كان الإضراب قد دخل يومه الثاني عندما وصلت الأخبار بأن شركة "
كي بي غلف" قد جاءت للتفاوض مع العاملين في معسكر
العمال رقم 42. ركض محمد وحيد سيركار عامل الكهرباء من بنغلاديش على الدرج مسرعا لملاقاتهم، ولكنه لم يجد رؤساء الشركة بل الشرطة
الإماراتية التي أخذت تكسر أبواب العمال وتضربهم، واعتقلت عددا منهم وأخذت سيركار إلى مركز شرطة دبي، ولكن عندما حضرت التعزيزات بدأت الأمور تبدو أكثر سوءا.
ويقول سيركار الذي كان يتحدث عبر مترجم: "لقد ضربوني وطلبوا مني الاعتراف بأنني بدأت الإضراب".
أما الآخرون فقد ضربوا بالعصي وركلوا وصفعوا بالاحذية وهو عمل مهين في الثقافة العربية.
بعد تسعة أيام في الحبس، رحل سيركار ومعه آخرون اتهموا بتنظيم الإضراب، ولم يكن رد فعل الحكومة الإماراتية مستغربا لأن التظاهرات ممنوعة فيها، لكن معظم الذين رحلوا في تشرين الأول/ أكتوبر، كانوا يعملون في مشروع أصله في أمريكا وهو بناء حرم جامعي وفرع لجامعة نيويورك.
وكانت الجامعة التي تعرضت لانتقادات لأنها دخلت في مغامرة في بلد تمنع فيه الاحتجاجات ويعيش فيه العمال أوضاعا تشبه أوضاع عمال السخرة، قد اضطرت لإصدار مذكرة عن حقوق العمال وقيم العمل، لكن المقابلات التي أجرتها صحيفة "نيويورك تايمز" مع عدد من العمال تظهر أن أوضاعهم لم تتحسن. وأن الأوضاع تختلف عن الصورة المثالية، ففي العادة ما يدفع العمال راتب سنة كي يحصلوا على عمل ولا يستردون المبلغ الذي يدفعونه مع أنهم يضطرون للعمل ما بين عشرة إلى أربع عشرة ساعة، سبعة أيام في الأسبوع كي يحصلوا على المبلغ الذي وعدوا به.
المعاملة التي تعرضوا لها تتناقض مع قواعد العمل التي تنص على أن أي خلاف يحصل، يجب أن يتم بدون تحرش أو استفزاز أو تهديد بالانتقام.
وينام خمسة عشر رجلا في الغرفة مع أن قواعد الجامعة تقول إن أربعة أشخاص يجب أن يناموا في الغرفة. وقال العمال إن الشركة لم تسمح لهم بالاحتفاظ بجوازات سفرهم رغم الوعود التي حصلوا عليها..
ونقل عن منور، من بنغلاديش الذي يعمل في مجال الطلاء أنه لم يكن سعيدا في عمله.
ويعتبر مشروع
جامعة نيويورك أبوظبي من أكثر المشاريع طموحا ويمزج المال والثروة مع الجامعات الخاصة في تجربة التعليم وعولمته، ويصف مدير جامعة نيويورك جون سيكستون المشروع بأنه فرصة لتحويل الجامعة والعالم.
ولكن أبو ظبي عاصمة الإمارات العربية المتحدة، تظل مكانا غير مناسب لهذه التجربة، ولكي تكون ساحة لتقديم نموذج عن الجامعة الأمريكية، لأن حرية الرأي ممنوعة أو لا يسمع عنها في هذا البلد. ويعد انتقاد الحكومة جريمة، ويترك نظام العمل القائم على الكفالة ملايين العمال المهاجرين مرتبطين بالشركات التي دعمت تأشيراتهم.
وتقول جامعة نيويورك، إن الحرم الجامعي في أبو ظبي سيدار باعتباره "منطقة حرة ثقافية" حيث سيتم الالتزام بقيم الجامعة من معاملة الموظفين لحماية حرية البحث العلمي. وتقول الجامعة، إن جهودها للتأكيد على ظروف العمل الإنسانية غير مسبوقة.
وعندما اتصلت الصحيفة بسلطات الجامعة وأخبرتها عن طبيعة معاملة العمال، قالت إنها لا تستطيع التعليق على معاملة حصلت لأفراد معينين لأنهم لم يكونوا موظفين تابعين لها، ولكن لشركات تعهدات وشركات تابعة لها تعمل لوكالات الحكومة المختلفة لتنفيذ المشروع، ويجب على هذه الشركات أن تتبع تعليمات الجامعة حول قيم العمل وأخلاقياته.
ومن أجل المساعدة والتأكد من اتباع قوانين الجامعة، تعاقدت مع شركة هندسية وهي "موت ماكدونالد" التي تقدم تقريرا شهريا حول ظروف العمل. وكان آخر تقرير لها في الشهر الماضي حيث كشف عن الكثير من التحديات، بما في ذلك ما يتعلق بمتعهد واحد لم يف بتعهداته لدفع أجور العمال لشهر.
