مقالات مختارة

معتدلو السنة والشيعة

1300x600
كتب سرمد الطائي: استطاعت أزمة الأنبار، تحييد كل دعوات الاعتدال، ووضعتنا أمام صورة في المرآة هي أسوأ الصور على الإطلاق. متشددون يحملون السلاح ويتخندقون في مدينة. وجيش تحركه قيادة سياسية لا تؤمن بالسياسة، وتراهن على الغلبة فقط.

انها لحظة اكثر حرارة من كل انهار الدم المسفوح. عجزنا خلالها عن كل شيء، ولم ننجح الا في وضع المتشددين من الجانبين، على منصة صنع القرارات. وأسوأ ما فيها شعور شريحة واسعة بأن المتشددين سيظلون اصحاب الكلمة العليا خلال السنوات المقبلة.

اجتماعيا، يشعر الكثير من الشيعة بأن متشددي السنة لهم القول الفصل، وأنهم سيواصلون دعم العنف، ولن يتصالحوا مع حكومة يرأسها الشيعة. وفي نفس الوقت، لم ينجح معتدلو السنة وهم كثيرون، في تبديد هذه الصورة بما يكفي، رغم انهم بذلوا جهدا كبيرا لابداء المرونة والانخراط في المشروع السياسي، وقدموا تضحيات مؤلمة في المواجهة مع التنظيمات المسلحة التي لا تؤمن بالسياسة.

وعلى الطرف الاخر ايضا، يشعر كثير من السنة، بأن الشيعة مجرد مشروع ايراني، تدعمه اميركا. وأن الموت المتبادل ترجمة واقعية لهذه المعادلة. وأيضا لم ينجح معتدلو الشيعة في صناعة موقف قوي مؤثر يبدد هذا التصور، رغم انهم حاولوا كثيرا وغامروا احيانا حتى بتأييد جمهورهم، وأثاروا غضب رئيس الحكومة الذي ينتمي لطائفتهم، ومن وراءه من الداعمين.

وستكون نتائج الانتخابات وما يليها من تفاوض لتشكيل الحكومة المقبلة، فرصة لقاء مهم بين "معتدلين" من الطرفين، قدموا تضحية لافتة، نتيجة انحيازهم لخيار الحوار. بل ان ما يحصل في الانبار حاليا، من مأساة مؤلمة، يمكن ان يشكل دافعا ايجابيا للطرفين، كي يعيدوا الاعتبار بشكل اوضح، لاهمية مواقفهم المرنة في منع حصول مأساة مشابهة، لان الطريق نحو هذه الكوارث سيبقى مفتوحا بسلاسة، امام شتى انواع المغامرات، من طرف المسلحين وقيادة الحكومة، اذا لم يحصل تغيير عميق في نهج السلطة.

النقطة التي باتت في صالح المعتدلين من الطرفين، هي انتهاء خشيتهم من تأثير المواقف الواضحة والتنازلات المتعقلة، على شعبيتهم عند الناخبين. وكثيرا ما كان يعتذر هذا السياسي او ذاك، بأنه لا يتمكن من "الذهاب اكثر" ضمن مواقف الاعتدال، لأن جمهور الناخبين "الانفعالي والذي يصعب افهامه بالضرورات" قد يغضب ويحول اصواته الى الخصوم. اما الان فان الاقلام رفعت، وحصل كل فريق على نصيبه.. ويفترض انه لن تبقى اعذار امام اي تخوف من هذا القبيل.

لكننا سرعان ما سنواجه عقبة جديدة، هي "ضغوط الخارج" التي تؤثر على تماسك القوائم وتلاحم الكتل. و"الخارج" هذا، لن يكون سعيدا جدا اذا لاحظ وئاما واعتدالا "ازيد من اللازم" بين الاقوام والطوائف، اذ ان التأثير والنفوذ يمر عبر الانقسامات وأجواء الريبة. وحين يقتنع اهل الحل والعقد بإبرام التسويات، فان "جبهة الداخل" المتماسكة، ستستعصي على "نفوذ الخارج".

ولذلك فإن من الطبيعي ان يكون جزء مهم من التفاوض، مع "الخارج" هذا. طالما كنا عالقين في لحظة ضعف استثنائية. وهو امر سيكون صعبا، لكنه ايضا فرصة جديدة لابلاغ الخارج بأننا لسنا "جمهورية موز" يمكن احتجازها في وعاء الدم الى الابد. بل ان الوقت حان ليتكيف الجيران والشركاء، مع لحظة يتصالح فيها العراقيون مع انفسهم.

مأزق الانبار عكس عجزا سياسيا لدى فريق الاعتدال، لكننا نسمع منهم ان المرحلة المقبلة ستشهد فعلا سياسيا مسؤولا وجريئا، في الداخل وفي الخارج. وستكون امامنا شهور صعبة، تختبر هذه الرغبة وتتحداها بأشرس الاساليب، وستكشف لنا مدى ايمان المعتدلين هؤلاء، بأنهم اقوى من رهانات الموت والتغلب الفارغ. بل ستكشف لنا الى اي درجة، امتلك العراقيون مهارة الانخراط في الامم المتمدنة، التي تكافح لتخفيف سوء المقادير وقسوتها، بكل ما في هذا التعبير من قسوة.

(المدى العراقية)