رغم أن الحرس القديم بجماعة
الإخوان ما زال يصر على الدعوة للمقاومة السلمية من وراء القضبان في قاعات المحاكم
المصرية، فإن بعض أعضاء الجماعة من شباب الإخوان يفكرون جديا في اللجوء للعنف وسيلة للرد على الحملة التي تشنها الدولة عليها.
ويشكو النشطاء الشبان من أن كبار قادتهم فقدوا صلتهم بالواقع وفشلوا في رسم اتجاه لهم منذ أطاح قائد الجيش السابق عبد الفتاح السيسي بالجماعة من السلطة في العام الماضي، وكثير من هؤلاء الشباب هارب من الشرطة ونادرا ما يبيت في مكان واحد حتى يتجنب إلقاء القبض عليه.
في ضوء توقعات شبه مؤكدة بأن السيسي سيفوز في انتخابات الرئاسة التي تجرى الأسبوع المقبل، بدأ شباب الاخوان الذين سئموا الشعارات يشعرون بإغراء الخروج على السياسة التي تنتهجها الجماعة منذ سنوات بعيدة وتقوم على نبذ
العنف، وذلك رغم أن القيادات تعقد ورش عمل لإقناع الشباب بالابتعاد عن العنف.
في أحد المقاهي بمدينة الإسكندرية؛ جلس أحد القيادات الشبابية من الإخوان تسعى السلطات لاعتقاله، يشكو من أن كبار قادة الجماعة منفصلون عن الواقع ولا يستطيعون إصدار التوجيهات.
ومثل أغلب الإسلاميين الذين التقتهم "رويترز" لهذا التقرير قال هذا الشاب إنه لا يريد نشر اسمه لأسباب أمنية.
وقال متسائلا: "القيادات التقليدية تريد العمل السلمي، فما الذي يحققه ذلك لنا؟ حتى الاحتجاجات لا تنجز شيئا، وهي تتضاءل لأن قوات
الأمن تهاجمنا، نحن في الحقيقة لا نملك استراتيجية".
وكثير من قيادات الجماعة، ومن بينها الرئيس السابق محمد مرسي نفسه، قدمت للمحاكمة بينما هرب آخرون للخارج تفاديا لحملة
القمع التي شهدت الشهر الماضي أحكاما بإعدام محمد بديع المرشد العام للجماعة و682 من مؤيدي الإخوان.
وكانت مصر قد شهدت تشكيل حركات تتبنى العنف إلى حد معين للرد على "جرائم الانقلاب"، مثل حركة "مولوتوف" وحركة "ولع"، وهي حركات شبابية تقول إنها لا ترتبط بجماعة الإخوان، ولكنها تؤيد العنف الذي لا يصل إلى حد القتل للرد على القمع الذي يواجهه معارضو الانقلاب من قوات الأمن والجيش.
تراجع سيطرة القيادات على الشباب
قال عدد من الاعضاء إن لهم زملاء يفكرون بجدية في حمل السلاح في مواجهة قوات الأمن، رغم تحذيرات متكررة من مسؤولين كبار في الجماعة خشية أن يؤدي ذلك إلى القضاء الكامل على الحركة.
وكانت جماعة الاخوان نبذت العنف قبل عقود، ومن المؤكد أن عدد أعضائها يبلغ الملايين في بلد يبلغ عدد سكانه 85 مليون نسمة. بالإضافة إلى تفوق الشرطة والجيش في السلاح والعتاد يقول قادة الجماعة إنها ستفقد الأرضية الأخلاقية التي تقف عليها في هذا الصراع إذا لجأت للعنف.
لكن السيطرة على الشبان تتزايد صعوبة يوما بعد يوم.
وقال أحد الشبان إن زملاء له يفكرون في تصعيد المقاومة إلى حد قتل رجال الشرطة الذين يقولون إن أيديهم تلطخت بالدماء.
وقدر آخر أن ما يصل إلى 20 في المئة من الشبان يعتقدون أن العنف ربما يكون الخيار الوحيد المتبقي أمامهم، رغم أن القيادات الأكبر سنا تقدر هذه النسبة بعشرة في المئة.
