لم يكتف الاحتلال
الإسرائيلي في العام 1948 بسرقة الأرض، بل تعداها ليسرق التاريخ والتراث
الفلسطيني بشكل ممنهج منذ
النكبة وحتى يومنا هذا.
ففي العام 2009 كشف الباحث الإسرائيلي غيشت أميت عن قسم في المكتبة الوطنية الإسرائيلية تحت اسم "أملاك متروكة" قال إنها تتعلق بآلاف الكتب باللغة العربية والتي نُهبت من بيوت ومكتبات السكان الفلسطينيين الذين نزحوا أو رُحلوا من بيوتهم في القدس الغربية خلال النكبة، الأمر الذي ألهم المخرج الإسرائيلي بيني برونر لعمل فيلمه المشهور "سرقة الكتب الكبرى".
وعلى إثر الفيلم الذي عرضه برونر طالبت جامعة الدول العربية، العالم العربي والمجتمع الدولي، بالتحرك لإنقاذ
التراث الثقافي الفلسطيني، بعد أن كشفت السرقة الضخمة التي نفذتها عصابات "الهاجانا" للمكتبات الخاصة والعامة بفلسطين إثر عدوان 1947 والتي قدرت بـ70 ألف وثيقة وكتاب.
ولم تتوقف دولة الاحتلال عند هذا الحد فقامت وعلى مدى 66 عاما من الاحتلال بمحاولة تهويد القدس بكافة الوسائل من طرد للمقدسيين من منازلهم وإحلال المستوطنين مكانهم وهدم لبيوتهم ومصادرة أراضيهم وسحب إقاماتهم وفرض ضرائب باهظة عليهم، وحفر الأنفاق، هدم المحال التجارية، في محاولة لتغيير المعالم التاريخية للقدس ومحاولات ضمها إلى قائمة التراث اليهودي، إلى جانب سرقة حجارة أثرية تعود إلى العصر الأموي الإسلامي، كما تهدف إسرائيل إلى إنشاء حدائق توراتية ومعاهد دينية وبؤر استيطانية ومتاحف مزيفة ومواقع أثرية، وذلك بحسب ما حذرت منه جامعة الدول العربية في اجتماع على المستوى الوزاري في العام 2010.
من جانبها قالت مديرة المركز الفلسطيني للتراث في بيت لحم مها سقا، إن العمل بالتراث هو وجه وجوه النضال وسلاح آخر يقول "إننا موجودون"، فالوطن بحسب سقا هو "تراكم التراث والحضارة".
وأشارت سقا في حديثها لـ"عربي 21" إلى أن إسرائيل لم تجد لها في فلسطين المحتلة أي تراث تدافع فيه عن نفسها فبدأت بسرقة التراث الفلسطيني بدءا من اللباس مرورا بالطعام وليس انتهاءً بالثوب الفلسطيني.
ولفتت إلى أن التمسك بالتراث ازداد بعد الانتفاضة الأولى وأن العديد من الفلسطينيين تنبهوا لأهمية التمسك بالتراث في ظل الإجراءات الإسرائيلية التي تهدف لسرقته، حتى أن بعض الشباب الفلسطيني بدأ باستبدال زي الزفاف التقليدي بالزي التراثي الفلسطيني.
وأشارت إلى أن المركز الذي تديره في بيت لحم بدأ مبادرة لعمل "زي مدرسي" من وحي التراث الفلسطيني وأن المبادرة والزي الجديد الذي أدخلت عليه سقا ألونا ورموزا تراثية لقيا تجاوبا شعبيا وأنها ستعمل على الدفع نحو اعتماده رسميا من قبل الجهات المختصة.
وعن المسيرة الفلكلورية الفلسطينية قال الباحث في التاريخ الشفوي في الجامعة الإسلامية بغزة الأستاذ رشاد المدني، إن المسيرة التراثية الفلكلورية أخذت بعداً أكاديميا منذ العام 1948 وحتى العام 1967 لتنشط بعد ذلك الجهود الشعبية بإقامة المراكز المعنية بالحفاظ على التراث.
وأشار المدني في حديثة لـ"عربي 21" إلى أن المخيمات الفلسطينية الـ 63 في الداخل الفلسطيني والشتات بدأت بإنشاء مراكز خاصة للحفاظ على التراث بهدف حفظ الهوية العربية الفلسطينية وتعميق الوعي للأجيال القادمة.
وأكد أن الاحتلال يسرق التراث بهدف خلق واقع مغلوط ومزيف بدءا من تحريف التوراة التي قالوا أنها تمنحهم حقا دينيا في فلسطين المحتلة.
ولم يتوقف العمل على الحفاظ على الهوية في الداخل الفلسطيني إذ برزت مراكز ومبادرات عديدة في مخيمات الشتات بالأردن وسوريا ولبنان تتعنى بحفظ التراث والفلكلور الفلسطيني.
الباحث الفلسطيني اللاجئ في لبنان محمود دكور قال إن جيل فلسطين الذي عانى النكبة وعاينها عليه واجب الحفاظ على ما يعرفه من عادات وتقاليد.
ويضيف مؤسس المتحف الفلسطيني والمكتبة العامة في الشتات لـ"عربي 21" إنه جمع قطعاً تراثية من جميع أنحاء العالم لكي يتذكر اللاجئ الفلسطيني أن لتاريخ 1948 أهمية خاصة.
وتابع: "ما زلنا نوثق التاريخ الشفوي لفلسطين ونكتب عن كل ما نعرفه قبل الشتات، من العادات والتقاليد، وأسماء القرى، واللهجات والحكايات الفلسطينية".
أما في الأردن الذي يستضيف العدد الأكبر من اللاجئين الفلسطينيين فتقول مديرة مركز التراث الفلسطيني سهام الدباغ إن المركز يعمل في سياقين متوازيين في الحفاظ على الهوية الفلسطينية وتوفير الدعم المادي لسيدات المخيمات في الأردن.
ويعمل في المركز 550 سيدة عاملة في مجال التطريز وصناعة الثوب الفلسطيني بهدف إيصال الثوب الفلسطيني في كل بيت ولأن الأم "الجائعة" بحسب الدباغ لا يمكن أن تربى "ابنا يحمل حجراً".
ويتعدى عمل المركز بحسب ما أضافت الدباغ لـ"عربي 21" من صناعة الثوب الفلسطيني إلى عمل المأكولات الفلسطينية الشعبية وعرض الأفلام الوثائقية بل والحصول على كل ما يكتب في التراث الفلسطيني وتسويقه.
وختمت الدباغ بأن مرتادات المركز كن في البداية من السيدات كبيرات السن ثم انتقل العمل إلى سيدات صغيرات حاليا، مشيرة إلى أن الجهود المبذولة في الحفاظ على التراث الفلسطينية مرضية حتى الآن.