع تفاوت في كل ذلك من حالة لأخرى. ومن حيث الجملة فهم ناجحون. وأكبر دليل على نجاحهم هو الانقلاب عليهم وقطع تجربتهم بالقوة، كما وقع في الجزائر وفلسطين ومصر. وكما وقع بأشكال أخرى مع تجارب أخرى. لو كانوا فاشلين، أو ذاهبين إلى الفشل، لما تطلب الأمر الانقضاض عليهم بشكل سافر فاضح، وهم في بدايات تجاربهم"، على حد تعبيره.