وقال القيادي الشاب: "البعض يتحدث عن تفجيرات لبث الخوف في نفوس قوات الأمن".
وقد صعد متشددون إسلاميون في شبه جزيرة سيناء هجماتهم على الشرطة والجيش منذ الإطاحة بالرئيس محمد مرسي. وقتل المئات وامتد العنف خارج سيناء وشهدت القاهرة وعدة مدن أخرى تفجيرات.
وقد أعلنت السلطات المصرية جماعة الإخوان جماعة إرهابية وأصبحت لا تميز بينها وبين المتشددين الذين ينشطون في سيناء، لكنها لم تقدم دليلا يثبت هذه الاتهامات.
لعبة النفس الطويل
وقال محمد صالح وهو من كبار مسؤولي الإخوان، "إن الحركة بدأت عقد ورش عمل لاحتواء الأعضاء الشبان الذين سجنوا أو عذبوا".
وأضاف: "الشباب رأيهم أن العنف وسيلة للتصدي للنظام، ونحن نحاول التخلص من هذا الفكر".
وتابع بأن على جماعة الإخوان أن تلجأ بدلا من القوة إلى لعبة النفس الطويل، اعتقادا منه أن السيسي سيفشل في معالجة مشاكل اجتماعية واقتصادية ما سيؤدي إلى ثورة المصريين عليه.
وعلى الجانب الآخر، استدعى السيسي العداوة القديمة بين الجيش والإخوان، حيث قال لـ "رويترز"، في مقابلة أجريت الأسبوع الماضي، "إن جماعة الإخوان أصبحت منفصلة عن واقع المجتمع المصري".
وقال مسؤول أمني: "جماعة الاخوان المسلمين بوضعها الحالي جماعة تبنت العنف وأيدي قادتها ملطخة بالدماء".
وأضاف: "لكي يتم قبولهم في الطيف السياسي والاجتماعي عليهم أن يجدوا وسيلة للتخلص من ذلك إما بقيادات جديدة أو باسم جديد. لكن من المؤكد أن عليهم الالتزام بمفهوم جديد وإعادة الظهور كحركة سياسية جديدة".
لكن أي تحرك صوب المصالحة قد يزيد من تمزيق الجماعة.
وقال القيادي الشاب، "إن بيانا صدر في الآونة الأخيرة عن أحد القيادات وتم تفسيره على أنه دعوة لموقف أقل تشددا من الدولة؛ أثار غضب الجيل الجديد من أعضاء الإخوان".
جهاديون عائدون
وإذا اتجه عدد كبير من الأعضاء الشبان بالإخوان لحمل السلاح فسيؤدي ذلك إلى تعقيد مساعي تحقيق الاستقرار في مصر.
وقال عدة أعضاء في جماعة الإخوان، "إن جماعات إسلامية تؤمن بالعنف سبيلا للتغيير وجهاديين مصريين عائدين من الجبهة في سوريا، اتصلوا بشباب الإخوان لمحاولة إقناعهم بحمل السلاح ضد الدولة.
وإذا استمر ضغط الدولة على الجماعة فإن من المحتمل أن يتمكن متشددون من استغلال الانقسامات وكسب مجندين جدد.
وقال خليل العناني الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية: "الشباب أكثر ميلا للمواجهة ويعتقدون أن السبيل الوحيد للتصدي للانقلاب هو الاحتجاج ربما بمهاجمة الشرطة وحرق اقسام الشرطة".
وأضاف: "من المتوقع أن يتزايد هذا الانقسام وهو ما سيؤثر على قدرة الحركة على تحدي الحكومة".
وقالت قيادات شابة، "إن القادة القدامى قدموا بعض التنازلات وسمحوا للأعضاء الأصغر سنا بصلاحيات أكبر في صنع القرار. لكن مشاعر الإحباط ما زالت منتشرة على نطاق واسع بين الشباب الذين يرون أن قادة الإخوان يفتقرون للرؤية".