لكن التقرير أشار إلى أن مشروع جامعة نيويورك أبو ظبي يتعامل مع قضية العمال وحقوقهم بشكل جدي. ولم يذكر التقرير إضراب عمال "بي كي غلف"، ولا مطالب المضربين بأجور جيدة. ورفضت الشركة الهندسية مناقشة التقرير فيما قال جون بيكمان المتحدث باسم جامعة نيويورك، إن الجامعة لا تعلم شيئا عن اضطرابات حصلت وإنها تعمل مع شركائها للتحقيق في الأمر.
ويقام مشروع الجامعة في جزيرة السعديات التي تريد الإمارات تحويلها إلى منطقة ثقافية عالمية، حيث ستقيم فروعا لمتحف اللوفر وكاننيجهام. وانتقدت منظمات حقوق إنسان مشروعي المتحفين، حيث دعا عدد من الفنانين والكتاب أو تحالف "عمال الخليج" في آذار/ مارس، لإثارة الانتباه لأوضاع العمال في أبو ظبي. وقال مدير متحف كاننيغهام، ريتشارد أرمسترونغ، إن المتحف مكرس نفسه لمعاملة العمال بالعدل وإن المشروع لم يتم البدء بتنفيذه بعد.
أما مشروع الجامعة فقد انتهى، وكان الفرع يعمل من بنايات مؤقتة، حيث سيتم تخريج الدفعة الأولى من الطلاب، وسيكون الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون موجودا ليعلن عن المرحلة الجديدة من حياة جامعة نيويورك "كجامعة ذات شبكة عالمية".
وتقول الصحيفة، إن غالبية الموظفين البالغ عددهم 6000 موظف يقيمون في معسكرات كبيرة، حيث يمنع الحراس أي زائر دخولها، لكن مسؤولي الجامعة يصفون الأوضاع فيها بالممتازة وأنها تحتوي على عدد من الأماكن الترفيهية.
وتقول الصحيفة إن منور الذي يعمل مع شركة "سيتي فالكون" يعيش في مخيم بائس، حيث تزدحم غرف النوم بالعمال الذين ينامون في أسرة من طوابق. وبين الأسرة تنتشر حاجيات العمال من القرنبيط والبصل والأرز البسماتي الذي يقوم العمال بطهيه بعد انتهائهم من العمل، ويعلق العمال ملابسهم في سقف الغرفة حيث تتسلق الصراير على الجدران. وتقول إن حوالي عشرة رجال أو أكثر يعيشون في مساحة 200 متر مربع، ويعلقون مناشفهم على أسرتهم حتى تعطيهم نوعا من الخصوصية.
وجاء الرجال الذين يعيشون في هذا المعسكر من جنوب آسيا مثل غيرهم من أبناء بلدانهم لغرض واحد: الحصول على المال ومساعدة عائلاتهم. ويقول أحد العمال وهو يتحدث بهدوء بوجهه الطفولي إنه يعيل خمسة أولاد، وقال آخر إنه يعيل 6- 14 من أفراد عائلته.
ويقول عامل طلاء إنه وعد بتلقي 1500 درهم إماراتي في الشهر، وعندما وصل المبلغ، كان كل ما حصل عليه هو 700 درهم. ويقول التقرير إن المعيشة وشراء الطعام يأخذان جزءا من الراتب، وكذا الهواتف النقالة التي تعتبر شريان الحياة لهم وصلتهم مع العالم الذي تركوه وراءهم. كما أن الوعود بزيادة رواتبهم لم تحصل، ورغم أنهم يعملون 11 ساعة في اليوم 6 أيام في الأسبوع، فكل ما يمكنهم إرساله لعائلاتهم لا يزيد على 100 دولار أمريكي في الشهر.
ويصف التقرير أوضاع العمال السيئة، حيث لا يستطيع العمال التحكم بأموالهم أو سحبها بدون إذن الرجل الذي جلبهم من الهند أو بنغلاديش واقتطع هو وشركته راتب عام من عمل العمال هؤلاء.
ويعود التقرير لفرع جامعة نيويورك التي يقول إنها وضعت نفسها أمام عدد من التحديات والمشاكل، سواء فيما يتعلق بوضع العمال وحقيقة أنها ضيف على العائلة الحاكمة التي لم تتول تمويل بناء 21 مبنى في الحرم الجديد فقط، بل ودفعت رسوم الدراسة، كما أنها دفعت أول دفعة من تبرع 50 مليون دولار لجامعة نيويورك.
وتقول الصحيفة، إن الإمارات اتهمت في الأعوام القليلة الماضية بتعذيب السجناء السياسيين، وزادت من وتيرة القمع ضد المعارضين. ومع أن قطر التي تحضر لاستضافة مونديال عام 2022، قد أعلنت عن إجراءات لإصلاح نظام الكفالة إلا إنه في الإمارات لا يزال كما هو.