نشرت صحيفة الغارديان تقريرا لمراسلها في القاهرة باتريك كينغزلي حول الانتخابات الرئاسية في
مصر يقول فيه إن الجميع كان يعلم أن عبد الفتاح
السيسي، وزير الدفاع السابق، سيربح الإنتخابات الرئاسية التي أجريت هذا الأسبوع، ولكن السؤال المطروح كم من المصريين سيخرج ليؤيد تنصيبه؟
فقد أراد المؤيدون له أن يخرج الناس بأعداد كبيرة للجان الاقتراع؛ لإثبات أن الرجل يتمتع بتأييد واسع، أما المعارضون فكانوا يأملون بأن تكون أعداد المصوتين ضئيلة.
وتشير الأرقام الأولية إلى أن نسبة المصوتين كانت 46%، وقد صوت معظمهم للمشير السابق. وكما كان متوقعا يدور الجدل الآن حول مسألتين، هل هذه النسبة قابلة للتصديق؟ وإن كانت صحيحة كم من الشرعية تمنح السيسي؟
بالنسبة للسؤال الأول لا يستطيع المتشككون تصديق أن تكون نسبة المشاركين في التصويت وصلت إلى 46%. والأدلة المروية من المراسلين الذين تجولوا بين لجان الانتخاب تشير إلى نسبة أقل. وكذلك تشير حالة الهلع التي أصابت مؤيدي السيسي في الإعلام ومؤيديه في مؤسسات الدولة.
فبعد أن تبين أن نسبة المشاركة يوم الإثنين كانت متدنية قال عمرو أديب، مقدم برنامج حواري على التلفزيون "أنا مستعد أن أقطع شراييني الآن على الهواء حتى يخرج الناس ويصوتوا". ولتخوف الحكومة قامت بالإعلان عن إجازة عامة في اليوم التالي من أجل تشجيع الناس على التصويت، ومددت الانتخابات ليوم ثالث كما هددت الممتنعين عن الإشتراك بغرامة كبيرة.
والإثبات الأخير بأيدي معارضي السيسي موجود في تصريح رئيس الوزراء المؤقت إبراهيم محلب، حيث قال في أواخر اليوم الثاني من التصويت إن نسبة المشاركين بالكاد تجاوزت 30% حتى تساءل الكثير كم من الناس صوتوا في اليوم الثالث والأخير حتى وصلت النسبة إلى ما يدعى.
بالنسبة لآخرين فإن نسبة 46% نسبة معقولة وخاصة أن الحكومة ومؤيديها في الإعلام دفعوا نحو مشاركة أكبر.
يقول ماجد عثمان رئيس مركز بصيرة لاستطلاع الرأي وأستاذ الإحصاء في جامعة القاهرة "أعتقد أن الرقم معقول بحسب أرقامنا". وقد قام فريق من مركز بصيرة قوامه 220 شخصا بمقابلة 12000 ناخب على مدى الثلاثة أيام وقدر نسبة المشاركة بـ 42% إلى 46%.
وأصيب مؤيدو السيسي بالذعر وذلك لأنهم أدركوا أن التأييد للسيسي قد لا يتجاوز أقليه من المصريين ذوي الأصوات العالية وليست الأغلبية. السيسي نفسه طلب نسبة 80% مشاركة ولكن يبدو أن هذه النسبة كانت متفائلة جدا.
ولكن إن كانت نسبة 46% صحيحة فيمكن لأنصار السيسي أن يقولوا أنها نتيجة محترمة. فمحمد مرسي الذي أطاح به السيسي الصيف الماضي، والذي انتخب عام 2012 حصل على 52% فقط من 51% مشاركين، وهذا الأسبوع حصل السيسي على أكثر من 90% من الأصوات من نسبة لا تقل بكثير من المصوتين. وحتى لو كانت تقضي على أسطورة الـ 40 مليون متظاهر الذين فوضوه الصيف الماضي فإنه حصل نظريا على أعلى تفويض انتخابي لأي سياسي مصري منذ الثورة في 2011.
ولكن بالنسبة لمعارضيه فإن القمع والأساليب الملتوية للوصول إلى هذه النتيجة كلها تقوض مصداقيتها. فحقيقة أن الإنتخابات احتاجت إلى إعلان يوم عطلة رسمية في آخر لحظة والتهديد بفرض غرامات على الممتنعين عن التصويت وتمديد التصويت ليوم ثالث لدفع النسبة نحو الـ 50% تجعل عملية الانتخابات برمتها محل تساؤل. وكما قال أحد المراقبين الدوليين من (ديموكراسي انترناشيونال) تعليقا على تمديد التصويت "هي الخطوة الأخيرة في سلسلة من الخطوات التي اضرت بمصداقية العملية الانتخابية"، وجاءت في ظل ادعاءات من حملة المرشح المنافس حمدين صباحي أن عشرات الناشطين اعتقلوا لأنهم اشتكوا من مخالفات في التصويت.
وبالنسبة لآخرين فإن الانتخابات لم تكن صحيحة حتى قبل فتح باب الإقتراع وحتى لو كانت عمليه الاقتراع حرة نوعا ما إلا أنها جرت على خلفية قمع لمدة طويلة فباعتراف الشرطة أنفسهم تم اعتقال 16000 ناشط سياسي معظمهم اسلاميين منذ أطاح السيسي بمرسي. ولكن تقديرا مستقلا لعدد المعتقلين يقول بأن العدد قد يزيد عن 41000. كما أنه قتل أكثر من 1000 متظاهر وتم سجن الصحفيين وحظرت حركة الشباب التي أشعلت ثورة 2011.
وفي هذا الجو امتنع عدد من المرشحين المحتملين بسبب عدم وجود فرصة لهم أمام السيسي الذي تدعمه الدولة وفي نظهرهم فإن الانتخابات ليس لها معنى حتى لو شارك في التصويت 46% ممن يحق لهم الانتخاب.